كتبت صحيفة “الجمهورية”: تستمر المواجهات بين المقاومة واسرائيل على الجبهة الجنوبية تعنف حيناً وتخفّ احياناً، في الوقت الذي تواصل الدولة العبرية حربها التدميرية لقطاع غزة، سعياً لتحقيق “نصر” يعيد لها هيبتها التي دمّرها “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الماضي، فيما تتكبّد الخسائر اليومية الفادحة، على وقع تعاظم الاستنكار الدولي لعدوانها ولما زالت ترتكبه من مجازر يومية في حق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، ضاربةً عرض الحائط حتى بقرار مجلس الأمن الدولي بالهدن الإنسانية الممتدة.
على وقع استمرار حرب غزة وفشل اسرائيل في تحقيق اي من اهدافها التي حدّدتها غداة عملية “طوفان الأقصى”، ومع استمرار الجبهة الجنوبية اللبنانية على وتيرتها من المواجهات بين المقاومة وقوات الاحتلال الاسرائيلي من مزارع شبعا وحتى رأس الناقورة، تواصلت الدعوات الى عدم توسيع نطاق الحرب في اتجاه لبنان.
وفي هذا السياق، أعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا أنّها “حذّرت بشدة” نظيرها الإيراني حسين أمير عبداللهيان، الذي التقته امس في جنيف “من أي تصعيد أو توسيع للنزاع” الإسرائيلي ـ الفلسطيني، خصوصاً في لبنان.
وقالت كولونا على منصّة “إكس”: “مقابلة اليوم (أمس) مع نظيري الإيراني في شكل تحذير: توسيع النزاع الدائر في غزة لن يفيد أحداً، وستتحمّل إيران مسؤولية كبيرة”.
وقالت الخارجية الفرنسية في بيان، إنّ اللقاء عُقد في جنيف بناءً على طلب من الوزير الإيراني. وأضافت أنّ “الوزيرة ذكّرت بضرورة أن يدين الجميع بأكبر مقدار من الحزم الهجمات الإرهابية التي تنفّذها “حماس” ضدّ إسرائيل وسكانها”، مشدّدة على أنّه لا يمكن أن يكون هناك “أي لبس حول هذا الموضوع”. وأكّدت كولونا على أنّ “أعمال ترهيب” المدنيين “غير مبرّرة وغير مقبولة”.
كذلك، أكّدت مجدداً “تمّسك فرنسا في حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وعن سكانها، ولكن “بطريقة محدّدة الهدف ومتناسبة، وفقاً للقانون الإنساني الدولي”. ودعت كولونا طهران أيضاً إلى إطلاق سراح المواطنين الفرنسيين الأربعة الذين “ما زالوا محتجزين تعسفياً في إيران ووضعهم مقلق للغاية”.
في باب المندب
وفي سياق متصل بالأحداث في قطاع غزة، نفى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أن “يكون لإيران أي يد في الهجوم بمسيّرة الذي استهدف مدمّرة أميركية في البحر الأحمر”.
وكانت قناة “الجزيرة” القطرية نقلت أمس عن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قوله إنّ “المدمّرة “توماس هاندر” دافعت عن نفسها بنجاح ضدّ مسيّرة خلال عبورها البحر الأحمر”. ولفت إلى أنّ “المسيّرة انطلقت من اليمن واقتربت كثيرًا من المدمّرة هادنر قرب مضيق باب المندب”.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤولين أميركيين، أنّ “البحرية الأميركية أسقطت طائرة مسيّرة من اليمن في وقت سابق اليوم (أمس) في البحر الأحمر”. فيما أعلن عضو المجلس السياسي الأعلى في اليمن التابع لحركة “أنصار الله” محمد علي الحوثي، أنّ “الجيش اليمني سيحتفظ بحق الردّ على تدمير طائرته المسيّرة التي اعلنت أميركا تدميرها”.
وفي سياق متصل، نقل موقع “أكسيوس”، أنّ “قائد القيادة المركزية الأميركية مايكل إريك كوريلا سيزور إسرائيل، مع اشتداد القتال على الحدود مع لبنان”.
وكان كوريلا المشرف على القوات الأميركية في الشرق الأوسط، قد زار إسرائيل الشهر الماضي في زيارة غير معلنة، آملاً في “ضمان حصول الجيش الإسرائيلي على ما يحتاجه في الوقت الذي يخوض فيه حرباً متصاعدة ضدّ حماس”. واعتبر الجيش الإسرائيلي يومها أنّ “زيارة كوريلا خلال الحرب، تؤكّد قوة الارتباط والمصير المشترك للدولتين عموماً، وللجيش الإسرائيلي مع جيش الولايات المتحدة خصوصاً”.
قاآني والضيف
في غضون ذلك، وجّه قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الايراني الجنرال إسماعيل قاآني رسالة إلى القائد العام لـ”كتائب عز الدين القسام” ـ الجناح العسكري لحركة “حماس” محمد الضيف، اشاد فيها بعملية “طوفان الاقصى”، مؤكّداً له “أثبتم بشكل عملي وحاسم أنّ هذا الكيان أوهن من بيت العنكبوت”.
وقال: “إنّ العمليات البرية التي بدأها العدو والضربات المتتالية التي وجّهتها المقاومة لقواته ومدرعاته أثبتت للجميع أنّ المقاومة في غزة قادرة على المبادرة والابتكار، مع الحفاظ على تنظيمها وقدرتها الميدانية”.
واضاف: “فلتكونوا على ثقة بأنّ إخوانكم الملتحمين معكم في محور القدس والمقاومة ومعهم كل شرفاء الأمّة وأحرار العالم، لن يسمحوا لهذا العدو المتوحش ومن يقف خلفه بالاستفراد بغزة وأهلها الأبطال الصامدين، ولن يمكّنوه من الوصول إلى أهدافه القذرة على مستوى غزة وفلسطين”.
وختم: “إننا نؤكّد العهد والميثاق والالتزام الإيماني والأخوي الذي يجمعنا، ونطمئنكم بأننا وضمن استمرارنا في الحماية والدعم المؤثرين للمقاومة، سنقوم بكل ما يجب علينا في هذه المعركة التاريخية”.
في المانيا
نفّذت الشرطة الألمانية في سبع مناطق من البلاد، عمليات تفتيش واسعة استهدفت جمعية يشتبه في ارتباطها بـ”حزب الله” اللبناني.
وقالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر: “في الوقت الذي يشعر العديد من اليهود بالتهديد، لن تتسامح ألمانيا مع الدعاية الإسلامية أو التحريض المعادي للسامية والمعادي لإسرائيل”، كاشفة عن أنّ “عمليات التفتيش استهدفت المركز الإسلامي في هامبورغ وخمس مجموعات تابعة له”.
الحملة الديبلوماسية
وفي إطار الحملة الديبلوماسية التي يخوضها لبنان، تابع وزير الخارجية عبدالله بوحبيب أمس الاتصالات الجارية تحضيراً لمتابعة الشكاوى التي رفعها لبنان امام مجلس الامن الدولي، عقب العدوان الاسرائيلي الذي استهدف الفريق الاعلامي في بلدة يارون قبل يومين، بعد الشكاوى السابقة التي رُفعت إثر الإعتداء الأول قبل شهر واستشهاد المصور عصام العبدالله والغارة التي استهدفت الجدة وحفيداتها الثلاث في بلدة عيناتا الجنوبية قبل فترة، وذلك وسط تجاوب دولي مع الشكاوى اللبنانية.
مبادرات ومقرّرات
وحضرت الاتصالات الجارية لاستكمال تنفيذ مقرّرات القمة المشتركة العربية ـ الإسلامية في الرياض نهاية الأسبوع الماضي أمس، مع السفير القطري في بيروت الشيخ سعود بن عبد الرحمن بن فيصل ثاني آل ثاني، وما تقوم به دولته من مبادرات متواصلة تتصل بمصير العدوان على قطاع غزة والمساعي المبذولة لترتيب وقف للنار يواكب عملية التبادل المطروحة بين النساء والأطفال الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية ومثيلاتها في السجون الإسرائيلية.
وقالت مصادر ديبلوماسية لـ”الجمهورية”، انّ الاتصالات مستمرة لتذليل بعض العقبات، خصوصاً لجهة الوقت الكافي لتأمين انتقال الرهائن والأسرى لدى “حماس” بطريقة لا تضمن وصول الجانب الإسرائيلي لمعرفة الأمكنة التي كانوا محتجزين فيها، مخافة الوصول الى آخرين يمكن ان تجنّد لهم اسرائيل حملة عسكرية، فيُقتلون فيها كما حصل امس، حيث تبين انّ أحد الرهائن قُتل في العمليات العسكرية الاسرائيلية في الجهة الساحلية من غزة لجهة البحر وعلى مقربة من أحد مستشفيات المنطقة التي استُهدفت بالقصف.
وقال بو حبيب بعد لقائه سفير قطر لدى لبنان، إنّ “قرار مجلس الأمن الدولي بهدنة انسانية مؤقتة خطوة ضرورية، ولكن غير كافية في الطريق الصحيح، للوصول الى وقف إطلاق نار وإنهاء العدوان”. وتوقف عند ما يجري في القطاع، معتبرًا أنّ “العالم مدعو اليوم لوقف احتقار إسرائيل للقانون الدولي الإنساني باعتداءاتها على المستشفيات في غزة، لا سيما الميداني الاردني والشفاء، والطواقم الطبية، والمرضى، والأطفال حديثي الولادة، وتعريض حياتهم جميعاً للخطر”.
مصير لودريان
وفي إطار الاتصالات الديبلوماسية ببكركي بعد عودة البطريرك الراعي من الفاتيكان، يلتقي اليوم ممثلة الاتحاد الأوروبي السفيرة Sandra De Wale، فالسفير الفرنسي في بيروت، حيث من المقرّر ان يستكمل البحث في ما انتهت إليه الاتصالات الفرنسية من اجل تسهيل انجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان في ظلّ ما عكسته “حرب غزة” من جمود على هذا المستوى، وخصوصاً لجهة توقف حراك الموفد الرئاسي الفرنسي الى لبنان جان ايف لودريان، الذي يواصل اتصالاته في انتظار جلاء الأجواء الاقليمية والدولية.
حركة جدّية
في الوقت الذي أشارت أوساط كنسية الى ضرورة عدم الاستسلام لحالة الانتظار للتطورات الخارجية الخطيرة الحاصلة وتداعياتها على الساحة اللبنانية، لما يمكن ان يشكّله هذا الانتظار من مزيد من التضعضع المؤسساتي والاقتصادي والنقدي، علمت “الجمهورية” أنّ وجهات النظر كانت متطابقة بين البطريرك الماروني والنائب ابراهيم كنعان، الذي زاره في بكركي أمس، للعمل على إنتاج حركة جدّية في الملف الرئاسي تُحدث خرقاً في جدار الجمود القائم.
وشمل هذا التلاقي في الموقف مقاربة الملف المالي، لاسيما موازنة 2024 والضرائب الكارثية التي تضمّنها المشروع في صيغته الحكومية، ما يستدعي العمل على مواجهتها في المجلس النيابي للخروج بصيغة تؤمّن الايرادات المطلوبة، ولكنها لا تأتي على حساب المواطن الذي يعاني من الانهيارات المالية والنقدية والاقتصادية المتراكمة.
وكان كنعان زار الراعي وقال بعد اللقاء، إنّ “لا احد راغب في لبنان بالدخول بدوامة الحرب. وما يحصل يستدعي أكثر من أي وقت مضى وحدة وطنية وانتخاب رئيس، لأنّ لبنان بكامل مؤسساته مشلول ولم يعد يحتمل”، وشدّد على أنّ “الحل كما قال البطريرك منذ اللحظة الأولى وقبل انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون، يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية. وأؤكّد في هذا السياق ضرورة الحضور الى مجلس النواب وانتخاب رئيس”، وسأل: “هل يعرف من يبقينا في الفراغ القاتل الذي يتمدّد الى الحكومة ومجلس النواب وسائر المؤسسات، انّ ذلك يشكّل الغاءً للبنان ومقومات الدولة فيه، ويبعده عن طاولة القرار وأن يكون للبنان دور في تقرير مصيره في ظل التطورات الخطيرة التي نعيشها؟”.
الاستحقاق العسكري
وإلى ذلك، في زمن البحث في مصير الاستحقاق العسكري، الذي تتعدّد الطروحات في شأنه بين تأخير تسريح قائد الجيش العماد جوزف عون الذي تنتهي ولايته في العاشر من كانون الثاني المقبل، وتعيين قائد جديد وما بينهما، كان اللافت امس زيارة سفيرة الولايات المتحدة الاميركية دوروثي شيا على رأس وفد من السفارة لوزير الدفاع الوطني موريس سليم في مكتبه في اليرزة. وأفادت المعلومات الرسمية انّه تمّ خلال اللقاء “عرض للأوضاع العامة في البلاد ولشؤون المؤسسة العسكرية والدعم الذي تقدّمه الولايات المتحدة الأميركية”.
ومعلوم انّ الولايات المتحدة تؤيّد تمديد ولاية قائد الجيش. وقد عبّر الموفد الاميركي عاموس هوكشتاين عن هذا الموقف الاميركي للمسؤولين اللبنانيين خلال زياراته الاخيرة للبنان، لكنه لم يحصل على اي ردّ قاطع لا ايجاباً ولا سلباً.
تصفية حسابات
ولم يتطرّق مجلس الوزراء الذي انعقد في جلسة امس الى الاستحقاق العسكري لا من قريب ولا من بعيد. ولكن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قال خلال الجلسة، “إنّ اي قرار سنتخذه بالنسبة لأي استحقاق داهم سيكون منطلقه بالدرجة الاولى مصلحة الوطن واولوية تحصين المؤسسات في هذه المرحلة الدقيقة. وحتماً لن تكون الحكومة ساحة يستخدمها من يريد تصفية حسابات شخصية ومنازعات فردية على حساب المصلحة العامة”.
وأضاف: “يحاول البعض إدخال الحكومة مجدداً في نقاشات ظاهرها دستوري وسياسي وباطنها تعطيلي استئثاري. لكننا عازمون على المضي في عملنا، مبتعدين عن السجالات العقيمة التي ملّها اللبنانيون، مؤكّدين أنّ الحكومة تعمل وفق ما تراه مناسباً وليس وفق أجندات يحاول البعض فرضها على استحقاقات اساسية في هذه المرحلة المفصلية”.
وكرّر ميقاتي التشديد على “ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت، ليكتمل عقد المؤسسات، ونعمل سويةً لإعادة لبنان اقوى واكثر مناعة”، لافتًا إلى أنّه “لقد تأكّد لي من خلال لقاءاتي الدولية حرص الكل على لبنان. لبناننا حاجة عربية وضرورة حضارية، ومن واجبنا ان نحمي وطننا بالوحدة والابتعاد عن التشرذم”.