يجمع الخبراء والمهندسون في مجال البناء على ان الغيث الغزير يؤدي الى تصدع المباني خاصة عندما تتساقط كميات هائلة لفترات طويلة، وتتسبب هذه المعدلات بارتفاع مستوى المياه في التربة.وهذا التغيير في خصائص التربة يؤدي إلى تمددها وبالتالي الضغط على الأساسات السفلية للعمارات وتصدعها.
علاوة على ذلك، ينتج من زيادة درجات الحرارة وتغيرات نمط التساقط المطري تجفيف التربة وتقليل رطوبتها، وتراجع في مستوى المياه الجوفية واسترقاق في قوة التربة وصلابتها، وهذا التبدّل يؤثر سلبا في متانة الأرض وقدرتها على دعم المباني.
بالإضافة الى إن سفح الجبل يمكن أن يتحرك أو ينحدر جراء الفيضانات بسبب تأثير قوة المياه الجبّارة والفائضة والتي تزعزع تماسك وثبات التربة وحجم الصخور في الجبل. وتعد هذه الظاهرة شائعة خلال الفيضانات الشديدة وقد تسمى بانزلاقات التربة والسفوح.
ووفقا للعلماء، تُؤدي السيول الى نشوء تآكل في الأرضية وتدمر الطرق والجسور وأنظمة تصريف المياه، وقد تصاب المباني بالتلف والانفلاق جراء تسرب المياه؛ لذلك يجب اتخاذ التدابير الوقائية المناسبة لتقليل تأثير الفيضان. في لبنان وكغيره من الدول الواقعة في منطقة زلزالية، الوحدات السكنية عرضة للتهديد نتيجة الأمطار الغزيرة والهزات الأرضية. فالعدر أي المطر الشديد يمكن أن يسبب انجرافات أرضية تؤدي الى انحلال البنيان، بينما الهزات الارضية تتسبب في انهيار المساكن غير المقاومة للزلازل. اما بالنسبة الى العدد المعرض لخطر السقوط يمكن أن يكون متغيراً ويعتمد على عدة عوامل مثل نوع التصميم، جودة البناء، ومدى التعرض للزلازل، وقدرة البنية التحتية على تحمل الكوارث الطبيعية، وذلك نتيجة لقلة الالتزام بالمعايير البنائية والتصميم السليم.
وفي الإطار، يوجد حوالي 16250 ألف مبنى يعود تاريخ بنائه الى أكثر من 50 عاما على كافة الأراضي اللبنانية وذلك بحسب استبيان اجري في العام 2013 وبالطبع هذا الرقم تضاعف عشرات المرات مؤخرا
وفي شأن متصل، قال الخبير الجيولوجي طوني نمر لـ “الديار”: “لا يجب ان ننتظر قدوم الدولة او المسؤولين او الأجهزة او البلديات للكشف على المباني لان هذا الامر واضح انه لن يحدث في المنظور القريب؛ لذلك المطلوب من كل مواطن لديه شكوك حول اساسات منزله التحرك واستشارة مهندسين متخصصين للكشف على المبنى ولوضع الأمور في اطارها السليم قبل وقوع كارثة جديدة”.
في موازاة ذلك، أكد رئيس شبكة سلامة المباني المهندس يوسف عزام لـ “الديار” “وجود ارتباط وثيق بين التغير المناخي والسلامة العامة، وفي لبنان المباني قديمة جدا والقسم الأكبر عُمّر في الستينيات والسبعينيات الى جانب الحروب المتتالية وهذه العوامل مجتمعة تؤثر سلبا في أساس المبنى. ناهيكم بالمخالفات التي خضعت للتسوية وأكثر من ذلك نفتقد الى ثقافة الصيانة في مجتمعاتنا والدولة لا تفرض على المواطنين القيام بأعمال الترميم. وبالاستناد الى كل ما ذكرته نحن امام واقع انشائي في الأبنية صعب”.
وتابع “عندما اسسنا في العام 2007 الجمعية كنا نعي الى اين تتجه الأمور واجرينا في هذا الخصوص استبيانا لنتمكن من إعطاء ارقام دقيقة ولنحدد حجم المشكلة؛ فالدولة لا تمتلك بيانات تتعلق في هذا المجال وحتى الاحصائيات التي لدينا غير نهائية كما ان البلدية لا تفسح عن المعلومات المتصلة بأعمال الكشوفات الميدانية”.
واستكمل “اما بالنسبة للتغيير المناخي فطبعا يؤثر سلبا في المدن الساحلية ويبقى تأثيره اقل في القرى والمناطق الجبلية والسبب يعود الى طبوغرافية الأرض او “سمات سطح الأرض” التي لا تسمح لكميات المياه المتساقطة الاستقرار في الابار الجوفية وينتج من هذه العملية زحل للتربة في الطبقات العلوية. وعاينا مؤخرا انهيارات وتشققات في الأبنية القائمة في الأرياف والقرى؛ وهذا التأثير على المدى البعيد يؤذي المنطقة التي تستقبل كل معدلات المياه القادمة من المناطق الجبلية والتي تنتهي في الأنهر والمجاري الصحية”. تجدر الإشارة في هذا السياق الى ان بناية مؤلفة من 5 طوابق هبطت بأكملها في منطقة الشويفات ومنذ ساعات تهاوى مبنى في منطقة الحرش في الرحاب ببيروت.
أضاف “هناك امر يحصل في الممرات الجوفية والمجاري الطبيعية التي تقوم بإعادة تعبئة كل المياه الجوفية الموجودة في المناطق الساحلية والأخيرة كانت تأخذ المياه العذبة من الابار الجوفية. وبحسب الدولة يوجد حوالي 900 بئر ارتوازي مرخصة في لبنان، لكن واقع الحال يشير الى وجود أكثر من 60 ألف بئر ومن وجهة نظري يوجد أكثر. ولاحظنا خلال السنوات الماضية انخفاضا في مستويات المياه الجوفية في المدن الساحلية، ففي بيروت على سبيل المثال أظهرت دراسة اجريت عام 2023 ان نسبة الملوحة والمواد الصلبة الذائبة هي 37,500 ملغرام لكل ليتر وهذا دليل عل انخفاض مستوى المياه العذبة، بعدما كانت 150 ملغراما لكل ليتر وهو برهان على انخفاض حاد في منسوب المياه الجوفية”.
وقال: “من الطبيعي ان تعاود المناطق الفارغة الامتلاء من الامطار العذبة، لكن الامر غير الطبيعي هو ان كمية الأمطار الغزيرة و الفيضانات التي شهدناها خلال هذا الموسم تعمل على اعادة ضخ المياه العذبة الى الآبار الجوفية عبر الممرات الطبيعية الجوفية، كما ان المعدلات الضخمة والضغط الهيدروليكي الناتج منها يؤدي الى ضغط في الطبقات الارضية المحيطة بـ water table مما يسبب في توسعات و انكماشات جوفية ذات نسب بسيطة وتحرك وتشقق أساسات المباني والأرض المحيطة بشكل تدريجي وهذه العوامل تؤثر سلبا في الأداء البنيوي طويل المدى لهياكل ومتانة تلك الابنية مما يمثل خطرا عليها”.
وختم موضّحا “ان المياه نعمة وهذا المردود طبيعي ويمكن ادارة هذه المعدلات من خلال انشاء السدود وتوسعة مجاري الأنهر، وأكثر من ذلك يمكن ان تستغل كميات الامطار في توليد الكهرباء والزراعة فنحن في بلد يهدر مياهه وغالبا ما تكون المياه غير متوافرة او مقطوعة وهذا امر غير منطقي”.