أخبار لبنان

العنف الأسري في لبنان: الأرقام لا تصدم والتوعية موجودة.. فما العائق؟

بالرغم من النضال النسوي المستمرّ لانصاف المرأة من سطوة الرجل في وطن الشراكة، لا تزال النساء والفتيات عرضة في كل دقيقة لجرائم العنف الأسري في لبنان.. والذريعة الدائمة لسحب المعتدي كالشعرة من جريمته هي “الشرف” أو الضائقة المادية التي “شرّعت” في الفترة الأخيرة تعنيف المرأة باعتبارها “فشة خلق”!

الأرقام تتكلّم

إرتفاع عدد الشكاوى في حالات العنف الأسري لا يشكّل صدمة، فالمجتمع ذكوري بامتياز والقانون الذي يفترض أن يحمي النساء، يتساهل والمعتدي؛ غير أن مساعي توعية المرأة وتمكينها نجحت بخرق جدار الخوف وجعلتها أكثر إقبالاً وإقداماً لتحدّي واقعها المرير، والوقوف بوجه جلّادها والإبلاغ عنه.

أما في الأرقام، فبلغ عدد الشكاوى المبلّغ عنها لدى قوى الأمن الداخلي لشهر شباط الماضي: 40 عنفاً جسدياً، 9 حالات عنف معنوي، صفر عنف جنسي، صفر عنف اقتصادي، وحالة غير ذلك.

وكانت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية قد كشفت في بيان سابق عن تبليغات العنف الأسري في شهر كانون الاول من العام المنصرم، معلنة وجود 55 حالة عنف جسدي، 5 حالات عنف معنوي، صفر حالة عنف جنسي وحالة عنف اقتصادي.

كذلك، حددت الهيئة الجهة الجانية مبينة أن 33 من حالات العنف ارتكبها الأزواج، 9 حالات عنف ارتكبها آباء، في حالتين كانت الأم هي المُعنِّفة، وفي 5 حالات كان الأخوة هم الجناة و5 حالات غير ذلك.

وعن عام 2023 أيضاً، كشفت تقارير جمعية “كفى” تلقي 1210 تباليغ عن حالات عنف عبر خط الدعم الخاص بها.

وبيّن آخر تقرير للجمعية حول الربع الرابع من العام 2023 والذي سجّل خلاله تلقي 245 تبليغ، أن 42% من هذه الحالات عانى من العنف المعنوي، 35% من العنف الجسدي، 10% من العنف الجنسي و13% من العنف الاقتصادي. أمّا الجهة المعنّفة فهي، ووفقاً لتقارير العام 2023، الزوج بأغلب الحالات.

كذلك، أظهرت التقارير أن العنف الأسري منتشر في مختلف المناطق اللبنانية. فبحسب التقرير الأخير لـ”كفى”، 42% من حالات العنف المبلّغ عنها حصلت في جبل لبنان، 30% في البقاع، 12% في بيروت، 10% في الشمال و6% في الجنوب.

التوعية موجدة.. ما العائق؟  

الواقع الذي تعكسه هذه البيانات ليس مفاجئاً، بل هو طبيعي وفقاً للناشطة النسوية حياة مرشاد، التي تشير في حديثها لـ”لبنان 24″ الى أن “النساء هن أكثر من يحملن عبء الأزمات التي يمرّ بها البلد”.

وتقول مرشاد إن “هذا العام سجّل ارتفاع بلغت نسبته 300% في جرام القتل ضدّ النساء”، معتبرة أن “ارتفاع الشكاوى في الفترات الاخيرة مرتبط بعمل المنظمات النسوية في توعية النساء على آليات الابلاغ والحماية”.

وتؤكّد الناشطة النسوية وإحدى مؤسسات جمعية “fe-male” أن “المشكلة في معرفة المرأة بآليات التبليغ عن العنف، انما بحصول عمل جدي لتفعيل آليات الحماية أكثر وخلق الثقة لدى النساء بمنظومة الحماية”، فبالعودة الى ملفات جرام قتل النساء في السنوات الأخيرة، نجد ان القتلة أحرار او أن الحكم الصادر بحقّهم لم يكن قدر المتوقع وكان مخففاً بذرائع ثورة الغضب والشرف.

وتعتبر مرشاد أنه من غير المقبول وجود قضاة غير مثقفين بقضايا العنف أو التعامل باستخفاف مع هذه القضايا من قبل العناصر الأمنية. وتذكّر في خضمّ حديثها بقضية زينة كنجو التي تعرضت للاستهزاء من قبل القوى الامنية لدى ابلاغها عن تعرّضها للتعنيف وقيل لها آنذاك “كل هالحلا ومعنّفة؟!”، مؤكدة أنه “اذا ان لم تشعر المرأة بالأمان والجدية بالتعاطي مع قضيّتها ستنكفئ عن التبليغ وقد يكون الثمن حياتها”.

كذلك، تلفت الى أن المماطلة بالتعاطي مع القضايا وكل الانهيار الحاصل انعكس على الفئات الأكثر تهميشاً ومنها النساء. وتقول: “نتذكر عندما حصل الاعتكاف القضائي وأن من دفع الثمن هن الناجيات من العنف”، مضيفة أنه “حتى في حال وجود منظومة مؤسساتية من القضاء للقوى الأمنية، منتظمة، ندرك قدر التحدي لنيل المرأة العدالة، فكيف اليوم وكل اجهزة الدولة معطلة؟”.

وتكمل مرشاد: “كل شيء معطّل والتعويل الآن على الحراك النسوي والمؤسسات التي تعمل، فلولا نشاطها كان الوضع أخطر مما هو عليه”، مشددة على أنه “لا يمكن للمنظمات النسوية أخذ مكان الدولة وهذا أمر محسوم” ومؤكدة أنه “يجب ان يكون هناك تعاطي جدي مع ملفات العنف ضد النساء وملفات قتل النساء وهذا سينعكس حكماً على ثقافة الابلاغ لدى النساء والثقة بمنظومة الحماية”.

ثغرات القانون الحالي المعدّل

صحيح أن قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري في لبنان شهد تعديلاً، إلّا أنه لا يزال يخفي في طيّاته ثغرات وأخطاء كعدم تجريم الاغتصاب الزوجي.

وينقسم القانون رقم 293 المعدل بالقانون رقم 204 الى قسمين، الأوّل عقابي يشدد العقوبات على بعض الجرائم المرتكبة بين افراد الأسرة ويجرّم العنف المعنوي والاقتصادي.

أمّا الثاني فحمائي، يمكّن الضحية من  طلب الحماية بهدف إبعاد المعنف عنها وعن أطفالها عبر إبعاده عن المنزل أو نقلها مع أطفالها إلى مكان آمن.

تؤكّد مرشاد لـ“لبنان24” أن “القانون الحالي يساعد كثيراً، لكن ما ينقص هو العمل عل صعيد المؤسسات”، لافتة الى أن “القوانين أساسية، لذا النضال دائم لاقرارها ويجب تفعيل كلّ اليات التطبيق على الصعد كافة”.

كما تلفت الى أن “القانون المعدّل لمّ يقرّ بالاغتصاب الزوجي، غير أنه أوجد صندوقا لدعم الناجيات لكنّه حتى اللحظة فارغ”.

وهنا تشير الى أن دور الجمعيات النسوية لا يقتصر على التوعية فقط، بل تقدّم الدعم القانوني والاجتماعي والنفسي، فهناك العديد من النساء يفتقرن الى القدرة على توكيل محامي أو حتى الاستحصال على تقرير حكيم شرعي لإثبات موضوع العنف. كما انها تؤمّن مراكز ايواء للنساء المعرضات للقتل، إذ لا مركز ايواء خاص في الدولة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى