كتبت صحيفة “الجمهورية”: خمسة أيّام تفصل عن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وعلى الخط الرئاسي ألغام ومطبّات وكمائن وإرادات مُتصادمة وجبهات متواجهة وتقاطعات ظرفية، تخبّر اللبنانيين جميعهم، سَلفاً عمّا ستنطق به صندوقة الاقتراع يوم الاربعاء في الرابع عشر من حزيران الجاري.
الشريحة الواسعة من الشعب اللبناني – التي تتوق إلى انتخاب رئيس للجمهورية يُنهي ما باتَ يتّفق العالم بأسره على تسميتها «مَسخرة التعطيل»، التي بَهدلت السياسة ولوّثت البلد بكلّ ما يفرّق بين اللبنانيين – باتت مسلّمة بأنّ إقامتها ستطول على رصيف الخداع والمهانة من هذا المستوى الهابط والفاضِح من التكاذب والدجل السياسي والمنافقات التي تطوّق الملف الرئاسي.
خلافاً لكل العراضات والبهلوانيات السياسية والشعبوية المتزاحمة على الخط الرئاسي، فلا شيء يبشّر بقرب انتهاء هذه «المسخرة»، ومع لغة التحدي القائمة والمتمادية، لا يتوقّع أن يَستولِد رئيس للجمهورية من بين الجبهات. وتبعاً لذلك، لن يكون مفاجئاً للبنانيين إنْ شاهدوا في 14 حزيران فصلاً جديداً من الفصول المسرحيّة الهزلية والهزيلة، تراكم فيه التناقضات السياسية والنيابية فشلاً إضافياً فوق الأحد عشر فشلاً التي حصدها مرشّح المعارضات ميشال معوض، بتغيير طفيف من ناحية الإسم فقط.
تخيّلات
في هذا الجو القائم، قد يَتبادَر إلى ذِهن البعض، المُتأثّر بالعراضات المسرحيّة والترويجات السياسية والاعلامية والبوانتاجات الوهميّة، أنّ لبنان على موعد مع انبلاج فجر جديد في 14 حزيران، يخلع فيه ثوب الفراغ القابض على سدة الرئاسة منذ ما يزيد عن سبعة أشهر، ويلبس العباءة الرئاسيّة الى المرشح المحظوظ العابر الى القصر الجمهوري على جسر التقاطعات.
هذا الاعتقاد، وعلى ما يؤكد مطّلعون على مجريات المعركة الرئاسيّة وتوجهات أطرافها لـ«الجمهورية» لا يعدو أكثر من تخيّلات مُجافية للواقع السياسي والرئاسي وخريطة توزّع أصوات كل فريق.
وبحسب هؤلاء المطلعين فإنّ «تلك التقاطعات رَشّحت الوزير السابق جهاد أزعور، واللافت في هذا الترشيح انّ المكونات الكبرى في هذه التقاطعات، أوكلت إلى ملحقاتها، أي إلى مَن انضَمّ اليها مِمّن يعتبرون أنفسهم تغييريين، مهمّة الترويج لفوزه المَضمون، وهو أمر يُناقِض حقيقة انّ تلك التقاطعات، أو بمعنى أدق التناقضات، ليست واثقة أصلاً بـ»بوانتاجاتها»، البعيدة بمسافات عن أكثرية الثلثين، كما عن أكثرية الـ65 صوتاً. فضلاً عن انّ هذه التناقضات، ومن الاساس لم تخفِ هدفها الأول والاخير من دعم أزعور، وجوهره ليس إيصاله الى رئاسة الجمهورية، بل إقصاء رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لا أكثر ولا أقل، وفَرض أمر واقع جديد يخضع داعميه ويرغمهم على الذهاب معها الى خيار رئاسي غير فرنجية».
مواجهات… واحتمالات
وتِبعاً لهذه الصورة، فإنّ مصادر سياسية تؤكد لـ«الجمهورية» انها لا ترى في الأفق الرئاسي ما قد يعجّل بالحسم الرئاسي وبالتالي انتخاب رئيس في 14 حزيران، بل على العكس من ذلك، حيث تقول إنّ أيّ مُراقِب موضوعي لهذه المجريات والاحداث المتسارعة لا يجد ولَو حدّاً أدنى من الصّعوبة في قراءة مشهدٍ يَنحى إلى ما تبدو انّها «معركة النّفَس الطويل»، مفتوحة على مَديات أبعد بكثير من 14 حزيران، وحُبلى بالمواجهات والاحتمالات، وكلّ طرف فيها يوحي بأنّه يمتلك قدرة الصمود امامها، والكثير من اوراق القوة والضغط التي من شأنها دفع الطرف الآخر إلى أن يصرخ أوّلاً، ومن الصعب في هذه الحالة التحديد مُسبقاً لِمَن سيصمد اكثر، ومن نفسه اطول، ومَن سيَصرخ أولاً».
التقاطعات: المسار انطلق
ضمن هذا السياق يتقلّب الواقع الداخلي على تناقضَين يضبطان المعركة الرئاسية على إيقاعهما المتصادم، الذي تنتفي معه اي توقعات لمفاجآت إيجابية في الفترة الفاصلة عن الجلسة الانتخابية والمرحلة التي ستليها. فالتناقضات السياسية، او بالأحرى التقاطعات الظرفية، باتت تتصرّف وكأنها قد حققت هدفها قبل ان يتحقق، وأوساطها تؤكد لـ«الجمهورية» أنّها فرضت تغييراً جذرياً في قواعد الإشتباك الرئاسي، نَزعت من خلالها ورقة اللعب بالملف الرئاسي، من أيدي «ثنائي التعطيل»، وثَبّتت من خلالها أقدام مرشحها أزعور كرقمٍ صعب على الخط الرئاسي، وباتَ على بُعدٍ قريب جداً من الفوز برئاسة الجمهورية، وهو مسار انطلق ولن يستطيع الثنائي حَرفَه عن وجهته أو وَقفَه».
بوانتاجات… ومُفارقات
إلّا انّ التقاطعات الداعمة لأزعور، تقفز في مقاربتها هذه فوق حقيقة أنّ في مقابلها جبهتين، الاولى يكتفها الغموض، والثانية في منتهى الوضوح، فالجبهة الأولى تتوزّع على:
– تَغييريون ومستقلّون يزيد عددهم عن 10 نواب، حَسموا سلفاً تَوجّههم نحو خيارات أخرى، وعدم تصويتهم لا لفرنجية ولا لأزعور، ومن شأن ذلك أن يضرب «بوانتاجات» التقاطعات التي فاقت توقعاتها الـ70 صوتاً لأزعور.
– كُتل أخرى مَحسوم عدم تصويتها لفرنجية، إنما لم تحسم بعد توجّهها للتصويت لأزعور. وينطَبِق ذلك على موقف اللقاء الديموقراطي، الذي وإنْ كان قد سَبقَ له أن رَشّح أزعور، فإنه يدرس كل الاحتمالات وكذلك التداعيات، علماً انّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أكّد انه لن يكون شريكاً في تخريب البلد، وليس مع مرشّح مواجهة أو تَحَدٍ من هذا الجانب او ذاك. وتبعاً لذلك، فإنّ خيار الورقة البيضاء ما يزال وارداً. وبالتالي، فإنّ أصوات اللقاء الديموقراطي الـ9 ليست مضمونة حتى الآن لِلصَبّ إلى جانب التقاطعات لمصلحة أزعور. وإنّ احتسابَها المُسبَق ضمن بوانتاجات التقاطعات فيه الكثير من التسرّع.
– نواب وَسطيّون، حَسموا خيارهم بإبقاء وجهة تصويتهم مستورة حتى يوم الجلسة، وينطبق ذلك على نواب الاعتدال الذين قرروا ألّا يصَوّتوا في دورة الإقتراع الأولى في جلسة 14 حزيران لا لفرنجية ولا لأزعور.
– عدد من نواب تكتل لبنان القوي (غير نواب الطاشناق ومحمّد يحيى الذي انتقل الى كتلة نيابية أخرى) الغاضبين من المنحى الذي أدى الى التقاطع على أزعور، فعلى الرغم من الدعوات المتتالية لرئيس التيار جبران باسيل والاستعانة بالرئيس ميشال عون لِجَعل التصويت لمصلحة أزعور أمراً واجباً ومُلزماً، فإنّ هؤلاء مَاضون في التغريد خارج هذا، والأمر بالتصويت إمّا بورقة بيضاء او لإسم آخر. وهذا الامر إن حَصل سيُقزّم بوانتاجات التقاطعات أكثر فأكثر.
الثنائي: خسارتان للتقاطعات
امّا الجبهة الثانية في مواجهة تلك التقاطعات، فمُتراصّة خلف فرنجيّة، وتؤكد مصادر ثنائي حركة «أمل» و«حزب الله» لـ«الجمهورية» انها في أعلى درجات الجهوزية للمُنازَلة المنتظرة في 14 حزيران، وإن كان الفريق الآخر يملك قدرة إيصال مرشحه الى رئاسة الجمهورية، فجلسة 14 الشهر أمامنا، والمَي بتكذب الغطاس».
ورداً على سؤال، قالت المصادر: «لا تَعنينا لغة «البوانتاجات» والعدّادات التي تحاول لَملمة الاصوات من هنا وهناك»، الّا انّ ما هي مُتيقّنة منه هو انّ تلك التقاطعات ستُمنَى بخسارة مزودة؛ صغرى وكبرى. فالصغرى ستتجلى في عدم تمكّنها من إيصال مرشحها الى رئاسة الجمهورية، ونحن مدركون سلفاً انّ إنجاحه ليس غايتها. أمّا الخسارة الكبرى فستتجلّى بعدم استطاعتها التأثير على ترشيح الوزير فرنجية، ولا على زَحزحَة دعم «أمل» و»حزب الله» وحلفائهما له، بِوَصفه الخيار الوحيد الذي يشكل مصلحة للبلد، فلم نرشّحه لكي نتخلى عنه، فالتزامنا ثابت ونهائي ولا لزوم لأن نُكرر ذلك».
حراك الراعي
واذا كان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قد بدأ حراكاً حول الملف الرئاسي، استَهَلّه بالتواصل مع الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، وينتظر ان يُستكمَل بتواصل مُماثل مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بعد زوال او توضيح الالتباسات التي أحاطت بالمواقف التي أدلى بها البطريرك امام وفد نقابة الصحافة، وظَهّرَتها في مَوقع الهجوم على رئيس المجلس واتهامه، وإن بصورة غير مباشرة، بإقفال المجلس النيابي.
والبارز في هذا السياق، ما نُقِل عن البطريرك الراعي، رداً على سؤال لنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب خلال استقباله له في بكركي، حول ما نشره الإعلام من كلامٍ تَناولَ فيه الرئيس نبيه بري، بأنّ «هذا الكلام غير دقيق وهو لم ينشر في السياق الذي قيل فيه». مشدداً على انّ «اي موقف رسمي يصدر في بيان من الصرح البطريركي، وعَدا ذلك فإنّ بكركي غير معنية بكلّ ما يُنشَر من أخبار».
وكان البطريرك الراعي قد ترأس الرياضة الروحية السنوية للأساقفة الموارنة في لبنان وبلدان الانتشار، التي بدأت أمس، وتستمر حتى يوم غد، لتبدأ بعدها أعمال السينودس اعتباراً من يوم الاثنين وتستمر حتى يوم السبت 17 حزيران الجاري. وفي كلمة الافتتاح، قال الراعي: «نصلي على نية نواب الأمة الذين يستعدّون لدخول البرلمان وانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية يكون لخير لبنان واللبنانيين، ولوحدة الدولة والشعب».
تشاؤم
الى ذلك، قالت مصادر مواكبة لهذا الحوار لـ«الجمهورية»: إنّ احتمال أن يتحقّق أي خَرق من أي حوار يجري في هذه الاجواء ضعيف جداً، خصوصاً انّ أوراق كل الاطراف باتت مكشوفة، وإمكان التقريب بينها بات مستحيلاً، ذلك انّ مواقف التقاطعات واضحة في دعمها لأزعور، وكذلك موقف ثنائي «أمل» و»حزب الله» المُتمَسّك بدعم فرنجية، وهو ما أبلَغه السيّد نصرالله لموفد البطريرك المطران بولس عبد الساتر، وما يؤكّد عليه الرئيس بري أيضاً وبصورة متكررة وحاسمة. مع تشديدهما على رفض المقولة التي يَتذرّع بها الذين تقاطَعوا على ترشيح أزعور بأنّ المسلمين هم من يختارون رئيس الجمهورية المسيحي ويفرضونه.
لماذا توقفت الحراكات؟
وسط هذه الأجواء، تُثار في الاوساط السياسية تساؤلات حول سر انكفاء حركة الجهود الخارجية، وتَرك الساحة لهذا الاشتباك الدائر. وفيما أكّد مرجع سياسي مسؤول لـ«الجمهورية» انه «لا توجد حتى الآن أي مُعطيات عن حراكات وشيكة لا من قبل الاصدقاء ولا من قبل الأشقّاء، علماً انّ الحراكات التي سبقَ وجَرت في الفترة الاخيرة، حملت معها بَشائر بانفراجٍ رئاسي وشيك، وهذا ما سمعناه بشكل واضح. لكنّ هذه الحراكات، التي تم الاتفاق على ان تُستكمَل بشكل مفصّل لحسم خريطة طريق الانفراج، توقفت بشكل مفاجىء. وبالتالي، ما سمعناه من إيجابيات ووعود يبدو انه تبخّر ولم يعد له وجود، وعُدنا الى المربّع الاول المحكوم بتوتر سياسي ورئاسي، ووسط هذا الجو يستحيل انتخاب رئيس».
ورداً على سؤال عن سبب هذا التوقف، وهل ثمّة عامل خارجي فرضَ ذلك؟ قال المرجع: «لم نتبلّغ شيئاً في هذا الاطار، ولكن هناك من يقول ان الاميركيين دخلوا من جديد الى قلب الحدث الرئاسي. وان هناك محاولات لتَزكية خيار رئاسي ثالث، وانا شخصياً لا أملك اي معطيات دقيقة حول ما يُقال، ولذلك أستطيع أن أؤكده أو أنفيه».
باريس: نُراقِب
على ان النظرة الفرنسية الى تطورات المشهد الرئاسي تُلخّصها مصادر مطلعة على الموقف الفرنسي لـ«الجمهورية»، بقولها: انّ باريس تتابع بحذر شديد دقائق الوضع في لبنان، ولا ترى مصلحة للبنانيين في اثارة توترات اضافية فيما بينهم، تَبعَث على القلق مِن دَفع لبنان الى منعطف خطير جداً يتهدّد أمنه واستقراره».
على ان أبرز ما تلفت اليه المصادر هو انّ باريس ما زالت على ثقة بأنّ الحل للأزمة الرئاسية مُحَدد بصورة واضحة في التسوية التي طرحها الرئيس ايمانويل ماكرون، انطلاقاً من الحاجة المُلِحّة للبنان لفرصة تَضعه على سكة الخروج من أزمته».
وأكدت على ذلك ايضاً مصادر ديبلوماسية من باريس بقولها لـ«الجمهورية»: باريس قَلِقة من ارتفاع مستوى التوتر السياسي في لبنان، فهذا لا يخدم التعجيل بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة، ولا مصلحة لبنان واللبنانيين.
ولدى سؤالها: هل مِن حراك فرنسي جديد؟ قالت المصادر: «باريس حاضرة دائماً، إنما لا معطيات حول تحرّك فرنسي وشيك. والرئيس ماكرون كان شديد الوضوح عندما أكد للبنانيين انّ لبنان في خطر، وانّ على القادة السياسيين التقاط فرصة الحل، وانتخاب رئيس للجمهورية على وجه السرعة، وتَجنّب كل مُسبّبات التوتر فيما بينهم، ومع الأسف هذا ما لم نلمسه حتى الآن.
وأفيد أنّ الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون عَيّنَ وزير الخارجيّة السابق جان إيف لودريان موفدًا خاصًا إلى لبنان.
رعد
الى ذلك، قال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في لقاءٍ عام في مجمع القائم: إنّ «حزب الله» دعمَ ترشيح مَن يَثِق به، ودعا الشركاء في الوطن الى الحوار، بينما رَشّح باقي الأفرقاء شخصًا لا ندري إن كانوا تفاهموا عليه أو تفاهموا معه أصلاً»، مُشددًا على أنّنا «نريد رئيسًا لا يطعن في الظهر ويُبدّد الإنجازات التي تحققت».
وأشار إلى أنّنا «نريد خاتمةً تُحقّق ما فيه مصلحة بلدنا»، مضيفًا: «لسنا مسؤولين عن تأخير هذا الاستحقاق، دَعَونا وما زلنا ندعو الى الحوار والتلاقي ولا نقبل بمرشح تَحد».
وتابع: «نحن نلتزم في هذا البلد بموقفنا السياسي ونحن في محور «الممانعة، وأعداؤنا يهزأون بأننا في محور الممانعة ولكن لولا المُمانعة لسادَت المُيوعَة، وما نَنعَم به من سيادة وحرية وأمن هو بسببكم يا أهل الممانعة».
بري: هكذا ننتصر
وبعيداً عن الملف الرئاسي وما يَشوبه من تعقيدات، أجرى الرئيس بري أمس اتصالاً هاتفياً بالمزارع اللبناني (من بلدة كفر شوبا)، حَيّا فيه «وقفته البطولية والشجاعة دفاعاً عن أرضه وتراب وطنه في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي المُتمادي في عدوانيته في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا»، مؤكداً «انّ شعباً يَمتلِك مثل هذه الارادة الصلبة لا بد انه منتصر، والاحتلال الى زوال».