لا بلينكن ولا جوزيب بوريل ولا هوكستين لديهم تصور واضح لكيفية وقف الحرب. الثلاثة أتوا لبحث منع اتساع الحرب. ما يؤرق الولايات المتحدة هو إمكانية انفلاش الحرب وخروجها عن السيطرة. هي تعلم جيدا أن تهديد السيد بالذهاب بالحرب في حال وقعت إلى أقصاها يعني إحراق المنطقة. ثمة صواريخ تطال غوش دان وكل الشريط الساحلي الإسرائيلي. صواريخ نفطوية قادرة على إصابة المفاعلات النووية وأماكن تخزين البتروكيماويات ومنصات الغاز وكل ما هو حيوي في إسرائيل. لحظة انفلات المواجهة في الجبهة الشمالية ستكون كارثية. تريد الولايات المتحدة أن تحكم المنطقة بتصور تحتل فيه إسرائيل المكانة المركزية. كل التصورات الأميركية عن مشاريع طرق التجارة و خطوط الطاقة في المنطقة تمر في إسرائيل. الولايات المتحدة تريد حكم المنطقة وتأبيد سيطرتها عليها لا إحراقها. محور المقاومة يعلم ذلك جيدا، لذلك فتح جبهات المساندة لغزة وفعل ويفعل كل ما هو ممكن تحت حافة “الحرب الشاملة”. الحرب الشاملة تعني “يوم القيامة” في منطقة تزود العالم بمعظم احتياجاته من النفط والغاز. تدمير لبنان لا يقدم ولا يؤخر في خارطة العالم، لكن تدمير إسرائيل يعني محو كل الجهد الغربي في المنطقة منذ ما يقارب القرن من الزمن، يعني نهاية هذا الاستثمار الضروري والحيوي للغرب الجماعي برمته.
وفق هذه الرؤية أتى هوكستين وبعده بوريل واليوم يأتي بلينكن للمنطقة. كل المبعوثين أتوا لمنع اتساع الحريق، وحين لم ينفع التهويل ولا الترغيب، أتوا يستعينون بتركيا وقطر والسعودية ومن يستطيع الضغط على حماس أو ترغيبها بإعادة الإعمار والحياة لغزة. طريق التفاهم مع قوى محور المقاومة محكومة بكلمتين: “وقف الحرب”. وقف الحرب أو وقف إطلاق النار يعني بقاء حماس في غزة. بقاء حماس يعني أن تخرج إسرائيل من حربها خالية الوفاض. خروج إسرائيل خالية الوفاض يعني أنها هزمت رغم المقتلة الكبيرة والدمار الهائل في غزة. هزيمة إسرائيل تعني إطلاق ديناميات تفكك منطق المشروع الصهيوني. قصة مصير نتياهو وحكومته وقادة اليمين الإسرائيلي هي تفصيل. ما سوف يضرب في حال التسليم بالهزيمة هو منطق قيام واستمرارية دولة “إسرائيل”. الأميركي يبحث عن مخرج دون جدوى. هو مخير بين إرغام إسرائيل على تقبل خسارة بالنقاط والتعويض عن عجزها عن الحسم بالدمار الهائل الذي أحدثته أو ترك الأمور بصيغتها الاستنزافية الحالية والتي قد تفلت في أي لحظة لتشعل الحريق الكبير. إسرائيل لغاية الآن لم تسلم بعجزها عن الحسم وهي في كل يوم توهم نفسها بإمكانية الحسم تتلقى المزيد من الصفعات. تبدو إسرائيل كدب جريح يقيده الأميركي أو أنه يحصر ردة فعله في مساحة معينة فيها خصومه يثخنونه بالجراح أكثر. هناك أثمان هائلة ستدفعها إسرائيل في حال أوقفت حربها دون تحقيق نتائج حاسمة، وأثمان كبيرة تدفعها في كل يوم تستمر فيه في حربها، وأثمان لا تستطيع احتمالها في حال قررت توسيع الحرب للخروج من حالة الاستنزاف الكبيرة في جبهتها الشمالية والجبهات الأخرى. عنوان “المرحلة الثالثة من الحرب” يبدو مضحكا، كفصل في قصة أو رواية لا تنتهي. هي إما “حرب”، أو “لا حرب”. على قادة إسرائيل اختيار أي الفواتير أقل لدفعها وعلى رعاتهم في الولايات المتحدة أن يعينوهم على ذلك. الكارثة وقعت، وكثرة النواح والتهديد لا تفيد بشيء.