كتبت صحيفة النهار: لم يكن الحدث المدوي في محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق المرشح الجمهوري دونالد ترامب، أقلّ وقعاً على الشرق الأوسط منه على سائر مناطق العالم، ولو أن هذا الحدث كاد يطغى على مجزرة المواصي الدموية الهمجية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة والتي أضافت شلالات دماء على تعقيدات المحاولات الدؤوبة لوقف الحرب في غزة.
وفي قلب معترك هذين الحدثين، وجد لبنان نفسه معنياً بمعاينة انعكاسات الحدث الأميركي على مسار التطورات في المنطقة، كما بتلقي تداعيات المجزرة الأخيرة في غزة التي ترددت معلومات متضاربة حول إمكان أن تنسف المفاوضات الجارية في شأن تسوية في غزة.
والواقع أن بعض المسؤولين الرسميين اللبنانيين كانوا يترقبون تطورات إيجابية في مسار المفاوضات للتوصل الى تسوية في غزة نظراً إلى تلقيهم معطيات خارجية وعربية تشير إلى معالم مرونة متصاعدة كانت تخترق المفاوضات تباعاً.
ويبدو أن الآمال لدى هؤلاء المسؤولين اتصلت بتردّدات الاحتمال الإيجابي للتوصل الى تسوية، إذ أشارت المعطيات إلى استمرار وجود كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة وموفده إلى إسرائيل ولبنان في ملف خفض المواجهات ووقفها وإطلاق المفاوضات، آموس هوكشتاين، في دول أوروبية ربما تحسباً لاطلاق جولة فورية مكوكية من المفاوضات بين لبنان وإسرائيل حال إعلان التسوية في غزة.
لكن مجزرة المواصي أطاحت بهذه الآمال إذ عكست الانطباعات لدى المسؤولين اللبنانيين في الساعات الأخيرة عودة أجواء قاتمة ومتشائمة حيال أي فرصة قريبة لاختراق في غزة وتالياً انعكاسه على الجنوب اللبناني.
عزز هذا المناخ تهديدات إسرائيلية جديدة بعملية حربية في لبنان إذ كتب المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في منشور على حسابه عبر منصة “إكس”: “قيادة المنطقة الشمالية تواصل الاستعداد للقتال في لبنان – تدريبات لقوات الاحتياط”.
وأضاف: “تواصل قيادة المنطقة الشمالية رفع جاهزية واستعداد القوات على الجبهة الشمالية حيث أجرت قوات اللواء 5 الأسبوع الماضي تمرينًا لوائيًا تدرّبت خلاله على قدرة الحركة في المناطق الوعرة والتقدم في المحاور الجبلية وتفعيل وسائل النيران ووسائل جمع المعلومات”.
وتابع: “بالإضافة إلى ذلك جرى هذا الأسبوع، تمرين مفاجئ لقوات كتيبة الاحتياط 920 من اللواء 769 حيث عززت قوات الاحتياط جاهزيتها لسيناريوات القتال المختلفة في حماية بلدات الشمال ومهاجمة العدو”.
وتزامن ذلك مع تصعيد ميداني أمس، إذ دوت صافرات الإنذار في مواقع عدة في الجليل الغربيّ إثر إطلاق صلية صواريخ من جنوب لبنان.
وأعلن “حزب الله” استهداف انتشار لجنود العدو في محيط موقع “حدب يارين” بالأسلحة الصاروخيّة، وأفادت تقارير أن طائرة إسرائيليّة ألقت مواد حارقة في محيط موقع “حدب يارين” من الجانب اللّبنانيّ ما تسبب باندلاع حرائقٍ في المنطقة.
كما أعلن العدو الإسرائيليّ أنّه قصف ليل السبت الماضي بنى تحتيّة عسكريّة لـ”حزب الله” في راميا. وشهدت قرى القطاعين الغربي والأوسط في الجنوب طيلة ليل السبت- الأحد وحتى الصباح، إطلاق القنابل المضيئة وتحليق الطيران الاستطلاعيّ الإسرائيليّ.
وردّاً على ذلك، أعلن الحزب أنه شن هجوماً جوياً بِسرب من المسيّرات الإنقضاضية على مقر قيادة الفرقة 91 المُستحدث في إيليت، مُستهدفاً أماكن استقرار ضباطها وجنودها “وحقق فيها إصابات مؤكدة”.
السفير الفرنسي
في غضون ذلك وبمناسبة احياء العيد الوطني الفرنسي في قصر الصنوبر، ذكّر السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو في كلمته أمس بالجهود المستمرة التي تبذلها فرنسا من أجل المساهمة في التوصل الى مخرج من الأزمة السياسية الراهنة، وقال: “تعلمون بلا شك ما هي الروابط التاريخية والإنسانية والثقافية التي تجمعنا بكم، إن قوة هذه الروابط هي التي تفسر التزامنا بمساعدة بلدكم على إيجاد الحلول بهدف بناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية.
وأضاف: هذا هو هدف انخراطنا إلى جانب شركائنا في اللجنة الخماسية للقيام بكل ما يسعنا القيام به كي لا يستمر الفراغ … إن انتخاب رئيس للجمهورية أمر ملح، رئيس قادر على أن يباشر إلى جانب حكومة مكتملة الصلاحيات بالخطوات الضرورية للنهوض بالبلاد … إننا نعي تماماً وجود مكامن قلق ومخاوف وصدمات لا يمكن التغاضي عنها، ولكن توجد أيضاً حسابات خطرة لا يمكن القبول بها. إنني على ثقة بقدرة اللبنانيين على تخطي التحديات وتجنب الأفخاخ”.
كما أشار إلى التزام فرنسا من خلال الجهود الديبلوماسية الجارية تجنّب السيناريو الأسوأ في النزاع الذي يصيب جنوب لبنان والتهديد المستمر بحدوث تصعيد قاتل قد يمتد الى كل الأراضي اللبنانية. وأكد أن فرنسا لن تألو جهدا لنزع فتيل التصعيد وتسهيل التوصل الى تسوية عادلة تضمن استقرار لبنان وسيادته.
وفي السياق الرئاسي أيضاً اعتبر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظته أمس من الديمان أن “الروح القدس يعمل في كلّ واحد منّا، وبخاصّة في الذين يتعاطون الشأن السياسيّ العام، من أجل حسن بنيان الجماعة الوطنيّة، القائمة على التنوّع في الوحدة. فلو كان المسؤولون السياسيّون عندنا يصغون لإلهامات الروح القدس، ولمعنى وجودهم، ولأهميّة هويّتهم ورسالتهم، لبدّلوا نهجهم وتعاطيهم الشأن الوطنيّ العام، ولسارعوا إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة، حفاظًا على حسن سير المجلس النيابي لكي يستعيد دوره كهيئة تشريعيّة، ومجلس الوزراء، لكي يستعيد صلاحياته الدستوريّة كاملة، ولكانوا تحمّلوا مسؤوليّاتهم تجاه شعبنا الفقير والمحروم من أبسط حقوقه الأساسيّة في المأكل والعمل والغذاء وتأسيس عائلة مكتفية، ولقاموا بالاصلاحات اللازمة لكي ينهض الاقتصاد، ويتوقّف نزيف الهجرة”.
وبدوره أعلن متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة أن “دستور البلاد هو القانون الأعلى الذي ينظم عمل السلطات في الدولة، والدليل لكل مسؤول وحاكم ونائب وعامل في خدمة الوطن، إحترامه واجب وتطبيقه إلزامي. وكما تصدى آباء الكنيسة للهرطقات، على مجلس النواب أن يكون السدّ المنيع في وجه كل هرطقة قد يحاول البعض نشرها أو تعميمها.
أملنا بأن يحترم الجميع دستور لبنان، وعلى رأسهم نواب الشعب، وأن يطبقوا نصوصه علّ الشعب يستريح من الضغوط النفسية والمعيشية، وينعم بقليل من الاستقرار”.