نقلت “القناة 12” الإسرائيلية عن اللواء في قوات الاحتياط والنائب السابق لرئيس الأركان يائير جولان قوله: “بينما يفكّر نتنياهو في عملية خالية من أي أهمية استراتيجية في رفح، تتلقى المطلّة نيرانًا من حزب الله، المدن مهملة والفشل الذريع مستمر بشكل أسوأ، نتنياهو سحق الشمال وسلّمه لرحمة حزب الله”.
عندما يخرج هكذا تصريح عن لواء ونائب رئيس أركان إسرائيلي سابق، وفي هذا التوقيت الحساس بالنسبة إلى الكيان، حيث من المفترض أن يتحفّظ المعنيون الصهاينة من العسكريين السابقين على الإضاءة الشفافة لوضع جبهة العدوّ الشمالية، فهذا يعني أن هؤلاء التمسوا خطورة المواجهة الحالية مع حزب الله، كما ويعني أيضًا أن الأخير فرض سيطرة غير بسيطة على هذه الجبهة.
فكيف يمكن تفسير هذه الوضعية من الناحية العسكرية؟
وأيّ أبعاد يمكن أن تحملها هذه القدرة للحزب على التحكّم بأغلب قواعد العدوّ على جبهته الشمالية؟
عمليًا، لا يمر يوم من هذه المواجهة التي يخوضها حزب الله ضدّ وحدات العدوّ دعمًا ومساندة ونصرة للشعب الفلسطيني في غزّة وفي الضفّة الغربية، إلا وتستهدف فيه المقاومة الإسلامية في لبنان – على الأقل – قاعدة عسكرية إسرائيلية، أو أكثر من قاعدة أحيانًا كثيرة. وفي أغلب هذه الاستهدافات يسقط للعدو دائمًا إصابات مؤكدة من القتلى والمصابين، مع تدمير كلي أو جزئي في الآليات المعنية في البقعة المستهدفة، بالإضافة إلى إحداث تدمير غير بسيط في مروحة واسعة من التجهيزات والمنشآت العسكرية الأساسية في القواعد المستهدفة.
هذه الاستهدافات تتأكد وتتثبت فعلًا، وبشكل موثق عبر نشر الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية في لبنان مشاهد حية لها، ابتدءًا من عمليات الإطلاق للمسيّرات الانقضاضية “أبابيل” أو غيرها، أو للصواريخ الموجهة “الماس” أو “كورنيت” وغيرها، أو لصواريخ “فلق” و”بركان” المدمرة، مرورًا بتصوير مسارات هذه المقذوفات في الجو وصولًا إلى انفجارها مباشرة على الأهداف المنتقاة، مع متابعة توثيق مشاهد سقوط الإصابات وإخلائها في أغلب الأحيان، وفي مشاهد حية تكون صادمة للعدو.
وكلها تؤشر، وبشكل حاسم، إلى سيطرة حزب الله على هذا الميدان بشكل كامل، تصويرًا وعملياتيًا، بدءًا من قواعد الإطلاق وحتّى بقعة انتشار الأهداف المختلفة.
في إجراء جردة تفصيلية على القواعد المعادية التي استهدفها حزب الله بأسلحة نوعية أدخلها مؤخرًا في الاشتباك، يمكن تعداد القواعد الأساسية الآتية:
– زبدين ورويسات العلم و”معاليه جولاني” (في مزارع شبعا المحتلة).
– المطلة والمنارة و”رميم” و”بيت هيلل” (في القطاع الشرقي لجبهة المواجهة).
– “برانيت” و”دوفيف” والمالكية و”يفتاح” و”راموت نفتالي” (في القطاع الأوسط).
– “زرعيت” وعرب العرامشة وجل العلام و”ليمان” (في القطاع الغربي).
هذه القواعد المنتشرة على الحدود مباشرة، والتي أصبحت تحت السيطرة المباشرة لأسلحة حزب الله، تضاف إليها مروحة أخرى من القواعد العسكرية المنتشرة على مسافات أبعد في عمق الكيان، ومنها قواعد كيلع والشابورة ويؤاف في الجولان السوري المحتل، وميرون وصفد وكفار بلوم والمنتشرة في العمق على مسافات تتراوح بين ١٠ و١٥ كلم مقابل القطاع الأوسط. ويضاف إليها مؤخرًا ثكنة “شراغا” الساحلية شمال عكا مباشرة، والتي تحضن مقر قيادة لواء “غولاني” ووحدة “إيغوز” للعمليات الخاصة.
لذلك، وفي الإضاءة على جغرافية هذه القواعد، حيث تنتشر بشكل مدروس ومخطّط على كامل الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، وحيث تتوزع مهامها العسكرية بين قواعد وحدات الرصد والاستطلاع العسكري وقواعد الوحدات الأساسية لإدارة وتنفيذ عمليات العدوّ القتالية المباشرة ومراكز قياداتها، بالإضافة لقواعد أساسية لإدارة عمليات العدوّ الجوية (ميرون)، ومن خلال متابعة حجم الخسائر التي يتكبّدها في هذه القواعد، وعلى الجوانب كافة، يمكن تأكيد هذا المستوى المتقدم للتحكّم والسيطرة التي فرضها حزب الله على جبهة الكيان الشمالية.
وبالتالي يمكن تفهّم هذه النظرة السوداوية والانهزامية عند أغلب مسؤولي وقادة جيش العدوّ الحاليين والسابقين، حول ما وصل إليه وضع الكيان اليوم، وخاصة على جبهته الشمالية.