تواجه “إسرائيل” تحديات في مختلف الجبهات وعلى العديد من المستويات بشكل يومي نتيجة تداعيات الحرب، لكن تعصف بالكيان المؤقت تهديدات وجودية تمس بجوهره واستمراريته وهي الأسئلة الكبرى التي تحتاج إلى إجابات، والتي بدأت تتكشّف معالمها على أنقاض فشل الخطط العسكرية وتحقيق الأهداف المرسومة، في العدوان على غزة، فما هي هذه التحديات؟
سؤال حاولت صحيفة هآرتس الإسرائيلية الجواب عليه من خلال مناقشة ثلاث تحديات وجودية رئيسية تواجهها إسرائيل حالياً، وبحسب الصحيفة هناك حل جذري يعيد للإسرائيليين القوة التي انتزعت منهم منذ عملية طوفان الأقصى. فما هو؟
النص المترجم للمقال:
يتعرض وجود إسرائيل للخطر في عدة جبهات:
الأول هو تهديد عسكري صادر من ستة مصادر: حزب الله وحماس وفلسطينيو الضفة الغربية واليمن وإيران وسوريا. إن دائرة أعداء إسرائيل لم تتسع فحسب، بل أصبحت أفضل تسليحاً وتنظيماً، حيث تتلقى هذه المصادر دعم إيران وروسيا والصين، وكلها تهدف إلى زعزعة استقرار العالم الغربي وإسرائيل على وجه الخصوص. حقيقة أن إسرائيل قوة إقليمية، وأنها لا تزال تتمتع بدعم الولايات المتحدة المتراجعة في العالم، وأنها تمارس الهيمنة الاستعمارية على الفلسطينيين، لا يكفي لمواجهة حقيقة أن كلاً من الأعداء الشيعة والسنة أصبحوا استراتيجيين بشكل أفضل، وهم مصممون على إيذاء إسرائيل والقضاء عليها تماماً إن كان ذلك ممكناً.
التهديد الوجودي الثاني: وهو تهديد داخلي لا يقل تأثيراً عن التهديد الخارجي، يتمحور على عدة جبهات: مجموعة كبيرة من اليهود المتعطشين للسلطة، يريدون طرد الفلسطينيين من إسرائيل ومن المناطق المختلفة، وهم ينظرون إلى العلمانيين على أنهم خونة. هؤلاء الذين ساعدوا في تأسيس إسرائيل الحديثة، ويطمحون إلى فرض نظام يهودي متعصب.
الجبهة المحلية الثانية: هن السكان المتزايدين باطراد من اليهود الأرثوذكس المتطرفين، الذين يتمتعون بامتيازات الطبقة العليا: فهم يختارون عدم العمل، ولا يخدمون في الجيش، وتمثلهم أحزاباً سياسية ليس لها نساء في قيادتها، دون تدخل من القانون. لا تتمتع هذه المجموعة فقط بامتيازات لا مثيل لها في العالم، بل يعيش أعضاؤها أيضاً تحت الاعتقاد الوهمي بأن صلواتهم هي السلاح الأساسي الذي يحافظ على سلامة العلمانيين الذين يمولونهم.
تتكون الجبهة الأخيرة لهذا التهديد السياسي الداخلي من العقيدة اليمينية التي تتمحور حول عبادة رجل واحد. كما حدث من قبل في التاريخ (مع لينين أو موسوليني، على سبيل المثال)، يمكن أن تنوّم الجماهير من قِبل شخصية سياسية حاقدة وتنكر قسوتها وأنانيتها واستعدادها النهائي لدفع الأمة إلى الهاوية. إن حقد بنيامين نتنياهو على مرأى من الجميع الآن: لقد اختطف جهاز الدولة لمصالحه السياسية الشخصية عندما بدأ إصلاحات قضائية كارثية، وتجاهل التحذيرات الأمنية من أجل متابعة تلك الإصلاحات نفسها، التي أدت إلى انقسام عميق في البلاد وبالتالي تعريض إسرائيل للخطر المباشر. لم يكن لديه التزام لتحمّل المسؤولية عن النتائج المروعة لسوء تقديره الأمني وعدم كفاءته المطلقة. ولا تزل الطبيعة الكارثية لهذه القيادة واضحة في الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حماس في غزة. إنها حرب يتعرض فيها المرء لضغوط شديدة لرؤية هدف استراتيجي في الأفق.
لقد قوضت الحرب الاقتصاد، تاركة العديد من أصحاب الشركات الذين ذهبوا للقتال من أجل النضال بمفردهم مع خسائرهم الاقتصادية. لقد قتلت الحرب عدداً كبيراً جداً من جنودنا، ولم تُعد معظم الرهائن، وكل يوم تحبط معنويات المزيد من المدنيين.
لقد أضعفت الحرب إسرائيل دوليًا بطريقة لم يفهمها جمهورها بالكامل بعد. قد تبدو هذه الجبهات الثلاث – التهديدات العسكرية والتطرف السياسي الداخلي وانحلال المعايير والأعراف – متمايزة عن بعضها، لكنها متشابكة بعمق وتشكل جوهر تهديد وجودي خطير لإسرائيل.
ثمة حاجة إلى حركة ديمقراطية اجتماعية واسعة، لتجديد العقد الاجتماعي الملزم بين الدولة والمواطن. مثل هذه الحركة فقط هي التي يمكن أن تمنح الإسرائيليين القوة التي انتزعت منهم وتنقذهم من المخاطر الوجودية الحقيقية.