تتكشف تفاصيل الامتحانات الرسمية عن شوائب إضافية تشير إلى أن أداء اللجان الفاحصة لم يكن هذا العام بمستوى الاستحقاق.
فالأجواء «غير الصحية» المرافقة لإعداد مسابقة مادة «الفلسفة العامة» مثلاً، أدت إلى استقالة مقرر اللجنة في عزّ الامتحانات.
وتبيّن أن المشكلة ليست في العلامة الكاملة (30 من 30) التي شرح أساتذة المادة لـ«الأخبار» مبررات وضعها، إنما في الفساد الإداري المتمثل بـ«تسريب» الأسئلة، والتفرّد في قرار إعطاء علامة الاستلحاق في تجاوز لكل القوانين والأعراف، ووسط خطورة غياب «بنك أسئلة» تنتقي منه لجان المواد المسابقات، وحصر مهمة وضع المسابقة بمقرر اللجنة مع نائبه أو حتى من دونه، قبل أن يوقّع عليها رئيس اللجان الفاحصة، المدير العام للتربية عماد الأشقر، مع كل ما يمكن أن يعتري ذلك من تضارب مصالح، كأن يعمل أعضاء لجان الامتحانات في المدارس الخاصة ويتقاضون بدلات مرتفعة لمجرد أنهم أعضاء في اللجان الفاحصة.
لماذا استقال المقرر، ولماذا طاولت علامة الاستلحاق فرع الآداب والإنسانيات دون غيره من الفروع الأخرى للشهادة الرسمية؟
قد يكون تسريب مسابقة الفلسفة العامة بواسطة «ناشط» تربطه علاقة وثيقة بالمدير العام طاول مسابقات أخرى، لكنه في حالة الفلسفة، كان، بحسب مصادر من الوزارة والمقررين، سبباً رئيسياً لاستقالة مقرر اللجنة بخلاف ما جاء في كتاب الاستقالة حول ظروف عائلية وصحية خاصة. فمعلوم أن الفلسفة كانت هذا العام مادة إلزامية للفروع الأربعة للشهادة بعدما كانت مادة اختيارية على مدى أكثر من دورة سابقة، وقد فوجئ المقرر بأن المسابقة التي أعدّها لأحد الفروع سرّبت فجراً، عبر أحد «الناشطين» على مواقع التواصل الاجتماعي، ووضع «المسرّب» المسابقة مع الأجوبة في متناول الطلاب المشتركين في منصّته، وتكرّر الأمر مع فرعين آخرين، قبل أن يعترض على هذا الخرق ويقرر عدم وضع أسئلة الفرع الرابع، ويُدفع إلى تقديم الاستقالة. وفي مجال آخر، برز في النتائج تدنّي نسبة النجاح لدى الطلاب الذين يقدمون مادة الفلسفة العامة باللغة الأجنبية ويدرس معظمهم في المدارس الكاثوليكية، إذ تبيّن أنّ هناك خطأً في صيغة طرح السؤال، وتم التعاطي مع أجوبة الطلاب باستنسابية، أي احتساب الجواب صحيحاً على أساس فهم الطالب للسؤال.
أما الجدل القائم بشأن إعطاء علامة كاملة للطالب على هذه المادة التي تتطلّب التحليل للنظريات الفلسفية، فجرت معالجته، بحسب أكثر من أستاذ تحدّثت إليهم «الأخبار»، منذ عام 2016 عندما وضع توصيف جديد للمسابقة، ويحدّد في كل عام «باريم» يوزع العلامات على أكثر من قسم ومنها المقدمة والإشكالية والتمهيد والنظرية وإبداء الرأي.
ومن حق الطلاب، بحسب الأساتذة، أن يأخذوا العلامة الكاملة إذا التزموا بالتوصيف والمنهجية، وكانت أجوبتهم وافية ورأيهم مبرّراً منطقياً، والسؤال الذي طرحه الأساتذة: «لماذا نضع علامة قصوى إذا كنا لا نريد أن نعطيها للطلاب؟».
اللافت في فرع الآداب والإنسانيات كان تفرّد المدير العام بقرار إعطاء نصف علامة استلحاق لهذا الفرع دون غيره، بغطاء من وزير التربية، ومن دون التشاور مع الهيئة الإدارية في اللجان الفاحصة التي تقرّر وحدها علامة الاستلحاق وبعد صدور النتائج منتصف الليل، ما أدى إلى تأخير إعلانها لساعات، في حين أن مثل هذا القرار يتخذ قبل كشف العلامات، ما ينسف قانونية النتائج وصدقيّتها.
ويبدو مستغرباً أن يقال لإحدى المرجعيات لدى مراجعتها في أسباب إعطاء علامة الاستلحاق لهذا الفرع دون غيره، إن عدد المتقدمين للآداب والإنسانيات لا يتجاوز 800 طالب، وإن تدنّي نسب النجاح قد يؤدي إلى عدم الإقبال على دراسة هذا الاختصاص وصولاً إلى إقفاله.
الثغرة الثانية كانت في التفرّد في قرار خفض تثقيل مادة الرياضيات من 50 إلى 30، وهو ما يستوجب أن يستدعي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وزير التربية لمساءلته عن الموضوع، وخصوصاً أن تعديل التثقيل هو من صلاحية مجلس الوزراء وليس وزير التربية.