كتبت صحيفة النهار تقول: لم تكن صورة الدّمار الواسع الذي ألحقته الغارات الإسرائيلية على عيتا الشعب سوى نموذج أرادت من خلاله إسرائيل إقران تهديداتها للبنان و”حزب الله” بمصير مماثل لدمار غزة بفعل تدميري ضد البلدات والقرى الحدودية في جنوب لبنان عند تخوم المواجهة الميدانية المتصاعدة بينها وبين “حزب الله”.
وحتى لو كثّف “حزب الله” هجماته أمس على المواقع والتجمّعات العسكرية الإسرائيلية المواجهة للشريط الحدودي فإنّ الدّلالات السياسيّة والميدانية لرسالة التدمير الواسع الذي طاول عيتا الشعب كما طاول منازل في الرميش لم تنفصل عن التطوّرات السلبية التي أحاطت بالتدهور المستمر عند الجبهة الجنوبية. إذ انّ التصعيد حصل متزامناً مع إخفاق مجلس الأمن في إقرار قرار لوقف النار في غزة، بفعل فيتو أميركي. كما أنّ إيران عاودت التلويح بالأسوأ، مع إشارة وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللّهيان إلى أنّه “ما دامت أميركا تدعم جرائم النظام الصهيوني فهناك احتمال بخروج الوضع عن السيطرة بالمنطقة”. كما أنّ تحرّك الوفد الأمني الفرنسي في بيروت بعد تل أبيب لم يبلور بعد أي مؤشّرات إيجابية ملموسة لجهة الدفع نحو التزام الأطراف المتحاربين تنفيذ القرار 1701 . وكل هذه المعطيات أضفت مزيداً من الظلال القاتمة على مصير الوضع عند الحدود اللبنانية الجنوبية مع إسرائيل بما يبقي المخاوف، بل يزيدها، من ازدياد احتمالات الانزلاق إلى مواجهة حربية واسعة رغم كل الضغوط والتحذيرات الدولية الهادفة إلى تجنيب لبنان هذا الخطر المخيف.
وتزامنت هذه الأجواء مع إطلاق إسرائيل مزيداً من التهديدات كان آخرها لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الذي قال: “سنغير الواقع على الحدود مع لبنان وسنحل المشكلة عسكريّاً إن لم تحل ديبلوماسياً”.
وفي أبرز الوقائع الميدانية تصاعدت المواجهات الميدانيّة العنيفة بين قصف برّي وجوي إسرائيلي لمعظم المناطق الحدودية وبين تكثيف الهجمات الصاروخية لـ”حزب الله” على المواقع الإسرائيلية. وتعرّضت أطراف بلدة كفرشوبا لقصف مدفعي بمعدل قذيفة كل حوالي ربع ساعة وتخلل ذلك تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع على علو منخفض في أجواء منطقة العرقوب قضاء حاصبيا.
وأفيد أنّه تم استهداف عمود الإرسال المثبتة عليه كاميرات المراقبة التابع للقوات الإسرائيلية برشقات نارية من لبنان في خراج بلدة الوزاني، وقصف الجيش الاسرائيلي مدفعيّاً أطراف بلدة الوزاني قضاء مرجعيون. كما أفيد عن قصف إسرائيلي استهدف محيط بلدات طيرحرفا وبليدا.
وكانت بلدة عيتا الشعب تعرّضت لغارة جوية إسرائيلية عنيفة أدّت إلى دمار واسع فيها في ظلّ معلومات عن وقوع إصابات حيث جرت عمليّات البحث عن مفقودين. وبعد الظهر، تجدّد القصف على وادي حامول ورأس الناقورة وطال الفرديس وكفرحمام. وتعرّضت أطراف بلدة بني حيان ومحيبيب للقصف. وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأنّه وعقب دوي صفارات الإنذار في مسكاف عام تم رصد إطلاق عدد من الصواريخ من جنوب لبنان. أيضاً، استهدف الجيش الإسرائيلي منزل المواطن علي عطيه في الخيام، بقذيفة مدفعية خلال قصفه بالقذائف المدفعية على البلدة ليل امس والحق به أضراراً جسيمة.
إلى ذلك أصدر “حزب الله” سلسلة بيانات أعلن فيها تباعاً استهدافه محيط موقع المطلة وموقع رأس الناقورة البحري الإسرائيلي و تجمّعاً للجنود الإسرائيليّين في محيط موقع راميا وموقع السماقة ونقطة انتشار للجنود الإسرائيليين في محيطه ومقرّ قيادة الفرقة 91 في ثكنة برانيت وتجمّع مشاة في محيط رويسة العاصي وموقع رويسات العلم وموقع الحمرا وموقع بركة ريشا وموقع جلّ العلام.
أمّا المشهد السياسي الداخلي فارتفعت حرارته على خلفيّة الاستعدادت الجارية لتمرير الجلسة التشريعية بعدما بات شبه محسوم أنّها ستشهد التصويت على التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون أيّاً تكن الصيغة التي ستعتمد لهذا التمديد . ولذا جرى الحديث عن “استنفار عوني” أمس ضد التمديد المرتقب وذلك عشيّة الجلسة التي ستعقدها هيئة مكتب مجلس النوّاب غداً الاثنين برئاسة الرئيس نبيه بري لوضع الإخراج النّهائي وجدول الأعمال للجلسة التشريعيّة التي سيدعو إليها الرئيس بري ويحدّد موعدها بعد اجتماع هيئة المكتب.
وفي إطار التعبير عن الموقف السلبي من التمديد اعتبر عضو “تكتل لبنان القوي” النائب جورج عطاالله “أنّ القانون، لا غيره هو أساس بناء الأوطان، أمّا الأكثريّات المُجَمَّعة بكلمة سر معروفة من أجل مخالفته فستقضي على ما تبقى. أكثريّات عدديّة قد تنجح بكسر الدّستور والتمديد أو تأخير تسريح قائد الجيش إلّا أنّها لن تنتصر في النهاية على المتمسّكين بالحقّ”.
بدوره، عضو الكتلة نفسها النائب غسان عطالله قال إنه “إذا كان التوافق شاملاً على التمديد لقائد الجيش فليبحثوا عن صيغة قانونية تتيح هذا التمديد، أمّا التيار الوطني الحرّ فهو يعارض التمديد بالمطلق باعتباره تدخّلاً سياسيّاً في المؤسّسة العسكرية وقد طرح حلولاً بديلة للتمديد”، معتبراً أنّ ذلك يمنع ترقيات الرّتب والعمداء. وإذ أشار إلى أنّ المعطيات قد تتبدّل في بحر الأسبوع، قال “كل من يدعم التمديد لقائد الجيش هو نكايةً بجبران باسيل”.
في المقابل، قال النائب الياس جرادي عن التمديد لقائد الجيش: “نحن كنّا مع انتظام المؤسسات وعلينا الحفاظ على قوانين المؤسّسة العسكرية ووصلنا إلى ما وصلنا إليه وأنا لست فقط مع التمديد لقائد الجيش إنّما انتخابه رئيساً للجمهورية لأنّه الوحيد الذي قد يجمع عليه اللبنانيون”. وتابع “سأسعى جاهداً ليس فقط للتمديد له في الجلسة التشريعية إنّما أيضاً تعديل الدستور لانتخابه رئيساً”.
إلى ذلك اعتبر المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى بعد اجتماعه برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان “أنّ مقاومة العدوان الصهيوني تبدأ بالوحدة الوطنية التي تبدأ أساساً بالمؤسّسات الدستورية وفي مقدّمتها مؤسّسة رئاسة الجمهورية”. وجدّد “دعوته إلى وجوب حسم قضية انتخاب رئيس جديد للجمهورية بصفته مؤتمناً على الدستور وعلى وحدة لبنان الوطنية”. كما جدّد “الدعوة إلى تجنيب مؤسّسات الدولة، وخاصّة مؤسّسة الجيش اللّبناني والمؤسسات الأمنيّة الأخرى، من أيّ فراغ في هذه القيادات الأمر الذي ينعكس سلباً على الأمن والاستقرار في الوطن، فالأولويّات الوطنية يجب أن تتقدّم على كلّ المصالح والخلافات السياسية والحسابات الشخصية”.
وفي سياق سياسي آخر أنهى رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل زيارته إلى الولايات المتحدة بندوتين عقدهما بدعوة من “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” و”مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان”.
وألقى الجميل محاضرة حضرها السفير الأميركي السابق في لبنان ديفيد هيل وممثلون عن وسائل الإعلام الغربية ومراكز الأبحاث رسم فيها رئيس الكتائب صورة الوضع في لبنان، شارحاً المخاطر التي يمكن أن يواجهها بعد انتهاء الأعمال العسكرية لاسيّما مع إبقاء قبضة “حزب الله” على البلد ومصادرة قرار السلم والحرب فيه ومنع تطبيق القرارات الدولية التي تثبت الأمن لاسيما 1559 والـ1701 ومنع انتشار الجيش على كامل الحدود اللبنانية لحفظ الأمن. واعتبر أنّ “الدعوات التي أطلقتها “حماس” إلى تشكيل طلائع “طوفان الأقصى” من لبنان وسعيها إلى تجنيد الشباب في هذه الميليشيا الجديدة يشكّل أكبر انتهاك لسيادة لبنان وتحدّ صارخ للشعب اللبناني أعاد إلى ذهنه المآسي التي نتجت عن قيام “فتح لاند” والحروب والمآسي التي خلّفتها ودفع اللبنانيون من حياتهم ثمناً باهظاً للوقوف في وجهها واستعادة بلدهم”، مشدّداً على “ضرورة الوقوف في وجه هذه الممارسات ومواجهتها في لبنان وبمساعدة الدول الصديقة”.
وأكّد أنّ “الطريق الوحيد لخروج لبنان من الدوامة التي يدور فيها هو بإعادة إنتاج شامل للسّلطة واستعادة المؤسّسات وتمتين المؤسّسة العسكريّة لتقوم بكامل دورها في حماية الشعب اللبناني”. وعرض “المساعي التي تقوم بها المعارضة لتوحيد الصفوف والوقوف في وجه الانقلاب الذي يحاول “حزب الله” تنفيذه لإبقاء لبنان رهن مشروع راعيه الإقليمي إيران”.