قرية علما الشعب الجنوبية، وفي الموقع نفسه الذي استشهد فيه الصحافي عصام العبدالله في 13 تشرين الأول 2023، تكرّرت الجريمة بعد خمسة أشهر، لتطال يوم 15 آذار 2024 ثروة ثقافية وحضارية، حيث أدت غارة اسرائيلية لقصف منزل مؤلّف من أربعة طوابق ودمرته بالكامل. وصحيح أن الخسارة كانت كبيرة لأصحابه السيد ايلي رزق الله وعائلته المقيمين خارج لبنان، إلا أن ما كان يحتضنه هذا المنزل من الصعب جداً تعويضه.
صرّح الإعلام العسكري الإسرائيلي، بعد الغارة، بأن إسرائيل قصفت بنى تحتية استخدمها حزب الله، فما هي حقيقة المكان المستهدَف؟
للأسف، البنى التحتية كانت عبارة عن كنز حقيقي، عبارة عن متحف تاريخي يضم 30 سيارة من الطراز الكلاسيكي القديم، بعضها يعود لحقبة ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية، كما هي الحال مثلاً مع إحدى السيارات من طراز “فورد” سنة 1928، أي أن عمرها يقارب القرن من الزمن.
أمضى صاحب هذا المتحفً 20 عاماً من عمره في جمع هذه التحف النادرة، واستيرادها من الخارج وإعادة ترميمها بالكامل أو جزئياً لتصبح أيقونة من الجمال، إيماناً منه بثقافة الحياة وقدسية التراث الثقافي، فمن لا ماضٍ له لا حاضر له ولا مستقبل.
باتت المجموعة بأكملها تحت الردم والأنقاض، كما هو حال المنزل الذي تحوّل الى حطام. فالمجموعة تضمنت سيارات تعود لحقبة العصر الذهبي أو ما يُعرف بالـGolden Age وهي حقبة أواخر الخمسينيات والستينيات، حين شهد العالم انتعاشاً اقتصادياً وازدهرت صناعة السيارات ومن ضمنها سيارات الرفاهية. ومن السيارات المميزة في هذه المجموعة التي تعود لتلك الحقبة هي موديل Peugeot 204 سنة 1964، من الطراز الكشف، ومصدرها شركة peugeot لبنان وهي السيارة الوحيدة الكشف التى صدرت من الشركة آنذاك.
هناك أيضاً الكثير من السيارات في المجموعة من إنتاج شركة مرسيدس بنز وبعضها نادر، حيث أن شركة مرسيدس أصدرت عدداً محدّداً من هذه السيارات الألمانية العملاقة في السبعينات، من ضمنها في المجموعة سيارتين من طراز 450 SEL 6.9، من انتاج سنة 1978. وهذا الطراز اشتهر باسم Bankers Hotrod كونها سيارة النخبة من أصحاب البنوك ورأس المال وتم انتاج هذا الطراز بأعداد محدودة بين عام 1975 و1981 ولسنوات عدة تميزت الـSEL 450 6.9 بكونها أسرع سيارة صالون في أوروبا وتميّزت بكونها أول سيارة بنظام فرامل ABS.
كما تتضمن المجموعة أيضاً 4 سيارات نادرة من طراز mercedes 190E 2.3-16V وطراز 190E 2.5-16 من حقبة الثمانينات، وهذه المجموعة من سيارات مرسيدس عرفت باسم performance cars compact التي تمتعت بأناقتها وقوتها حين كانت المنافسة قوية بين شركة مرسيدس وBMW وعدد من الشركات الأخرى مثل Audi لإصدار سيارات رياضية سريعة حيث قدمت شركة مرسيدس هذا الطراز في سباقات الـ Grand Prix وParis Motor Show وكانت شركة مرسيدس تعاقدت مع شركة الهندسة البريطانية كوسورث لانتاج هذا الطراز باعداد محدودة ايضاً.
كما تضمنت المجموعة تشكيلة واسعة من السيارات مثل الـSEC 560 مرسيدس وهي قمة إبداع المصمم Bruno Sacco وقد تزينت بـLorinser Styling Package لتظهر بأبهى حللها في Geneva Motor Show.
ويضاف الى ذلك الكثير من سيارت مرسيدس SL الكشف من الجيلين الثالث والرابع من حقبة الثمانينات والتسعينات ولاقت رواجاً واسعاً آنذاك بين المشاهير في عالم الفن والسينما والموضة.
المجموعة الأنيقة والتي كانت تضمّ أيضاً سيارات تُعتبر حديثة نوعاً ما، مثل C36 مرسيدس سنة 1996 والتي اشتهرت كـpre-merger وهي السيارة الأولى التي كانت نتاج تعاون مشترك بين مرسيدس وAMG قبل ان يتم دمجها بشركة Mercedes.
هذا ولم تقتصر المجموعة حصرياً على سيارات الرفاهية والسيارات النادرة، إنما تضمنت عدداً من السيارات الشعبية التي تم طرحها بأسعار في متناول الناس العاديين في ذاك الوقت، مثل سيارة الـmercedes 190 ponton سنة 1985 أو الـVW Beetle سنة 1967 او سيارة لادا 1300 سنة 1970 وبعض هذه السيارات انتشر بشكل واسع جداً في العالم وتميّز بعضها بكونها سيارات sports cars مثل الـchevrolet corvair سنة 1963 والـ karman Ghia سنة 1968 وغيرها ضمن المجموعة حيث يصعب حصرها بهذا المقال.
محزن جداً أن يفقد لبنان هذه الثروة، وأن يخسر صاحبها حلمه الذي كان بإمكانه أن يبنيه في أي بلد في العالم، لكنه اختار أن يستوردها من الخارج ويزرع تعبه على أرض وطنه، ولم يفكّر يوماً أنه سيتحوّل إلى حطام. الانباء