ما إن تمر في ساحة شتورة، حتى ترى المكان مكتظاً بعربات “التوك توك”في مركز انطلاقها نحو قرى البقاع المحيطة، وكأن المشهد إحدى ساحات الهند بطابعها الحالي، حيث يعتمد أغلب أهالي البقاع على “التوك توك” بعد الأزمة التي حلت على لبنان بعد العام 2019.
مصدر رزق “رواد بيضون45 عاماً”، وهو من اوائل من اقتنوا “التوك توك” رغم خطورته كبديل لعمله في مهنة النجارة، التي خسرها مع بدء الانهيار الاقتصادي، يقول لــ لبنان 24 ” باتت وسيلة النقل هذه أساسية كمدخل للعيش بعد خسارة عملي الوحيد، أنتظر كثيراً في ساحة شتورة، لكسب زبائن أكثر ولو أكثر من سعة “التوك توك” لأن المربح يكون بأكثر من ثلاثة ركاب، ونعوض خسارتنا من تلاميذ المدارس مع بدء موسم الدراسة“
ليس رواد وحده من يستعمل وسيلة النقل هذه في البقاع، اذ باتت ملاذاً للفقراء والفئة الأكثر تهميشاً في البقاع، حيث أصبح معقبو المعاملات والدليفري وحتى بعض الموظفين الحكوميين في المنطقة يستخدمون “التوك توك” كوسيلة نقل بديلة عن “الفانات” كونها أكثر توفيراً خصوصاً بعد انهيار الليرة أمام الدولار وضعف مدخولهم وانخفاض الرواتب إلى الربع تقريباً.
خطورة المشهد لا تكمن خطورة المشهد بكون “التوك توك” احتل مشهد النقل في البقاع من ساحة شتورة حتى باقي القرى المجاورة، بل بخطورته كوسيلة نقل غير آمنة خصوصاً على الأطفال، حيث اضطر أغلب الأهالي في البقاع إلى استبدال “الفان” ب”التوك توك” لتوصيل أطفالهم إلى المدارس كتكلفة أرخص، واستمرار تعليم أطفالهم رغم كل مخاطره. واحد من هؤلاء الناس السيدة عليا مرعي تنقل أطفالها الثلاثة ب”التوك توك” رغم خطورته، إذ لم يعد باستطاعتها نقلهم بباص المدرسة الرسمي بعد خسارة زوجها عمله منذ ثلاث سنوات، لكنها لم تكن تتوقع أن ابنتها ستقع من “التوك توك” في يوم من الأيام، تروي لــ لبنان 24 لحظات الرعب التي عاشتها عندما تعرضت ابنتها لحادث في التوك توك أثناء ذهابها إلى المدرسة”:للوهلة الأولى ظننت أني خسرت ابنتي عندما سقطت من التوك توك في سعدنايل، ليس هناك أمان بداخله فهو عبارة عن كرتونة متنقلة ومجللة من الخارج فقط، وعندما أراد السائق الالتفاف والدخول في مفرق آخر سقطت ابنتي وكادت أن تُدهس بالسيارات المارة
وتضيف: ” اليوم بات “التوك توك” يشكل خوفاً كبيراً بالنسبة لي، ورغم المخاطر ما زلت أرسلهم به إلى المدرسة ولكن أصعد معهم، الأزمة الاقتصادية أجبرتنا على التخلي عن الفان، واسترخاص “التوك توك” رغم خطورته كي لا نحرم أطفالنا من التعليم“. هذه العربة الصغيرة يمكنها أن تقل ثلاثة ركاب كحد أقصى، ولكن مع بدء موسم المدارس تتحول إلى بوسطة صغيرة تنقل حوالي 10 تلاميذ، كمربح للسائق من جهة وتوفير للأهالي من جهة أخرى، مع مواجهة كل المخاطر من الطرقات غير الصالحة، و”التوك توك” غير الآمن في النقل، مما زاد من حوادثه خصوصاً في فصل الشتاء .
المُلك لصاحب المال لم يعد المواطن اللبناني فقط يعتمد في مدخوله على “التوك توك” بل بات النازحون السوريون أيضاً يعتمدون على هذه الوسيلة كمدخل رزق، بالرغم من عدم سماح قانون السير بتسجيل المركبات إلا باسم مواطن لبناني، لكن يكفي تأمين إفادة سكن من أي مختار مع بطاقة هوية لبناني، ويصبح “التوك توك” ملكاً لمن يدفع ثمنه، إذ يوجد في البقاع ما يقارب الـ 1500 “توك توك”، ولم يعد فقط مصدر عيش بل باتت عصابات التشليح تنتقل به، بين القرى البقاعية، ودليفري للحشيش” كما يقول “عمر. م” الذي رفض ذكر اسمه لـ لبنان 24.
في أحد محال معارض السيارات في شتورة، تحتل هذه العربة، مساحة واسعة بسعر 2950 دولاراً، ويتضمن السعر تسجيل المركبة، حيث بعض أبناء البقاع إلى بيع مقتنياتهم المنزلية والاستدانة لشراء هذه العربة كي يعتاشوا منها في بادئ الأمر إلى أن تحول البقاع إلى حالة من الفوضى مع انتشار هذه العربة الصغيرة.
لا يعترف قانون السير اللبناني ب”التوك توك” ولا يسمح أيضاً للدراجات النارية أن تنقل الركاب، لكن هذه الوسيلة تدخل إلى لبنان تحت اسم “الدراجات النارية”، وفي النافعة أيضاً تُسجل تحت اسم “الدراجات النارية” حسبما نشرت منظمة إليازا للسير على صفحتها الرسمية. وباتت هذه الظاهرة ترتبط بشكل مباشر بتغيّر الواقع الاجتماعي والاقتصادي للبنانيين. فهي مصدر عيش مهم بالنسبة لمن يملكها، ووسيلة انتقالهم الوحيدة، في ظل الفقر الذي يعيشونه في المناطق البقاعية.