كتبت “البناء” تقول: الحدث اليوم هو عيد المقاومة والتحرير مع إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وفي الخلفية توتر متصاعد في الخطاب الإسرائيلي وصولاً للتهديد المباشر للبنان والمقاومة على ألسنة قادة الجيش والحكومة.
وهي تهديدات تنقلت وتبدلت لكنها لم تتوقف منذ مناورة المقاومة يوم الأحد الماضي تحت عنوان العبور إلى الداخل الفلسطيني في أي مواجهة مقبلة، ومثلما ينتظر المحتفلون بالتحرير كلام السيد نصرالله ينتظره العالم وقادة الكيان والرأي العام في الكيان، لترتسم معادلة الأيام المقبلة.
بمناسبة عيد المقاومة والتحرير توجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري الى اللبنانيين مهنئاً ومتحدثاً عن الاستحقاق الرئاسي داعياً للحوار والتوافق، مشيراً الى مواصفات الرئيس المنشود، مضيفاً للمرة الأولى ما يتصل بتطبيق إصلاحات الطائف ومنها اللامركزية الإدارية الموسّعة. وهو ما رأت فيه مصادر نيابية فتحاً لباب الحوار مع التيار الوطني الحر، في ضوء فشل مساعي ضم التيار الوطني الحر الى صفوف المعارضة الساعية لمرشح تحدّ ينافس المرشح سليمان فرنجية المدعوم من ثنائي حركة أمل وحزب الله، خصوصاً بعد الكلام الصادر عن نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب عن استحالة التفاهم بين التيار والقوات، وكلام النائب ألان عون عن التمسك بمرشح يوافق عليه ثنائي حركة أمل وحزب الله، وتأكيد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل عن السعي للتوافق وعدم تبني خيار مواجهة أو تحدٍّ في الانتخابات الرئاسية.
في قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كان التطور البارز مثوله أمام القضاء، بعدما أبلغ القضاء اللبناني الى القضاء الفرنسي أنه لم يعثر على سلامة لإبلاغه مذكرة الاستدعاء للحضور أمام القضاء الفرنسي، وكما كان متوقعاً تم سحب جوازي سفر سلامة، اللبناني والفرنسي وأبلغ بمنعه من السفر، بما يحقق ما طلبه سلامة من حجبه عن القضاء الفرنسي، وتكامل الموقف القضائي بحق سلامة مع قرار فصل القاضية غادة عون، وما قررته الحكومة من استحالة عزل سلامة وتمكينه من البقاء في منصبه حتى نهاية ولايته على الأقل!
وضع القضاء اللبناني يده على ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقد مثل أمام قاضٍ لبناني للمرة الأولى، وعلمت «البناء» أن مساراً قضائياً لبنانياً موازياً قد فتح بموازاة المسار القضائي الأوروبي وهناك قرار سياسي – قضائي باسترداد ملف سلامة من القضاء الفرنسي ووضع يده على تفاصيله.
وأشارت أوساط مطلعة لـ»البناء» الى أن القضاء اللبناني وضع الملف في عهدته انطلاقاً من المعاهدات الدولية، وحتى لو تم توقيف سلامة في إحدى الدول الأوروبية فيعود للقضاء اللبناني استرداده الى لبنان ومحاكمته وفق الأصول القانونية اللبنانية.
ولفتت الأوساط أن الاجتماع الوزاري التشاوري في السرايا الحكومية «لم يخرج بحل أو مخرج في قضية الحاكم، بل انقسم الوزراء على مقاربته، لكن لم يطرح أحد مسألة إقالة سلامة بشكل جدي لغياب التوافق على ذلك وعدم توافر ثلثي مجلس الوزراء والعجز عن الاتفاق على بديل، فإذا حصلت الإقالة فيجب إجراء التعيين في الجلسة نفسها، إذ لا يمكن ترك منصب الحاكمية للفراغ ما يؤثر على استقرار الأوضاع الاقتصادية والنقدية ويزيد من وطأة الانهيار، لكون مصرف لبنان على تماس مع كافة مفاصل الدولة المالية والاقتصادية والاجتماعية»، كاشفة عن قرار «باستمرار الحاكم في ولايته حتى نهايتها وبعدها يصار الى تطبيق قانون النقد والتسليف الذي ينص بوضوح على تسلّم النائب الأول للحاكم بالوكالة هذا المنصب».
وكما كان متوقعاً استمع المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان إلى إفادة حاكم مصرف لبنان في قصر العدل في بيروت وحجز جوازي سفره الفرنسي واللبناني وتركه رهن التحقيق بعد جلسة استمرت ساعة وعشرين دقيقة. وأفيد أن سلامة أجاب عن كل أسئلة قبلان، معتبراً أن مذكرة التوقيف في حقه غير قانونية.
واجتمع القنصل الألماني أمس، بالنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات ووضعه في صورة مذكرة التوقيف الألمانية الصادرة بحق سلامة. في المقابل، قال سلامة لـ»الحدث»: «لم أُبلّغ بصدور مذكرة توقيف ألمانية بحقي».
في موازاة ذلك، تقدّم وكلاء الحاكم سلامة القانونيون في فرنسا بطعن أمام القضاء الفرنسي لاسترداد مذكرة التوقيف الفرنسية المعمّمة عبر النشرة الحمراء.
وطلب سلامة من القضاء اللبناني عدم تسليمه الى القضاء الفرنسي ومحاكمته في لبنان.
وأفادت مصادر إعلامية أن «سلامة صرح أن راتبه الشهري كان 150 ألف دولار قبل أن يكون حاكماً للمركزي»، كاشفةً أنه «نفى كل ما نسب إليه من القضاء الفرنسي وتمسك بما قاله خلال التحقيقات السابقة ولم يتم الحديث عن المذكرة الألمانية».
ولفتت مصادر قانونية مواكبة للملف لـ»البناء» الى أن القضاء الأوروبي والفرنسي مستمرّ بمتابعة الملف وسيصل فيه حتى النهاية رغم كل العوائق القانونية والسياسية التي تحيط بالملف لا سيما في لبنان، وصحيح أن ملفات الفساد المتهم فيها سلامة تقع في لبنان، لكن جزءاً من هذا الفساد تم في دول أوروبية عدة كتبييض الأموال أي أن مصدر هذه الأموال التي أتى بها سلامة بطريقة غير مشروعة وتم إدخالها الى دول أوروبية ودمجها في النظام المصرفي لهذه الدول أيضاً بطريقة غير قانونية».
ولفتت المصادر إلى أن «القاضية الفرنسية أود بوروزي التي ادعت على سلامة ستكمل عملها القانوني حتى نهاية ولايتها وإحالتها الى التقاعد، لكن سيُصار الى تعيين قاضٍ مكانها سيكون أكثر دقة وتشدداً»، وردت على الذين يتهمون القضاء الفرنسي بتسييس الملف لأهداف سياسية واقتصادية في لبنان، بأنه إذا كانت فرنسا تستغل الملف فماذا عن القضاء الألماني والإيطالي وغيرهم؟
وعلمت «البناء» أن السلطات السويسرية ستنضم الى فرنسا وألمانيا بالإدعاء على رياض سلامة وإصدار مذكرة توقيف بحقه خلال أيام قليلة. كما علمت بوجود خلاف أميركي – فرنسي في لبنان وتحديداً في ملف سلامة بسبب خلفيات وأسباب عدة أبرزها التنافس والصراع على تعيين حاكم للبنك المركزي، فالأميركيون يريدون الوزير السابق كميل أبو سليمان، فيما يسعى الفرنسيون الى تعيين سمير عساف.
وحمّلت الهيئة السياسية في التيار الوطني الحر بعد اجتماعها الدوري برئاسة النائب جبران باسيل، كلاًّ من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والسيد رياض سلامة مسؤولية تصنيف لبنان في المنطقة الرمادية على لائحة fatf gafi بما تعنيه من مخاطر وضع لبنان خارج النظام المصرفي العالمي نتيجة إصرار رياض سلامة، على الاستمرار في موقعه رغم صدور مذكرات توقيف بحقه».
في المقابل رد المكتب الإعلامي لميقاتي قائلاً: «إن القانون ينص على إجراءات لمعالجة قضية حاكم مصرف لبنان، فليتفضل التيار وعبر وزيره الناطق بالعدل أن يعطينا رأياً قانوناً يسمح باتخاذ التدابير المناسبة بحق حاكم مصرف لبنان خلافاً لما أدلى به في اللقاء التشاوري الأخير بدل أن يكتفي «التيار» ببيانات إنشائية وقنابل إعلامية دخانية لا مفعول لها سوى محاولة ذر الرماد في العيون».
بدوره، رد وزير العدل على ميقاتي مشدداً، على أن «يصدر عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ما نسبه إلينا في بيانه اليوم لكون ما قيل لا يمت إلى الحقيقة بصلة، وللتذكير يهمنا التأكيد أننا، وفي مسيرة تاريخنا القضائي، لم نمتهن سوى الحق والعدل.
كما أن ما قلناه في اللقاء التشاوري بشهادة الوزراء الحاضرين لم يتبدّل بتاتاً خارجاً، قولاً وتصريحاً متمسكين بكل ما صدر عنا قانوناً وملاءمة. فاقتضى التصويب».
في غضون ذلك، لم يسجل الملف الرئاسي أي جديد بانتظار حصيلة المشاورات الدائرة في فرنسا بين المسؤول السعودي الموجود في باريس والمرجح أن يكون المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا ومستشار الرئاسي الفرنسية باتريك دوريل، وسط أجواء إيجابية تظلل هذه المباحثات ووصلت أصداؤها الى بيروت عبر قنوات سياسية وديبلوماسية وفق ما علمت «البناء»، ولفتت الأجواء السياسية الى أن رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لا يزال المتقدم على لائحة المرشحين بعد فشل القوى المعارضة والتيار الوطني الحر بالاتفاق على مرشح أو مرشحين توافقيين.
وعكست أجواء عين التينة لـ»البناء» أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لن يدعو الى جلسة قبل توفر ظروف انعقادها لا سيما اتفاق المعارضة على مرشح أو أكثر وتأمين نصاب الثلثين وإلا فسيتكرر مشهد الـ11 جلسة.
وشدّد الرئيس بري في بيان على أنه «خلافاً لما يروج له البعض تضليلاً للرأي العام نؤكد من موقعنا السياسي والجماهيري والتشريعي بأن أبواب المجلس النيابي أبداً هي ليست موصدة لا أمام التشريع ولا أمام إنجاز الاستحقاق الرئاسي والذي نأمل أن يكون موعد إنجازه اليوم قبل الغد، وذلك رهن بتوافر الإرادات الصادقة بأن تبادر كافة الكتل النيابية والنواب المستقلون الى توفير مناخات التوافق فيما بينها وإزالة العوائق التي تحول دون انتخاب رئيس للجمهورية يعبر عن إرادة اللبنانيين يجمع ولا يفرّق، رئيس يؤمن بلبنان الوطن النهائي لجميع أبنائه، رئيس ملتزم اتفاق الطائف وتنفيذ ما لم يطبّق منه من بنود إصلاحية وفي مقدمتها اللامركزية الإدارية الموسعة وبإقرار استقلالية القضاء ومكافحة الفساد، رئيس للجمهورية قادر على إعادة الثقة لعلاقات لبنان بأشقائه العرب.
رئيس للجمهورية لديه القدرة على بناء حوار جاد ومثمر مع الشقيقة سورية لحل مسألة النازحين وإعادتهم الى بلدهم وإنجاز ترسيم الحدود بين البلدين الشقيقين.
رئيس قادر على تبديد هواجس جميع اللبنانيين بكل ما يتصل بحياة الدولة وأدوارها في الحماية والرعاية الاجتماعية والاقتصادية وطمأنتهم حيال ودائعهم في المصارف. رئيس يرفض أي شكل من أشكال التوطين. رئيس يؤمن بأن إسرائيل هي العدو الأساس للبنان وهي نقيض له في الموقع والدور والرسالة».
بدورها، دعت كتلة الوفاء للمقاومة في ذكرى التحرير إلى «حسن الاستفادة وملاقاة الاستدارة الإيجابية التي تشهدها المنطقة، وتؤكد وجوب اقتران المواقف بالأفعال والترتيبات التي تثبت الصدقية وتعزز فرص التفاعل الإيجابي المطلوب». كما دعت «كل المعنيين في لبنان إلى المسارعة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي والتفاهم الوطني الذي يؤدي إلى انتخاب الرئيس المؤهل في هذه المرحلة بالذات لتوظيف الظروف والتطورات الجارية من حولنا، لمصلحة لبنان وتثبيت استقراره وإعادة بناء دولته ومؤسساتها واستنهاض الوضع الاقتصادي المتردي والمأزوم».
من جهته، أوضح رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أن «التحالف مع حزب الله أصبح في مرحلة مختلفة»، لافتاً إلى أن «وضع البلد يحتاج الى الخروج من التموضعات الحالية لإعادة بناء لبنان».
وأكد في تصريح أن «هناك مساعي لتوطين النازحين السوريين في لبنان وقد أعلن عنها أصحابها، ولذلك لم تعُد فقط قصة خوف أو توجس بل قضية خطر قائم بوجوده الفعلي وممارسة أفعال مثل الدفع للنازحين بالدولار والمطالبة بأوراق ثبوتية للنازحين مقابل إعطاء سجلاتهم، كل هذا يظهر أنه ليس هناك فقط نية بل عمل تنفيذي لإبقائهم في لبنان».
وشدّد باسيل على أن «عودة سورية إلى الجامعة العربية بحد ذاتها مؤشر إيجابي لمكان سورية الطبيعي واستفادة لبنان وتأثره إيجابيًا من هذا الأمر، ولكن من الممكن أن تكون بداية مسار تحرص فيه الدول العربية على استقرار سورية وعلى استقرارها هي، ومنها لبنان والعراق والأردن بالحد الأدنى، وهذه الدول الثلاث وسورية إذا لم تكن مستقرة فالخليج لن يكون مستقرًاً، وبالتالي هذه مصلحة خليجية إضافية للاهتمام بهذا الملف وطبعًا مصر في قلب هذه المعادلة».
واضاف باسيل أن «هذه الدول إذا اجتمعت وقررت القيام بمعالجة ملف سورية والوضع في سورية من خلفية الاستقرار في سورية وإعادة وضعها في مكانها الطبيعي، فيحتم معالجة ملف النازحين، وهذا الملف يعالج تدريجياً بمجرد أن تتعافى سورية وتبدأ بإعادة الإعمار».
على صعيد آخر، أكد عضو تكتل لبنان القوي ورئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، في تصريح له من مجلس النواب بعد الجلسة الفرعية للصندوق السيادي للنفط والغاز، أنه «اقرينا الفصول المتعلقة بالقانون والنقاش سيتسمر حول الحوكمة والمرجعية الدستورية مع تأكيد الحيادية والشفافية والاستقلالية عن اي ارتباط مباشر بالسلطة السياسية».
وكشف كنعان أنه «سننهي النقاش وفق صيغة نهائية قابلة للإقرار الأربعاء المقبل لنرفع التقرير النهائي الى لجنة المال، خصوصاً أن الأمر حيوي واستراتيجي وبارقة أمل في النفق المظلم».