إرتباك أميركيّ… من فجّر “نورد ستريم”؟
ذكر موقع “الجزيرة”، أنّ حالة من الارتباك تشهدها دوائر صُنع السياسة الخارجية الأميركية، وذلك بعد تقارير إعلامية كشفت عن وجود وثائق مسربة تؤكد علم وكالة الاستخبارات الأميركية بخطط أوكرانيا لتفجير خط الغاز الروسي “نورد ستريم”.
وكانت عدة انفجارات وقعت تحت الماء في أيلول الماضي؛ أدت إلى إلحاق أضرار بخطي “نورد ستريم 1 و2″، اللذين يمتدان من روسيا إلى ألمانيا، ومنها لدول أوروبية أخرى عبر بحر البلطيق.
ووقعت الانفجارات في منطقتين اقتصاديتين تابعتين للسويد والدانمارك، وتقول الدولتان إن التفجيرات كانت متعمدة، وإنهما وألمانيا تحقق في الحادث، لكنهما لم يحددا المسؤولين عنها بعد.
ونفت موسكو وكييف مسؤوليتهما عن الحادث، في الوقت الذي استمرت فيه واشنطن في توجيه أصابع الاتهام إلى روسيا.
ومنذ تفجير سد “نوفا كاخوفكا” على نهر دنيبرو، عرفت واشنطن ارتباكا جديدا، خاصة من الخبراء ومراكز الأبحاث الذين اعتادوا توجيه الاتهامات بصورة تلقائية للجانب الروسي في ما يتعلق بالمسؤولية عن أي تدمير يحدث في أوكرانيا.
في الوقت ذاته، تحفظت وزارة الخارجية والبيت الأبيض في بياناتهما الرسمية عن توجيه اتهامات لأي طرف بالمسؤولية عن تفجير السد، في حين تبادلت موسكو وكييف إلقاء اللوم بشأن المسؤولية عن تفجير السد.
من وراء تفجير نورد ستريم؟
في هذا السياق، ذكر خبير الشؤون الأوروبية ونزع السلاح بمعهد “بروكينغز” ستيف بايفر أنه لا يستبعد أن تكون أوكرانيا وراء انفجارات خطوط أنابيب نورد ستريم، ولكن هناك أسبابا للشك في ذلك.
وأضاف بايفر “على كييف أن تفهم أنه إذا أصبح معروفا أنها المسؤولة، فقد يُعرض ذلك العلاقات مع ألمانيا والدول الأوروبية للخطر الشديد، معبرا عن شكوكه في رواية الإعلام الأميركي عن تفجير خطوط الغاز، بقوله “إذا كانت بعض الحكومات الغربية على علم بالهجوم المخطط له، فلماذا لم يُبذل أي جهد لثني الأوكرانيين عن هذا الفعل؟”
وأكد أنه لا يرفض النظرية القائلة إن الروس كانوا وراء هجمات خط الأنابيب، متابعا “بحلول أيلول الماضي، قررت موسكو خفض تدفقات الغاز إلى أوروبا بشكل كبير، وسمحت الانفجارات لشركة غازبروم بالتذرع بالقوة القاهرة لتجنب عقوبات وغرامات عدم التسليم طبقا للعقود الموقعة”.
من جانبه، لم يعط ماثيو والين الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأميركي مصداقية لأي تقرير يفيد بأن أوكرانيا فجرت خط أنابيب نورد ستريم.
وأكد روبرت بيرسون أستاذ العلاقات الدولية في “ويست بوينت” أنه لا يمكنه تقييم صحة هذه الادعاءات بأن أوكرانيا تقف وراء تفجير خطوط الغاز.
أين مصلحة أوكرانيا؟
وأشار ستيف بايفر إلى ما وصفه باتفاق معظم الخبراء على أن السبب الأكثر ترجيحا لتدمير السد هو انفجار داخلي.
وقال بايفر إن “منطقة السد تقع تحت سيطرة القوات الروسية، وسبق أن قيل إنها زرعت ألغاما في السد العام الماضي. وعلاوة على ذلك، فإن تدمير السد سيخلف عواقب بيئية واقتصادية سلبية كبرى على أوكرانيا، وسيستمر بعضها فترة طويلة، ومن الصعب أن نتخيل أنّ كييف ستلحق هذه العواقب بنفسها، كما أظهرت موسكو القليل من الندم على تدمير البنية التحتية المدنية في أوكرانيا”.
في حين أشار ماثيو والين إلى أن “الحكومة الروسية لديها تاريخ واسع للغاية من الكذب، وبالنظر إلى تاريخ روسيا وعادتها في الكذب بشأن كل شيء يتعلق بهذه الحرب، فلن أضع أي وزن لادعاءاتها حول من فجر السد. لا أرى أي فوائد تكتيكية أو إستراتيجية لأوكرانيا إذا تعمدت تفجير سدها. لم تبد روسيا أي اعتبار لحماية أي بنية تحتية مدنية في هذه الحرب”.
ولم يختلف رأي خبير الشؤون الدفاعية مايكل بيك عما سبق، إذ قال للجزيرة نت إن السد يقع في الأراضي الأوكرانية، “لذا فإن الشعب الأوكراني والاقتصاد الأوكراني هو الذي سيعاني”.
وأضاف “قد يكون لدى أوكرانيا حافز لتدمير السد إذا كان هجومها المضاد فاشلا، وتريد إزاحة الدفاعات الروسية عن طريق إغراقها. ولكن لماذا ضربت السد الآن في حين أن الهجوم المضاد لم يبدأ بعد؟”
اتهامات لروسيا
بدوره، قال الخبير العسكري روبرت بيرسون إن الأدلة والمنطق المبكر يشيران إلى أن هذه عملية روسية متعمدة لتدمير السد، وتابع “يشير خبراء إنشائيون إلى أنه سيكون من الصعب جدا إحداث مثل هذا الخرق عبر هجوم صاروخي أو مدفعي”.
وأضاف بيرسون “في الواقع، أفهم أن السد كان مصمما في الأصل لتحمل هجوم خارجي كبير، ومن أجل تدمير السد كان سيتطلب الأمر أن يتم تلغيم الجزء الداخلي منه بكثير من المتفجرات. وبما أن روسيا هي الطرف المسيطر فعليا على السد، فإن الاستنتاج المنطقي الوحيد هو أن روسيا من المحتمل أن تكون قامت بتلغيم السد وتفجيره”.
ولفت إلى أن تدمير السد خلق كارثة اقتصادية وإنسانية وبيئية مع عواقب وخيمة طويلة الأجل على أوكرانيا، كما أنه يُعقد المجهود الحربي الأوكراني في الأشهر المقبلة. مضيفا “بعبارة أخرى، لن تكسب أوكرانيا شيئا، وستخسر الكثير إذا دمرت السد بنفسها”.
ولفت إلى أن لروسيا سجلا راسخا في إطلاق العنان للمعاناة الرهيبة للمدنيين، من دون أي اعتبار للعواقب الإنسانية. وقال “منطقيا، روسيا هي الطرف المستفيد من تفجير السد، وهي الطرف الوحيد الذي لديه الوسائل والدافع لتنفيذ هذا الهجوم”.