كتبت صحيفة “الأخبار”: إلى جانب المواقف السياسية التي لا تعبّر بدقة عن التفكير السائد في أوساط القرار، توحي مراجعة التصريحات والمنشورات في كيان الاحتلال وكأنّ الحرب الواسعة ضدّ لبنان حتمية وباتت وشيكة، علماً أنه ينبغي النظر بعناية الى أن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، الذي يتصرف برعونة غير مسبوقة في غزة، يظهر أعلى قدر من الانضباط في مقاربته للجبهة اللبنانية.
ويقول ديبلوماسي غربي على تواصل مع قادة العدو إن فكرة الحرب على لبنان ليست أساسية على جدول أعمال نتنياهو، ويجب الأخذ في الحسبان أن مقاربة الرجل لأيّ حرب مع لبنان، تعيده الى تجربتين ينظر الى نتائجهما بقلق كبير: تجربة شمعون بيريز في حرب «عناقيد الغضب» في تموز 1996 التي أدت الى سقوطه، وتجربة إيهودا أولمرت الذي أسقطته حرب 2006 من رئاسة الحكومة. لكن فكرة التقدير الخاطئ باتت تحكم مسار الأمور.
لذلك، يحدث أن يخرج في كيان الاحتلال من يمكن وصفهم بـ«الفريق المهني الذي يقرأ الأمور بعقل بارد»، ومن بين هؤلاء، خبراء يعملون في معهد دراسات الأمن القومي، ولهؤلاء تقدير ورأي وتوصيات.
وهو ما ورد في تقرير أعدّه عدد من الخبراء في المعهد هم: مئير الران وأورنا مزراحي وآرييل هيمان وعنات شابيرا.
وخلاصته نصيحة إلى القيادة السياسية بتجنب حرب واسعة مع لبنان.
جوهر التوصية يعود الى أن السياسيين والرأي العام يتحدثون عن الحرب، وكأنهم لا يدركون حقيقة الأثمان التي ستدفعها إسرائيل في حرب واسعة مع جهة مثل حزب الله.
وهو أمر ناجم عن تجنّب الجهات السياسية والعسكرية إظهار الحجم الكبير للخسائر خشية أن يفسر ذلك على أنه نقطة ضعف في ظل السجال الكبير القائم من حول الحرب على غزة، والفشل الكبير الذي لقيته الحملة العسكرية الدموية هناك.
وتنشر «الأخبار» في ما يلي موجزاً عن الدراسة التي توصي المستوى السياسي بتجنّب الحرب
يهدف هذا التحليل إلى تقييم مدى الأضرار المحتملة لحرب شاملة وعالية الحدّة مع حزب الله، ويركز على التأثير على القدرة الوطنية على الصمود من دون معالجة الاعتبارات العسكرية والسياسية الشاملة.
ويعتمد مثل هذا التحليل بشكل كبير على سمات مثل هذه الحرب، ومن يبدأها أو يتسبب بها، ومدتها، ونطاقها الإقليمي، والأضرار التي لحقت بالسكان المدنيين وأصولهم المادية، وأهداف إسرائيل الاستراتيجية، ونتائج الحرب.
ومن المرجح أن تكون للحرب الرامية إلى إزالة التهديد الطويل الأمد لحزب الله عواقب وخيمة على سكان إسرائيل والبنية التحتية الحيوية.
في اليوم التالي لهجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، بدأ حزب الله حرب الاستنزاف المستمرة ضد إسرائيل.
وتتميز الحملة في الشمال بدرجات متفاوتة من الشدة، ولا تزال محدودة النطاق، ولكنها تمثل اتجاهاً للتصعيد.
مع ذلك، فقد تجنب كلا الجانبين عمداً الإجراءات التي من شأنها أن تؤدي إلى حرب واسعة النطاق.
أخيراً، وعقب ردود حزب الله على عمليات الاغتيال، تزايد الصوت المطالب ببدء هجوم عسكري واسع النطاق ضد الحزب لإزالة التهديد من الشمال والسماح لأكثر من 60 ألف شخص تم إجلاؤهم بالعودة إلى ديارهم بأمان، وسط شعور متزايد بعدم الجدوى في ما يتعلق بمستقبل الحدود الشمالية، والبلدات الـ 28 التي تم إخلاؤها ومدينة كريات شمونة، إذ يتساءل السكان متى وتحت أيّ ظروف سيتمكّنون من العودة إلى ديارهم.
حزب الله يمثل رأس حربة محور المقاومة، وتتكوّن ترسانته ممّا لا يقلّ عن 150 ألف صاروخ، وغير ذلك من الأسلحة الفتاكة، ومئات الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى الموجّهة بدقة، والتي تغطي كامل المناطق المأهولة بالسكان في إسرائيل.
وتشمل هذه صواريخ «كروز»، والصواريخ الباليستية، والصواريخ الساحلية المتقدمة المضادة للسفن، وآلاف المسيّرات، والصواريخ الدقيقة المضادة للدبابات القصيرة المدى.
وإلى جانب الأنظمة السيبرانية المتقدمة، يمكن لهذه الترسانة الواسعة والمتنوعة أن تتسبب في وفيات هائلة، وتدمير البنية التحتية الوطنية الحيوية وأهداف مدنية وعسكرية في إسرائيل.
إذ إن موارد حزب الله العسكرية أكبر بكثير، من حيث الكمّ والنوع، من قدرات حماس العسكرية قبل الحرب. والمغزى الاستراتيجي هنا هو أن حزب الله يتمتع بالقدرات العسكرية اللازمة لشن حرب طويلة الأمد، ربما تستمر لأشهر، وتتسبب بأضرار جسيمة لإسرائيل.
في حرب واسعة النطاق مع حزب الله، سيتعين على أنظمة الدفاع الجوي التابعة للجيش أن تتعامل مع مرور الوقت – وخصوصاً خلال الأسابيع القليلة الأولى من الحرب – مع وابل واسع يصل إلى آلاف القذائف يومياً، والتي لا يمكن اعتراضها كلها.
ويمكن لهذه الهجمات، بما فيها تلك القادمة من جبهات أخرى مثل إيران والعراق وسوريا واليمن، أن تطغى على طبقات الدفاعات الجوية الإسرائيلية وربما تؤدي إلى نقص ذخيرة الاعتراض.
كل هذا يمثل تهديداً عسكرياً ومدنياً لم تشهده إسرائيل من قبل.
في مثل هذا السيناريو، سيحتاج الجيش إلى تحديد الأولويات بين الأهداف الإسرائيلية المحتملة المختلفة وتخصيص موارده للدفاع الأكثر فعالية.
ومن المرجح أن تعطي القوات الجوية أولوية قصوى للدفاع عن الأصول العسكرية الحيوية مثل قواعد القوات الجوية، والأولوية الثانية للبنية التحتية الوطنية الأساسية، والأولوية الثالثة فقط للسكان المدنيين.
إن الامتثال العلني لتحذيرات قيادة الجبهة الداخلية واستخدام الحماية السلبية: الملاجئ بمختلف أنواعها التي تعاني من نقص، سيكونان حاسمين لحماية المدنيين.
حماية البنية التحتية الوطنية الحيوية أمر حيوي للحفاظ على الاستمرارية الوظيفية المطلوبة في المجالين المدني والعسكري أثناء حالات الطوارئ.
ويشمل ذلك الأنظمة الحساسة مثل شبكة الكهرباء والاتصالات وشبكات النقل البرية والبحرية والجوية وسلاسل التوريد من الخارج والداخل.
يمكن أن تنجم انقطاعات إمدادات الطاقة عن الضربات المباشرة لمرافق الإنتاج والنقل، فضلاً عن التهديدات التي تتعرض لها منصات إنتاج الغاز الطبيعي.
فقد يتم ضرب الأخيرة أو إغلاقها لأسباب تتعلق بالسلامة، ما قد يؤدي إلى نقص الطاقة المحلية والوطنية.
وستكون لذلك عواقب وخيمة على الاستمرارية الوظيفية والاقتصاد الوطني والحياة اليومية لمواطني إسرائيل.
في حرب طويلة ضد حزب الله وحلفائه، ستكون هناك آثار خطيرة على قدرة تعافي الجبهة المدنية الداخلية وطول مرحلة التعافي المتوقعة والتي قد تمتد لسنوات.
ويطرح هذا السيناريو تداعيات صعبة على قدرة إسرائيل الوطنية على الصمود، ولا سيما مع تفاقم الاضطرابات الاجتماعية والسياسية المحلية القاسية رغم الحرب المستمرة.
وفي ظل هذه الظروف، نقترح ما يأتي:
• في أيّ قرار يتم اتخاذه في إسرائيل في ما يتعلق بتوسيع الحرب، ينبغي النظر بجدية إلى المناخ العام الحالي في إسرائيل، والنقاش العام والسياسي العام، بما في ذلك حول مستقبل الحرب في غزة، وتراجع صمود إسرائيل الواضح.
• طالما استمرت الحرب في غزة، يتعين على إسرائيل تجنب الانجرار إلى حرب شديدة الحدّة ومتعددة الجبهات، ويتعين عليها أن تفكر بعناية في التوقيت المناسب لمثل هذا الاحتمال الخطير. وبطبيعة الحال، إذا بدأ حزب الله أو تسبّب بشكل واضح في تصعيد كبير، يجب على إسرائيل أن تردّ بطريقة محسوبة ومتناسبة.
• كسيناريو بديل، فإن وقف إطلاق النار لفترة طويلة في قطاع غزة، وإطلاق سراح المحتجزين، والنظر في إعادة الإعمار الإقليمي على أساس إطار عمل بايدن قد يسمح بوقف إطلاق النار في الشمال وإتاحة الفرصة لتسوية ديبلوماسية هناك بوساطة دولية.
• إذا اندلعت حرب شاملة مع حزب الله، يتعيّن على إسرائيل أن تسعى جاهدة لجعلها قصيرة المدة ومحدودة إقليمياً قدر الإمكان، بهدف تحقيق الحد الأدنى من الضرر المادي والمعنوي بالجبهة الداخلية الإسرائيلية.
• نظراً إلى المخاطر العالية لسيناريو الحرب، على مختلف الأجهزة الحكومية والأمنية المسؤولة عن عمل الجبهة الداخلية أن تعمل على تحسين استعدادها وسدّ الفجوات القائمة في أقرب وقت ممكن.
• يجب أن يكون هناك تنسيق كبير للتوقعات مع الجمهور في ما يتعلق بهدف الحرب والإنجازات المطلوبة، وكذلك المخاطر المتوقعة والاستعدادات اللازمة للسكان المدنيين.
وحتى الآن، لم تتخذ أي خطوات لإعداد الجمهور لهذا السيناريو الخطير.
إن ردود فعل الحزب المدروسة نسبياً، ولكن غير العادية، تعكس تمسّكه باستراتيجيته المختارة: حرب استنزاف دون عتبة الحرب، بينما يحاول إيجاد معادلات ردّ واضحة مع إسرائيل.
وعلى رغم الإنجازات الاستخبارية والعملياتية المثيرة للإعجاب التي حقّقها الجيش، فإنّ تصميم حزب الله على مواصلة القتال في الشمال وربط نهايته باتفاق إسرائيلي بوقف إطلاق النار في غزة يخلق معضلة استراتيجية لإسرائيل، حيث يصعب وقف الهجمات المستمرة، وخلق وضع أمني يسمح لسكان الشمال الذين تم إجلاؤهم بالعودة إلى ديارهم.
ويبدو الأمل بحل التشابك الاستراتيجي في الشمال مع تغيّر موقف حماس من صفقة المحتجزين الذي قد يؤدي إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في غزة على الأقل.
وهناك تقارير تتحدث عن دعم حزب الله لموقف حماس الجديد، ما يعكس رغبة الحزب في استغلال وقف إطلاق النار في غزة لوقف القتال في الشمال.
وهو تطوّر يعزز التوصية بأن تقوم إسرائيل، في الوقت الحالي، بتأجيل خططها لتوسيع الحرب في الشمال وإعطاء أولوية للمضيّ قدماً في التوصل إلى اتفاق مع حماس، الأمر الذي من شأنه أيضاً أن يخلق فرصة للتوصل إلى حل موازٍ في الشمال.