سؤال كبير يحوم في الأجواء الداخلية: هل أنّ جلسة 14 حزيران ستكون مفصلية وتؤسّس لولاية رئاسية جديدة توجّه المسار الداخلي نحو إعادة انتظام الحياة السياسية، أم أنّها ستكون محطّة مفخّخة بمضخّات التوتير وإرادة الاشتباك، تفتح البلد على مرحلة فيها من الاحتمالات السلبية ما لا يُعدّ ولا يُحصى
على الرغم من الصخب المتعالي في الأرجاء الداخلية، والتحريك المكثّف للماكينات الإعلامية لحياكة سيناريوهات غير واقعية وبوانتاجات وهميّة تحسم نتائج الإنتخابات الرئاسيّة قبل إجرائها، فإنّ كلّ ذلك لا يعدو أكثر من كونه قنابل دخانيّة تحجب اصطدام كلّ أطراف اللعبة الرئاسيّة بالحائط المسدود وعدم قدرة أي منهم على اختراقه.
وهذا يعني بما لا يقبل أدنى شك انّ جلسة 14 حزيران لن تنتج رئيساً للجمهورية على غرار جلسات الأحد عشر فشلاً السابقة لها.
بل إنّ أقصى المتوقع لها، هو أن تتحوّل في أحسن أحوالها، إلى سيرك هزيل وتهريج وبهورات وصراخ وتشبيح سياسي ودستوري، لا يغيّر في الواقع القائم شيئاً، بل يمدّد إقامة رئاسة الجمهورية بين جبهات متناقضة، تدفع بها إلى هاوية لا يُعرف أي مجهول كامن لها وللبلد في القعر.
ليّ أذرع
وهذا السيرك، يكمّل ما تبدو انّها «معركة لَيّْ أذرع»، تتموضع في طرفها الأول «معارضات التقاطعات» التي تقاطعت على دعم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور في مواجهة رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية.
ورفعت السقف العالي في توقّعاتها وبوانتاجاتها التي رفدها «اللقاء الديموقراطي» بأصواته، إلى حدّ اعتبار انّ ازعور اصبح رئيساً للجمهورية ولكن مع وقف التنفيذ حتى 14 حزيران، الذي سيكون يوم تطويبه على العرش الرئاسي.
وتجزم بذلك مصادر معارضة بقولها لـ«الجمهورية»: «انّ أكثرية فوز الوزير ازعور برئاسة الجمهورية باتت مؤمّنة وتزيد عن الـ65 صوتاً، إلى حدود الـ70 صوتاً، وهي نسبة تثبت انّ أكثرية الشعب اللبناني رافضة لمنطق فريق الممانعة الذي بات مربكاً، ولا نستبعد بالتالي ان يستمر هذا الفريق في منحاه التعطيلي، ويلجأ إلى محاولة تعطيل جلسة الانتخاب، ونحن بالتأكيد سنكون بالمرصاد لهذه المحاولة».
الّا أنّ ما ينبغي لحظه في موازاة ما يُروّج عن بلوغ أزعور عتبة الفوز برئاسة الجمهورية بما يزيد عن 65 صوتاً، هو انّه ما زالت «التقاطعات» الداعمة لأزعور، تتطلع إلى مزيد من الأصوات ترفدها من نواب تغييريين ومستقلّين يقارب عددهم الـ 20 نائباً.
وتعوّل تلك التقاطعات بالدرجة الاولى على ان ينضمّ إليها بعض من سمّتهم «المتردّدين او الرماديين»، من دون ان يتأكّد هذا الأمر حتى الآن، فيما تتواصل الاتصالات واللقاءات بين هؤلاء النواب لحسم خياراتهم، التي يبدو انّها تميل في غالبيتها إلى تبنّي ترشيح خيار ثالث او أكثر، والتصويت له في جلسة الاربعاء.
التيار يصوّت لـ»مرشّحه»؟
إلى ذلك، قالت مصادر مواكبة للاستحقاق الرئاسي لـ«الجمهورية»: «إنّ ما يلمع في صفوف المعارضة و»التيار الوطني الحر» حول ترشيح الوزير ازعور، لا يعكس الحقيقة.
فهناك فريق من المعارضين مقتنع بهذا الترشيح، فيما ثمة فريق آخر غير مقتنع، ولكنه يتظاهر ويتماهى مع الموقف العام المعارض المؤيّد لأزعور، ولكنه يضمر ورقة مستورة سيكشفها في الوقت المناسب».
وأشارت المصادر، إلى انّ هذا الأمر ينطبق على رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، الذي تبين انّ مرشحه الحقيقي هو وزير سابق غير أزعور، ولكنّه يعلن تقاطعه مع المعارضات على ترشيح ازعور، فيما هو يضمر التصويت لمرشحه الثاني يوم انعقاد الجلسة التي يمكن ان تكون ناجزة بعد انتهاء الجلسات الاستعراضية.
جبهة فرنجية
وفي الطرف المقابل للتقاطعات، تتموضع الجبهة الداعمة للوزير فرنجية التي يشكّل ثنائي حركة «امل» و«حزب الله» عصبها.
وبات معلوماً انّها حسمت تصويت نوابها والنواب الحلفاء له في جلسة الاربعاء، وعلى ما تؤكّد اوساط «الثنائي» لـ«الجمهورية»، فإنّ «القرار قد اتُخذ بالمضي في هذه المعركة إلى آخرها، والرسالة الواضحة في هذا السياق، خلاصتها انّ منطق التحدّي القائم لن يوصل إلى مكان، ولعلّ العِبَر يجب ان تُتخذ من الماضي، حيث سبق لهم ولحلفائهم أن جرّبوا بالتحدّي والتعدّي بالأقوال والأفعال وبالاستعانة بدعم مباشر من خلف البحار، أن يقلبوا الميزان الداخلي ويفرضوا امراً واقعاً جديداً يحكّمهم بالبلد ويسلّطهم عليه ويُخضع مكوناته لهم، وفشلت كلّ محاولاتهم. وتبعاً لذلك، مجنون من يعتقد انّه قد يحرق ورقة فرنجية، او انّ في إمكانه أن يُلقى برئاسة الجمهورية على مفترق تقاطعات جُمِّعت «من كل وادي عصا»، لا لإنقاذ رئاسة الجمهورية وانتخاب رئيس، بل لتعميق الشرخ الداخلي أكثر والانحدار بأزمة البلد إلى مستويات أكثر كارثية مما هي عليه اليوم».
الكلمة الفصل للنصاب
الأجواء السابقة لجلسة الاربعاء تؤكّد أنّ المحسوم حولها هو انّها ستنطلق بنصاب كامل يفوق ثلثي أعضاء المجلس النيابي، انما قد ينتهي بها الأمر لتصبح «نصف جلسة»، حيث أنّ الفوز غير محسوم في دورة الاقتراع الأولى لأيّ مرشّح، لاستحالة نيله ثلثي أصوات النوّاب، ما يعني أنّ التعويل هو على دورة إقتراع ثانية. الّا انّ هذه الدورة خاضعة لاحتمالين متناقضين:
الاحتمال الاول، انّها ستحصل حتماً في حال الإدراك المسبق بأنّها لن تغيّر في الميزان الرئاسي، وأنّ اياً من المرشحين لن يبلغ نسبة الفوز المنصوص عليها في الدستور والمحدّدة بـ65 صوتاً. وتبعاً لذلك، قد يتحدّد موعد لجلسة ثالثة عشرة، او يُترك تحديد موعد جديد إلى مزيد من المشاورات.
الاحتمال الثاني، أنّها مهدّدة بألّا تحصل، لسبب جوهري، هو خشية بعض الأطراف من احتمال حصول اي مفاجآت مكلفة لها فيها، وتَجَنُّبُها الإنجرار إلى «كمين» قد يكون منصوباً لها في دورة الاقتراع الاولى، يخفي بعض الأصوات النائمة في دورة الاقتراع الاولى، ويؤجّل صبّها لمصلحة مرشّح معيّن إلى الدورة الثانية.
وبالتالي فإنّ الكلمة الفصل في هذه الحالة ستكون للنّصاب.
وهذا الاحتمال هو الأكثر ترجيحاً حتى الآن. ومعه يفتح ما بعد «14 حزيران» على مرحلة غير محدّدة من «النقار» السياسي وغير السياسي، بما فيه من سقوف عالية من الصخب والاتهامات والمزايدات الشعبوية والعشوائية.
سلّة متكاملة
وبين قائل بعدم تسليم رئاسة الجمهورية الى ما تُسمّى «مجموعة تقاطعات»، وبين قائل بعدم تسليمها إلى ما يُسمّى «فريق الممانعة»، مكابرة سياسية حاكمة لخط المواجهة الرئاسية لا سقف زمنياً لها، وحلقة مفرغة أحبطت كل الجهود الخارجية الصديقة والشقيقة الرامية إلى كسر جدار التعطيل، ولاسيما منها المسعى الفرنسي الذي طرح مبادرة لحلّ رئاسي، رُفع أمامها في الداخل اللبناني جبل من التعقيدات.
وضمن سياق هذه المبادرة تندرج الزيارة المرتقبة بعد ايّام قليلة للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان إلى بيروت.
حيث اكّدت مصادر ديبلوماسية من العاصمة الفرنسية لـ«الجمهورية»، انّ تعيين لودريان بوصفه ممثلاً شخصياً للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ومهمّته في لبنان، يؤكّدان من جهة انّ ادارة الرئيس ماكرون تضع الملف اللبناني في رأس قائمة اولويات الايليزيه، ومن جهة ثانية، على أنّ الحل الرئاسي في لبنان لا بدّ أن يأتي على شكل سلّة متكاملة تحصّنه، وتشمل رئاسة الجمهورية وكذلك الحكومة، التي يُفترض ان تتشكّل ببرنامج إنقاذي وإصلاحي.
حيث انّ عودة انتظام الحياة السياسية في لبنان لا تكتمل الّا بهما.
بري متمسّك بفرنجية
وضمن هذه الحلقة المفرغة التي صاغتها المكابرات الداخلية، يدور حراك البطريرك الماروني مار بشارة الراعي، الهادف إلى التعجيل بانتخاب رئيس الجمهورية، وقد أوفد بالأمس، راعي أبرشية بيروت للطائفة المارونية المطران بولس عبد الساتر وراعي أبرشية صيدا ودير القمر للطائفة المارونية مارون العمار إلى عين التينة، حيث التقيا رئيس مجلس النواب نبيه بري، وإلى كليمنصو حيث التقيا رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط.
وقد لخّص المطران عمار جوّ اللقاء مع الرئيس بري بأنّه جيّد، فيما كشفت بعض المصادر لـ»الجمهورية»، انّ جو اللقاء اتسم بالصراحة والود المتبادل، وهو ما يؤكّد تجاوز الالتباسات التي اُثيرت حول مواقف البطريرك من رئيس المجلس. وخلال اللقاء عكس المطرانان الحاجة الملحّة إلى تجاوز الأزمة الرئاسية، وان يمارس المجلس النيابي دوره في التعجيل بانتخاب رئيس للجمهورية، وتجنّبا الدخول في مفاضلة بين اسماء المرشحين، او إبراز موقف بكركي وكأنّها تزكّي أياً منهم على حساب الآخر، فالمهم بالنسبة اليها هو انتخاب رئيس للجمهورية.
فيما اكّد الرئيس بري على ما مفاده، «انّ انتخاب رئيس الجمهورية يجب ان يحصل، ولا يجوز استمرار هذا الوضع».
وقد عرض للجهود التي بذلها منذ ما قبل الدخول في الفراغ الرئاسي، والمبادرات التي أطلقها لتجنّب هذا الفراغ والدخول في حوار للتوافق بين مختلف الفرقاء على انتخاب رئيس للجمهورية، لافتاً إلى انّ «الاطراف المعنية لو تجاوبت وتحاورت في ما بينها، لكنّا انتخبنا رئيساً للجمهورية قبل اربعة او خمسة اشهر».
وفي معرض كلامه كرّر بري التمّسك «بدعم ترشيح الوزير فرنجية الذي لا يشكّل تحدّياً لأحد».
جعجع: حدود الممكن
إلى ذلك، قال رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع: «إنّ هناك مرشحين مدعومان من كتل كبيرة، ولديهما الحظوظ في تبوّؤ سدّة الرئاسة، لذا من يريد انتخابات فعلية عليه الاختيار بينهما، والّا فهو يصوّت لإبقاء الفراغ الرئاسي».
أضاف، خلال ندوة نظّمتها «مصلحة أصحاب العمل – دائرة السياحة» في «القوات اللبنانية»، في معراب: «نطرح المسألة بشكل موضوعي، ولذا نسأل، هل يجوز بعد كل ما مررنا به ان نسمع هذا الكلام من نواب انتُخبوا من اجل التغيير؟ او ان نرى نواباً آخرين لم يعجبهم أحد الاسمَين لأنّ بنظرهم فرنجية مرشح ممانعة وازعور مرشح تسويات، في وقت هناك ايضاً نواب يريدون التصويت لمرشح ثالث، في أحسن أحواله، سينال 6 او 7 أصوات، الأمر الذي سيعطّل الاستحقاق الرئاسي كما فعل في السابق من صوّت بورقة بيضاء».
وقال: «انطلاقاً من الواقعية في العمل السياسي، ولأننا لا نريد استمرار الفراغ الرئاسي، علينا اختيار مرشح مقبول بالحدّ الأدنى. إذ كان من أقل الإيمان ان نتمسّك بترشيحي او أحد اعضاء تكتل «الجمهورية القوية» او صديق لنا، ولكن ترفّعنا عن هذه المواضيع لأننا لن نصل إلى اي نتيجة، فوقع الخيار عندها على تأييد ازعور كي نصل إلى حل بـ»حدود الممكن».
تطورات الجنوب
من جهة ثانية، لوحظ امس تسارع التطورات على الحدود الجنوبية، حيث اعلن الجيش اللبناني انّه نفّذ انتشاراً في المنطقة الحدودية في كفر شوبا بمواجهة العدو الإسرائيلي.
وفي التفاصيل، انّ عدداً من المواطنين تجمّعوا في خراج بلدة كفر شوبا بالقرب من بركة بعثائيل، وذلك لإقامة صلاة الجمعة، اعتراضاً على قيام القوات الاسرائيلية بأعمال الحفر بالقرب من الخط الأزرق الذي يفصل الأراضي المحتلة عن الأراضي المحرّرة قي خراج البلدة. وترافق ذلك مع محاولة لعدد من المواطنين اختراق الخط الحدودي وإزالة القسم الاكبر منه. وقابل ذلك جنود الاحتلال في الجهة المحتلة، بإلقاء العديد من القنابل الدخانية على المواطنين.
وتعليقاً على ما يجري في كفر شوبا، قال الناطق الرسمي باسم قوات «اليونيفيل» أندريا تيننتي: «إنّ جنود حفظ السلام التابعين لليونيفيل موجودون على الأرض، وقد كانوا على الأرض منذ البداية لضمان استمرار وقف الأعمال العدائية ولإرساء الهدوء والمساعدة في تخفيف حدّة التوتر». أضاف، «اننا نحث الأطراف على استخدام آليات التنسيق التي نضطلع بها بشكل فعّال، لمنع سوء الفهم والانتهاكات والمساهمة في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة».
وتابع: «انّ «اليونيفيل» على اتصال بالأطراف، وتسعى جاهدة لإيجاد حلول. وندعو كلا الجانبين إلى ممارسة ضبط النفس وتجنّب الأعمال التي قد تؤدي إلى تصعيد التوتر على طول الخط الأزرق».
وكان المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي قد قال: «انّ أعمال شغب وقعت في منطقة جبل روس على الحدود اللبنانية». ونقلت قناة «الجزيرة» عن الجيش الاسرائيلي «أنّ جنديين لبنانيين وجّها مدفعي أر- بي – جي باتجاه قوة له في مزارع شبعا».