على الرغم من الحديث المتزايد عن هدنة انسانية موقتة، فقد بات من الصعب اللحاق بالتطورات الميدانية المتسارعة لحرب الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة، أو تقدير التطورات التي ستبلغها.
إنّ احتمال توسّع هذه الحرب إلى ساحات وجبهات اخرى أبعد من الميدان الغزّي بات مرتفعا جدّا، وكان لافتا في هذا السياق ما اعلنه وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبداللهيان من انه «بالنظر الى تزايد حدّة الحرب في غزة اصبح توسيعها أمراً لا مفر منه».
واذا كان موقف عبداللهيان يُنذر بأن وضع المنطقة يقترب من الانفجار، فإنه يتقاطع مع مؤشرات تعزز هذا الاحتمال، تمتد من اليمن والدخول المتزايد للحوثيين على خط الحرب واستهداف اسرائيل بالمسيرات والصواريخ الباليستية، وهو الأمر الذي شغل المستويات السياسيّة والعسكريّة الاسرائيليّة.
ولقد كشفَ الاعلام الاسرائيلي انها بدأت ببحث خطط لمواجهة ما سمّاه «هذا التطور الخطير، خصوصا انّ الضربة في ايلات تثير القلق الكبير». وصولاً الى ما تسميها اسرائيل جبهتها الشمالية، حيث باتت منطقة الحدود الجنوبية للبنان، في حالة حرب فعلية، خصوصا انّ تطورات الساعات الاخيرة وعنف العمليات العسكرية ضد مواقع الجيش الاسرائيلي، وكذلك اتساع رقعة القصف الاسرائيلي وتخطي منطقة جنوبي الليطاني الى شماله، بَدا جلياً انها تجاوزت ما تسمّى ضوابط وقواعد اشتباك وتنذر بانفجار واسع. وذلك بالتوازي مع اصوات بدأت تتعالى داخل اسرائيل وتدعو الى رفع وتيرة التصعيد مع لبنان، وتبرز في هذا السياق، مطالبة عضو الكنيست الاسرائيلي افيغدور ليبرمان في تغريدة على حسابه على منصة «اكس»، للجيش الاسرائيلي بتوجيه ضربة حاسمة لـ«حزب الله»، بدعوى عدم تكرار ما جرى في جنوب إسرائيل، من عملية «طوفان الأقصى» شمالي البلاد». وشدد على «ضرورة انتقال اسرائيل من سياسة المهادنة إلى سياسة الحسم مع «حزب الله»، مجددا مطالبته رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو بإبعاد عناصر وقوات «حزب الله» إلى ما وراء نهر الليطاني».
خطاب نصرالله!
واذا كان الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله قد تجنّب في خطابه السابق الاسبوع الماضي إعلان الإنخراط الواسع في هذه الحرب، وترك الباب مفتوحاً على كلّ الإحتمالات والخيارات، إلّا أنّ الانظار مشدودة الى ما سيقوله في خطابه المنتظر في احتفال «يوم شهيد حزب الله» بعد ظهر اليوم، خصوصا أنّ فترة الايام القليلة الفاصلة بين الخطابين شهدت تدحرجاً كبيراً لكرة النّار الإسرائيليّة في قطاع غزة، بالتوازي مع اشتداد وتيرة العمليّات والمواجهات العسكريّة على الحدود الجنوبية.
وفيما أحيط خطاب نصرالله بتكهنات أدرَجته في «خانة التصعيد ربطاً بالتطورات المتصاعدة في كل الساحات وصولا الى الجبهة الجنوبية»، قالت مصادر «حزب الله» لـ«الجمهورية»: انّ خطاب الامين العام هو استكمال لخطابه الاسبوع الماضي، مع تطوير اكيد في ما خَصّ قواعد الاشتباك لناحية توسيعها، لا سيما بعد العدوان الاسرائيلي الاخير (امس الاول) في حمص، والذي أدّى الى سقوط سبعة شهداء للحزب. (وقد نعى الحزب «سبعة شهداء من «المقاومة الاسلامية» ارتقوا على طريق القدس» وهم: علي خليل العلي «خضر» من بلدة مليخ في جنوب لبنان، محمد علي عباس عساف «جواد» من بلدة بوداي في البقاع، عبد اللطيف حسن سويدان «صافي» من بلدة ياطر في جنوب لبنان، محمد قاسم طليس «أبو علي» من بلدة بريتال في البقاع، جواد مهدي هاشم «أبو صالح» من بلدة الخيام في جنوب لبنان، جعفر علي سرحان «مهران» من بلدة مشغرة في البقاع وقاسم محمد عواضة «ملاك غانم» من بلدة جويا في جنوب لبنان).
وفي جانب آخر من الخطاب، اشارت المصادر الى انّ السيد نصرالله قد يلاقي ما قد يصدر عن القمة العربية المقرر عقدها في السعودية (اليوم) لجهة ادانة حرب الابادة الجماعية التي تشنها اسرائيل على قطاع غزة، وكذلك لجهة الدعوة الى الوقف الفوري لاطلاق النار، ووقف المجازر التي ترتكبها اسرائيل في القطاع ورفض التشريد الجماعي لأهلها».
وعلى ما يؤكّد مطلعون على موقف «حزب الله» فإنّ جبهة الجنوب اللبناني ستبقى في حالة استنزاف تحت سقف الحرب الواسعة، طالما انّ العدوان الاسرائيلي مستمر على قطاع غزّة، الا انّ تطوّر الامور فيها لتتدرّج نحو مواجهات اكبر مما هي عليه الآن، مَرهون بأمرين: الأول محاولة القضاء على المقاومة الفلسطينية، والثاني أن يبادر العدو الى هجوم كبير على لبنان.
إتصالات للإحتواء
وإزاء تصاعد الوضع على الحدود الجنوبية، سجّلت حركة اتّصالات مكثّفة في الساعات الاخيرة لاحتواء التدهور ومنع انزلاقه اكثر. واعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أننا «مَرّرنا رسائل لإيران وللبنان حتى لا ينزلق الأخير نحو الصراع».
وعلمت «الجمهورية» انّ قنوات الإتصال بقيت مفتوحة حتّى ساعة متقدمة من الليل، وحمل بعضها تأكيدا اميركيا متجددا على تجنب تصعيد المواجهات على الحدود الجنوبية.
وكشفت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية» انّ قيادة قوات اليونيفيل العاملة في الجنوب اللبناني كثفت في السّاعات الاخيرة اتصالاتها مع الجانبين اللبناني والإسرائيلي مشدّدة على ضبط النّفس ومؤكدة على مسؤولية كل الاطراف في خَلق مناخات تُجنّب منطقة الحدود خطر الانزلاق الى مواجهات».
وبحسب المصادر فإنّ ضابطا كبيرا في «اليونيفيل» أبلغ نواباً من لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب التقوا به نهار امس، مَخاوفه من التوترات المتزايدة على حدود لبنان الجنوبية، التي تبدو أنها ساحة حرب.
وأكد الضابط عينه انّ هذه التطورات توجِب على كل الاطراف احترام القرار 1701، وقال ما مفاده «انه نظر بارتياح لخطاب امين عام «حزب الله» (لجهة عدم التصعيد وتوسيع الحرب)، ونحن مرتاحون للتعاون الوثيق والتنسيق مع الجيش اللبناني، لكن الوضع بشكل عام على جانبي الحدود دقيق جداً وتعتريه مخاطر مشهودة، وباتت المواجهات تتوسّع على نحوٍ لا يبعث على الاطمئنان، ونحن نتواصل مع كل الاطراف لمنع أيّ احتكاكات من شأنها أن تخلق واقعاً تصعب السيطرة عليه».
مؤشراتٌ مقلقة
وفي سياق متصل، وزّع مكتب الامم المتحدة في بيروت بيان منسّق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في لبنان، عمران ريزا، لاحظَ فيه «مؤشرات مقلقة حول تصاعد حدّة التوتر، مع تزايد الأعمال العدائية على طول الخط الأزرق». وقال: في الآونة الأخيرة، شهدنا هجمات مثيرة للقلق أسفَرت عن مقتل وإصابة مدنيين في جنوب لبنان، من ضمنهم نساء وأطفال وطواقم إعلامية. كما لحقت أضرار جسيمة بالممتلكات الخاصة والبنى التحتية العامة والأراضي الزراعية، ما أجبَرَ أكثر من 25 ألف شخص على النزوح. ويُخاطر المزارعون المحليون بحياتهم من أجل حصد الزيتون والتبغ، وهي محاصيل ضرورية تضمن استدامة سُبل عيشهم ودخلهم».
وشدّد على «جميع الأطراف بأنه يجب عليهم الالتزام الصارم بالقانون الإنساني الدولي أثناء تنفيذ العمليات العسكرية. ويجب حماية المدنيين، بمَن فيهم العاملون في المجال الإنساني والطبي، أينما كانوا. ويجب حماية الأعيان المدنية، بما في ذلك المنازل والأراضي الزراعية والمستشفيات. وفي ظل هذه الظروف القاتمة، أكرر الالتزام الراسخ للأمم المتحدة في لبنان بالبقاء ومواصلة تقديم الإغاثة والحماية للمدنيين المحتاجين، أينما كانوا». وختم ريزا داعياً جميع الأطراف إلى «ممارسة ضبط النفس وتجنّب المزيد من التصعيد، وقطعاً، تجنب إلحاق المزيد من المعاناة بالمدنيين».
مخاوف من التصعيد
الى ذلك، علمت «الجمهورية» انّ جهات ديبلوماسية غربية نقلت الى مسؤولين لبنانيين مخاوفها من توسّع رقعة الحرب. وشدّدت على إبقاء لبنان خارج دائرة الصراع، وثَني «حزب الله» عن اي محاولة لتصعيد المواجهة مع اسرائيل. وكشفت ان هذه المخاوف، اضافة الى الرغبة في عدم تمدد الحرب الى لبنان، تتشارَك فيها الدول الاوروبية والولايات المتحدة الاميركية. (يُشار هنا الى ان الرغبة الاميركية بعدم توسيع الحرب، أبلغت الى الجانب اللبناني عبر السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا، وكذلك عبر اتصالات هاتفية شبه يومية أجراها الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين مع مستويات لبنانية مختلفة، وخلال زيارته القصيرة الى بيروت بداية الاسبوع الحالي موفداً من الرئيس الاميركي جو بايدن).
وبحسب مصادر المعلومات الموثوقة فإنّ الجهات الديبلوماسيّة الغربية صرّحت بأنّ ارتفاع وتيرة الأعمال الحربية في منطقة الحدود يرجَح كفة التصعيد، ويهدد المساعي الرامية الى عدم توسيع دائرة الصراع. ولفتت الى انّ الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً جدية على اسرائيل، لعدم فتح باب الحرب على جبهة لبنان. فإسرائيل بمستوياتها السياسية والعسكرية، ومع تزايد العمليات العسكرية التي ينفذها «حزب الله»، ناقشَت إمكان ان توسّع ردّها على الاستهداف المتزايد لحدودها الشمالية، بأن تُبادر الى فتح معركة ضد «حزب الله» تكون هي صاحبة اليد العليا فيها. وهو الامر الذي عارَضته الولايات المتحدة التي لا ترغب في توسّع الحرب وتخطّيها ميدان غزة. واكدت على حق اسرائيل في الردّ على «حزب الله»، ولكن على أن تتوخى الحذر، وتجنّب أي خطأ للجيش الإسرائيلي في لبنان من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع حرب أكبر بكثير.
لا مؤشرات للحرب
الى ذلك، وعلى الرغم من التوتر المتزايد على الحدود الجنوبية، فإن الولايات المتحدة ما زالت تُقلّل من احتمال انزلاق هذه الجبهة نحو مواجهة واسعة. ويبرز في هذا السياق ما قاله المبعوث الأميركي الخاص للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد الى انه «لا يوجد ما يشير إلى أن إيران أو وكلاءها في المنطقة يعتزمون التعجيل بنشوب صراع يتجاوز حرب إسرائيل مع «حماس». واضاف في مؤتمر صحفي عبر الإنترنت: «لا نعتقد أن صراعاً تتورط فيه لبنان وإسرائيل أمر لا مفر منه بحال من الأحوال، الحقيقة هنا والآن هي أنه لا يوجد ما يشير من أي جانب إلى أن هناك نية لاستِباق صراع أو حرب».
الا انّ ساترفيلد استدرك وقال: «من الضروري ألا تقدم إيران وجماعة «حزب الله» على أعمال استفزازية، وإنّ تبادل إطلاق النار بين «اسرائيل» و»حزب الله» على طول الحدود يعزز احتمال التقديرات الخاطئة».
الوضع الميداني
ميدانياً، حافظت منطقة الحدود الجنوبية على وتيرة التوتر المتصاعد، مع كثافة العمليات العسكرية التي ينفذها «حزب الله» ضد مواقع الجيش الاسرائيلي بالتوازي مع قصف اسرائيلي مكثف لمحيط البلدات اللبنانية المحاذية للحدود.
واعلن «حزب الله» امس، في بيانات للاعلام الحربي، انه استهداف بالصواريخ الموجّهة تجمّعاً للجنود الاسرائيليين قرب موقع العاصي مقابل بلدة ميس الجبل وحقق فيه اصابات مؤكدة، وتجمعاً آخر للجنود قرب موقع ميتات مقابل بلدة رميش. وأفيد عن استهداف مستعمرة المطلة بصاروخ موجّه، واطلاق صاروخ مضاد للدروع على منطقة المنارة، وكذلك استهداف مواقع الضهيرة وبركة ريشا وحدب البستان والجرداح والبياض الاسرائيلية بالصواريخ الموجهة. وايضا استهداف مجموعة مشاة في حرش شتولا، وكتيبة راميم الاسرائيلية مقابل بلدة مركبا.
كذلك أعلن الإعلام الحربي في «حزب الله» أنّ «المقاومة الإسلامية نفذت هجوماً ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي بواسطة 3 مسيرات هجومية، فاستهدفت الاولى ثكنة يفتاح قديش (قرية قدس اللبنانية المحتلة)، فيما استهدفت الطائرتان الاخريان تجمّعاً مستحدثاً في شرق مستعمرة حتسودت يوشع (قرية النبي يوشع اللبنانية المحتلة) وحققتا فيهما إصابات مؤكدة».
الى ذلك، ترددت أنباء عن إصابة 3 جنود إسرائيليين جرّاء انفجار مسيّرة أو قذيفة هاون من لبنان.
في غضون ذلك، واصل الجيش الاسرائيلي اعتداءاته على المناطق الجنوبية، حيث قصف بالقذائف المدفعية الفوسفورية، امس، وعلى فترات متقطعة اطراف ميس الجبل وبالقرب من مستشفى ميس، ما أدى الى اصابة طبيب الطوارئ بجروح طفيفة. وقد وصف وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بو حبيب قصف إسرائيل مستشفى ميس الجبل بالجريمة ضدّ الإنسانية.
كذلك قصف الجيش الإسرائيلي خراج بلدات بليدا، الناقورة، علما الشعب، وعيتا الشعب اللبونة، تلة الحمامص، ومحيط موقع العاصي، وخراج العديسة وكفر كلا ومثلث راميا – بيت ليف – القوزح، وخراج بلدة الوزارني والميسات، واطراف بلدة البستان في القطاع الغربي، ما ادى الى اشتعال حرائق في وادي العليق في خراج البلدة. وذلك وسط تحليق لطائرات الاستطلاع والطيران الحربي الذي شن غارة جوية ما بين ميس الجبل وحولا… ومحيط الهبارية والفرديس وكفر حمام وكفرشوبا وياطر ويارون.
وافادت تقارير من المنطقة الجنوبية عن حركة نزوح كثيفة في الايام الأخيرة، من البلدات المحاذية للحدود، الى مناطق أكثر أماناً.
إعلام الإحتلال
وقالت وسائل الاعلام العبرية: انّ إرسال طائرات هجومية من لبنان (امس) تجاه مواقع للجيش «الإسرائيلي» في الجليل، يشير إلى وتيرة تصاعدية للعمليات عند الحدود، وانّ ما جرى اليوم على الحدود الشمالية مع لبنان هو حرب حقيقية. وافادت عن نقل 3 إصابات إلى مستشفى «رمبام» في حيفا، حيث أُحيل اثنان منهم إلى غرفة العمليات بحالة خطيرة، بعد إطلاق صواريخ وقذائف من لبنان تجاه مواقع لجيش العدو الإسرائيلي في الشمال.
واشارت وسائل الاعلام العبرية الى «أنّ المستوطنات في الجليل الأعلى باتت مهجورة، حتى أنّ «مقرّ القيادة أُخلي ونُقل إلى الخلف». وقالت: انّ نقل مستوطني الجليل الأعلى بهذه الطريقة «غير مسبوق».
وحول الوضع في قطاع غزة، افادت مصادر معلومات خاصة لـ»الجمهورية» من مدينة غزة: انّ المدينة فعلاً محاصرة والدبابات الاسرائيلية دخلت من عدة محاور، وتمنع دخول اي مساعدات الى المدينة وشمالها، وفقط في الجنوب تدخل مساعدات. «ولا احد لديه فكرة عن الهدنة ابداً».
اضافت المصادر: الخطر قائم والقوات الاسرائيلية الآن في عدة مواقع داخل مدينة غزة، لكن هذه المواقع امّا عند اطرافها او قريبة من الساحل وليس داخل المدينة.
واوضحت انّ الفصائل الفلسطينية تخوض اشتباكات ضارية وعنيفة جدا، مع قوات الاحتلال الإسرائيلي المتقدمة في محيط مجمع الشفاء الطبي غرب غزة، بالاضافة إلى معارك شمال القطاع، وسط قصف مدفعي وجوي شديدين. وأفادت وسائل إعلام فلسطينية عن انقطاع الكهرباء بشكل كامل عن مستشفى الإندونيسي شمالي قطاع غزة، ما يُنذر بوقوع كارثة إنسانية.
الإسرائيليون… مهجّرون!
في المقابل، تقاطع الاعلام الاسرائيلي على اعتبار انّ «حزب الله» لم يتكبّد عناء في توسيع الحرب واجتياز الحدود كي يهرب سكان بلدات الشمال الإسرائيلي من بيوتهم أو ان يبقيهم في الملاجئ، ويدفع إلى حالة التأهب كتائب كبيرة من الجيش الاسرائيلي».
وبحسب ما ورد في الاعلام الاسرائيلي فإنه «لم يسبق ان هجر سكان الجليل الاعلى بهذه الطريقة من قبل، فالمدن والمستوطنات خالية، حتى مقر قيادة الفرقة أخلي وتم نقله الى الخلف». ونشرت صحيفة «هآرتس» تقريرا اشارت فيه الى ان الاسرائيليين غادروا بلداتهم الواقعة عند الحدود اللبنانية ولجأوا إلى وسط إسرائيل في اليوم الأول للحرب على غزة، ومباشرة بعد تردّد الأنباء عن الهجوم المفاجئ والواسع لمقاتلي حركة حماس في «غلاف غزة» في الجنوب، ما يدل على «أزمة ثقة شديدة بين الجيش والسكان الذين أؤتمن بالدفاع عنهم».
وقالت الصحيفة: «ان جولة في الشمال المهجور تكشف عن أن أزمة الثقة بين الجيش الإسرائيلي ومواطني إسرائيل لم تتوقف في الجنوب، والكثير من سكان الشمال قرروا مغادرة بيوتهم والرحيل باتجاه وسط البلاد، بالرغم من عدم تلقّيهم تعليمات واضحة بهذا الخصوص».
وأضافت أن «الأزقة الخالية في البلدات والشوارع المقفرة والمتاجر المغلقة والدبابات في شوارع المدن والشوارع المركزية تدلّ على شدة استهداف الشعور بالأمن لدى الكثيرين من سكان الشمال».
وينظر سكان البلدات الحدودية في شمال إسرائيل، بحسب الصحيفة، إلى هجوم «حماس» في جنوب إسرائيل على أنه «تحقيقٌ للكوابيس التي خافوا منها طوال سنين. والخوف من سيناريو مُشابه في بيوتهم دفعَ الكثيرين منهم إلى المغادرة منذ اليوم الأول للحرب. ولا يعلم السكان في الشمال متى سيعودون إلى بلداتهم وفي أي ظروف. وأشارت الصحيفة إلى أن القلق الأساسي الذي يتحدثون عنه هو توغل مقاتلين من «حزب الله» إلى بلداتهم من خلال أنفاق. وفيما أعلن الجيش الإسرائيلي، بداية العام 2019، أنه دمّر أنفاقاً لـ«حزب الله» تحت الحدود اللبنانية وأن «التهديد أزيل حالياً»، إلا أن سكان البلدات يعبّرون عن تخوفهم من أنه «لم تتم إزالته كلياً». وتزايد هذا التخوف في أعقاب هجوم 7 تشرين الاول الفائت.
ونقلت الصحيفة عن أحد السكان قوله إنه متأكد من وجود أنفاق حفرها «حزب الله» وتمتد إلى بلدات إسرائيلية. وأضاف: «لا أعتقد أنهم في الجيش يكذبون علينا، وإنما ببساطة هم لا يعرفون كل شيء. وتخوّفنا هو أن أحداً ما في الجيش الإسرائيلي لم يدرك أنهم لا يعرفون كل شيء». والتخوف من تسلل مقاتلين من لبنان يؤثر على امتناع سكان البلدات الشمالية عن العودة إليها. وقال المواطن نفسه إن «الواقع تغير بالنسبة لنا في 7 تشرين الاول وفي بداية الحرب، عندما كان هناك اشتباه بتسلل مسلحين، لم نخف من مواجهتهم أو أن تصيبنا رصاصة. وجميع الذين شاركوا في دوريات الفرق المتأهبة أدركوا أنهم إذا تجاوزونا فإنهم سيصلون إلى أولادنا». وأضاف أنّ «من يريد إعادة توطين الشمال والجنوب ينبغي أن يدرك أن التوقّع هو القضاء على التهديد الموجود أمام بيت كل واحد منّا، وهذا يعني حرباً حتى النهاية. وأي حل آخر لا يهمّ السكان الذين يشاهدون «حزب الله» من الشرفة».