كتبت صحيفة “النهار”: مع ان الحركة اللافتة “الواعدة” لسفراء مجموعة الدول الخماسية المعنية بأزمة الاستحقاق الرئاسي في لبنان، بدلت الكثير من أولويات المشهد الداخلي وسحبت الوهج حتى عن التطورات الميدانية في الجنوب، فان ذلك لم يحجب “عودة” الاحتدام الى قضية انفجار مرفأ بيروت التي يبقى “الحصار” المفروض على التحقيق العدلي فيها يتصدر الفضائح الأشد قتامة في تاريخ لبنان.
هذه القضية المعتملة بتطوراتها الأمنية والقضائية والإنسانية منذ انفجار 4 آب 2020 تبدو على مشارف تحركات جديدة بارزة بسبب إجراءات قانونية حديثة كان من شأنها ان اعادت نفخ الريح بقوة على جمر استفزاز أهالي ضحايا تفجير المرفأ، وكأن التجميد القسري المريب والتأمري للتحقيق العدلي وتعليق عمل المحقق العدلي ومحاصرته ومطاردته قضائيا لم يكف المتورطين في هذا المخطط. وصولا الى الاجراء الاحدث بتوقيف مذكرة توقيف غيابية صادرة بحق وزير سابق، عادت القضية الى التوهج مع تحرك أهالي الضحايا ووكلائهم قانونيا وشعبيا، الامر الذي ظهرت حياله ظاهرة مؤسفة وذات دلالات سلبية جديدة تمثلت في مسارعة مجلس القضاء الأعلى الى “الانتفاض” في وجه الأهالي ملوحا بالإجراءات القانونية فيما انتظر اللبنانيون طويلا في المراحل السابقة ما يتجاوز الانتفاضة من المجلس لاعادة تصويب مسار التحقيق العدلي وفك أسره ومنع التدخلات السياسية الوقحة والسافرة من العبث باخطر القضايا التي عرفها لبنان بعد الحرب.
اذ ان أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت نفذوا إعتصاماً أمام قصر العدل في بيروت احتجاجاً على قرار المحامي العام التمييزي القاضي صبوح سليمان بوقف تنفيذ مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة بحق وزير الأشغال العامة والنقل السابق يوسف فنيانوس، التي أصدرها القاضي طارق البيطار في 16 أيلول العام 2021، بعد تغيب المستدعى عن جلسة استجوابه ورفضه المثول أمام البيطار.
وتقدّم وكلاء الدّفاع عن أهالي الضحايا بطلب أمام محكمة التمييز لرد المحامي التمييزي القاضي صبوح سليمان لإصداره قراراً بوقف تنفيذ مذكرة التوقيف الغيابية بحق الوزير السابق يوسف فنيانوس في ملف المرفأ، معتبرين أنّ هذه الصلاحية تعود إلى المحقق العدلي طارق البيطار في هذا الملف.
ورافق ذلك اعتصام للأهالي امام قصر العدل اطلق بعضهم خلاله مواقف محذرة من تفريغ الملف من الموقوفين وعده نوعا من الوقاحة، مؤكداً أن هذا الضغط لإخفاء الحقيقة لن ينفع ، كما ركز بعض اخر على أن الدولة تستخف بالأهالي وبالقضية وأن هذا ما سيدفهعم أكثر وأكثر نحو التصعيد.
التعبير عن هذه “الغضبة” لم ترق مجلس القضاء الأعلى الذي سارع الى اصدار بيان علق فيه على ما اعتبره “تعرضا لبعض القضاة، والتشهير بهم” وذلك بعدما شهر الاعلامي رياض طوق وثيقة عن تحويلات مالية الى خارج لبنان قام بها القاضي سليمان بعد انتفاضة 17 تشرين الاول 2019. وإذ شجب “هذه الممارسات التي ستعرض أصحابها ومرتكبيها للملاحقات القانونية”، أهاب بالجميع “ممارسة حرية التعبير ضمن الضوابط الدستورية والقانونية الواجبة التطبيق، من دون أي تجاوز يوجِب المساءلة، وذلك حفاظا على هيبة القضاء”.
تحركات السفراء
اما في المشهد السياسي والديبلوماسي فبرزت عودة متجددة لتوافد موفدين غربيين الى بيروت بموازاة الاستعدادات لتحرك سفراء المجموعة الخماسية ولو ان مهمة هؤلاء الموفدين تمتزج فيها الازمة الرئاسية مع الواقع الميداني الخطير في جنوب لبنان، وإذ يزور بيروت منذ امس وزير خارجية اسبانيا مانويل الباريس الذي دعا الى مؤتمر دولي للسلام، علم ان نظيره الايطالي سيصل بدوره بعد أيام وبعده وزير الخارجية البريطاني. كما استمر تحرك بعض السفراء في بيروت اذ التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري السفير السعودي وليد بخاري ومن ثم السفير المصري علاء موسى وعلم انهما وضعا بري في ما سيقدم اعضاء المجموعة الخماسية على فعله حيال مساعدة اللبنانيين في انتخاب رئيس الجمهورية. وفهم انه من خلاصات جلستي السفيرين انه تم البحث في النقاط الاتية:
– لا صحة لوجود مشكلة بين اعضاء الخماسية بل يسعى كل الاعضاء الى هدف واحد وهو التوصل لانتخاب رئيس للجمهورية. وستتابع المجموعة عقد مشاوراتها في الايام المقبلة بغية تحديد موعد اجتماع شامل لمكوناتها سيكون في شباط المقبل مع ترجيح التئامه في شباط المقبل .ولم يتحدد بعد مستوى الممثلين للمجموعة او مكان الاجتماع في باريس او الرياض او القاهرة.
بعد هذا الاجتماع الموسع للمجموعة سيحضر الموفد الفرنسي جان – ايف لودريان الى بيروت لينقل الى المسؤولين ورؤساء الكتل النيابية وكل النواب خلاصة ما توصلت اليه المجموعة حيال المواصفات المطلوبة والتي يجب ان تتوفر في شخص الرئيس المقبل ليتمكن من ادارة الدولة وتشكيل حكومة تنقذ البلد من الوضع الراهن غير المطمئن.
لم يدخل السفيران بخاري وموسى في اي من الاسماء المطروحة وغير المطروحة. ولم يبد اي منهما طرح الدخول في خيار اسم ثالث او استبعاد اي مرشح.
وركز رئيس المجلس على ضرورة حصول حوار بين الكتل النيابية وان على “الخماسية” ان تتفهم ضرورة هذه المسألة.
تداعيات الجنوب
الى ذلك افادت معلومات بأن وفدا من “حزب الله” ضم مسؤول ملف العلاقة مع المراجع المسيحية محمد سعيد الخنسا ومصطفى الحج علي اجتمع مع مدير الإعلام في بكركي وليد غياض في منزل النائب فريد هيكل الخازن وشرح الوفد ما يحصل في الجنوب”والظروف في مواجهة إسرائيل والمعركة لحماية الجنوب في مواجهة كل النوايا الاسرائيلية التي يعبر عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجاه لبنان”.
في المقابل رد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل امس بعنف على الحملة التخوينية والتهديدية التي طاولته من “حزب الله” وإعلامه وانصاره وقال ان “الرسالة وصلت ولن نغيّر شيئًا لا في مواقفنا ولا في مبادئنا ولا في الدفاع عن بلدنا فنحن نرفض أن يقرر أي كان عنا مستقبلنا ونرفض أن يجر لبنان وغيره إلى الدمار وأن يدخل لبنان في هذه الحرب”.
واكد “أننا نرفض ان يكون حزب الله هو من يقرّر عن كل اللبنانيين مستقبلهم ودمار بلدهم”. واعتبر ان “الهدف الحقيقي للحرب وجبهة المساندة أن تفرض إيران نفسها كالمُحاور الأساسي في الشرق الأوسط وحمايتها والمنظومة وكي يبيعوا الشعب العربي مواقف وحزب الله يقرّر عنّا جميعًا ما يحصل في الجنوب ما يعني أنه لم يربط لبنان فقط به إنما ربطنا بحماس ومستقبل اللبنانيين بات مرتبطًا بحماس، أي أننا يجب أن ننتظر ما سيحصل بين حماس وإسرائيل كي نعلم مصيرنا وهذا انتهاك مباشر بحقنا كلبنانيين بتقرير مصيرنا ومستقبلنا”.وحذر من أن “البلد قد يجرّ إلى حرب كبيرة وهذا لن يكون مقبولا لا اليوم ولا بعد ألف سنة”.
الحاكمية والجمعية
في سياق اخر وعشية جلسات مجلس النواب لمناقشة الموازنة وإقرارها، افادت معلومات “النهار” ان الاجتماع الذي عقده حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري مع جمعية المصارف بحث فيه موضوع التعميم 151، بشأن اعطاء 150 دولار شهرياً للمودعين. وقالت مصادر مطّلعة ان مصارف عدة توافقت مع منصوري على اهمية الخطوة، لكن عدداً منها يعتبر انه عاجز عن تنفيذ التعميم.
وبحسب المعلومات أنّ منصوري يصرّ على اصدار التعميم المُشار اليه، لكن صدوره سيكون بعد اقرار الموازنة في المجلس النيابي، وهو تعميم سيكون ملزماً للمصارف بموجب قانون النقد والتسليف.
من جهة ثانية، يرصد المعنيون ما سيقرره المجلس النيابي بشأن سعر دولار السحب، الذي يرفض منصوري تحديده، انطلاقاً من انه بمثابة “هيركات” على الودائع، وهو يحتاج الى قانون نيابي.
فهل يصدر قرار التحديد في جلسة الموازنة المقررة اليوم؟
يسعى نواب الى رمي كرة تحديد السعر في ملعب المركزي، تهرباً من المسؤولية، لكن الحاكم بالإنابة الذي كان ناشد النواب منذ استلامه اقرار سلة اصلاحات مالية لن يخالف القانون بإصداره اي تعميم لتحديد سعر دولار السحب، وهو ما تبلغته الحكومة والكتل النيابية منه.