أخبار لبنان

د. عليا علي ملحم الثقافة في لبنان رسالة حياة

لم يبق في لبنان الا الحديث عن الثقافة التي يتغنى بها كل مواطن اعتبر أن لبنان هو وطن نهائي له، يحمل هويته ويفتخر بانتمائه الى أرضه ومجتمعه.

وقد تكون الثقافة فعلا هي خيط الأمل الرفيع الذي يتمسك فيه شعب لبنان لكي يبقى على قيد الحياة الوطنية مهما عصفت به الأزمات ومهما تعرّض للذل والفقر والتشرّد في ظلّ ازدياد “الوجع المالي” الناتج عن الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية وغلاء المعيشة.
أما التعريف الأكثر شيوعاً للثقافة فيعود لعالم الإنثروبولوجيا الإنجليزي “إدوارد تايلور” في كتابة الثقافة البدائية الذي صدر عام 1871 حيث عرف الثقافة على أنها ذلك الكل الذي يشتمل المعارف والمعتقدات والفنون والقوانين والأعراف وكل القدرات والعادات التي يكتسبها المجتمع بإعتباره عضواً في أي مجتمع”.
إن الثقافة في لبنان هي مزيج من تنوع وتعدد الثقافات بين اللبنانيين والشعوب الأخرى المقيمة فيه، فهي ترتقي لتصل إلى مستوى الرسالة، ومستوى الدور التي ينبغي عليها أن تلعبه في المحيط العربي والعالمي.

الثقافة في لبنان “هي رسالة، رسالة تعايش حضاري، تنوع فكري، رسالة تراث وفنون وإبداع وتألق .
كما لا يخفى على أحد العلاقة المتينة التي تجمع الثقافة بالإعلام والسياسة والفن والتراث والمدنية والقروية والفلكلور.. كل أوجه الحياة المجتمعية، فهي الأداة التي ترسم خطوط الحياة التي تميز شعب معين .
نتحدث إذاً عن الثقافة السياسية، الثقافة الإجتماعية، الثقافة الدينية، الثقافة البيئية، الثقافة الإقتصادية، الثقافة الديمقراطية، الثقافة الشعبية.. كما أن حياتنا الوطنية المشتركة في لبنان، هي ركن من أركان ثقافة اللبنانيين، والتجربة الديمقراطية هي ركن من أركان الثقافة السياسية ..
في هذا الإطار، وصف موقع “المورد الثقافي ” الثقافة في لبنان بأنها نتاج التنوع والهجرة والصراعات وقدرة اللبنانيين على المبادرة والتأقلم والإنفتاح والإنتاج والتدبير والتكيف. هذا الواقع يرتبط بشكل مباشر بسلسلة التطورات التاريخية التي أنتجت تلك الثقافة، كما أنها نتاج للتطورات العالمية التي مكنت الثقافات من الإنفتاح على بعضها.
يقول محمد خاتمي” حيث تعاني الحضارات إغتراباً عن ذاتها فإنها تعيش الإغتراب حيال بعضها

البعض أيضاً، إذ من ينجح في وعي ذاته هو الذي يستطيع وحسب أن يعي الآخر”.
إن المقصود بذلك أنه يجب على كل ثقافة أن تعي ذاتها، فلا يمكن إنجاح أي حوار من دون بلورة استراتيجية ذاتية تسمح لكل ثقافة بإستيعاب مختلف المتغيرات الجذرية العالمية والتواصل بشكل مناسب مع العالم ومختلف الثقافات .
إن إرتباط ثقافة لبنان بالعديد من المفكرين والأدباء والشعراء وملحنين ومطربين … هو ما يعزز الإنتماء الثقافي فيه. فلبنان الذي إرتبط بأسماء تاريخية تراثية رفعت إسمه على المستوى العالمي كميخائيل نعيمة، فيروز ، جبران خليل جبران، وديع الصافي، حليم الرومي، نصري شمس الدين، صباح ، الأخوين الرحباني، إيليا أبو ماضي، مي زيادة، سعيد عقل … وغيرهم الكثير الذين إرتبطت إنجازاتهم بلبنان .
هذا ما يقودنا الى الإيمان بالجوهر الإنساني المشترك، فحسب “برهان غليون” يجب الإنتقال من إشكالية الحوار بين الثقافات والحضارات الإنسانية إلى إشكالية الحوار بين المصائر الثقافية للتفكير في مستقبل الثقافة البشرية بأجمعها.
إن القناعة المشتركة بين اللبنانيين بمختلف دياناتهم المسيحية والإسلامية، بأن جوهر الدين هو التسامح ومحبة الخير ووحدانية الله، وأن جميع الأديان تنطلق من مبدأ الإنسان وجوهر الإنسانية كما أن إحترام الدولة لجميع المعتقدات الدينية والفكرية وحرية إجراء الطقوس ، هي ما تدعم لبنان دولياً وتجعله مؤهلاً على مستوى الحوار الحضاري.
أما بالنسبة الى الإقرار بالتنوع والتعدد الثقافي الحضاري، فإن الغاية من الحوار ليس إقناع الآخرين بالتخلي عن إنتماءاتهم وخصوصياتهم الثقافية لتبني ثقافة أخرى أو محاولة تعميم وفرض نمط ثقافي معين فهذا يعوق كل مشاريع التعاون بين الثقافات .
وفي هذا الإطار يقول “روجيه غارودي” أن “فكرة حوار الحضارات تحارب التقوقع حول الأنا الضيقة وتركز إهتمامها على الحقيقة الفعلية للأنا، بإعتبارها قبل كل شيء علاقة مع الآخر وعلاقة مع الكل”.
يشكّل التنوع الثقافي قوة محركة للتطور الحضاري ، فهي كوسيلة لعيش حياة فكرية وعاطفية ومعنوية وروحية أكثر اكتمالاً ، حيث توفّر ركيزة صلبة لتعزيز التنوّع داخل المجتمع. في الوقت عينه، يساهم القبول بالتنوّع الثقافي والاقرار به عبر الاستعمال الابداعي للإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل خاص في خلق الحوار بين الحضارات والثقافات وفي بلوغ تبادل الاحترام والتفاهم .

وفي عام 2001، اعتمدت يونسكو الإعلان العالمي للتنوع الثقافي ، وأعلنت الجمعية العامة في قرارها رقم 57/249في يوم 21 أيار/مايو يوما عالميا للتنوع الثقافي للحوار والتنمية. ولذا فهذا يتيح فرصة في تعميق مفهوم قيم التنوع الثقافي ودعم الأهداف الأربعة لاتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي:
● دعم نظم مستدامة لحوكمة الثقافة
● تحقيق تبادل متوازن من السلع والخدمات الثقافية وانتقال الفنانين والعاملين الآخرين في مجال الثقافة
● دمج الثقافة في برامج وسياسات التنمية المستدامة
● تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

كما أننا حين نتحدث عن التنوع الثقافي لا يمكننا إغفال دور التراث بصفته مصدراً للإبداع ، إذ أن كل إبداع ينهل من منابع التقاليد الثقافية ، ولكنه يزدهر بالتواصل مع الثقافات الأخرى. ولذلك لا بد من صون التراث بمختلف أشكاله وإحيائه ونقله إلى الأجيال القادمة كشاهد على تجارب الإنسان وطموحه، وذلك لتغذية الإبداع بكل تنوعه وتحفيز قيام حوار حقيقي بين الحضارات .
ثمة مستجدات طرأت على المستوى العالمي أثرت على مستوى التنوع الثقافي . ما نقصده هنا هو العولمة التي طالت كافة أوجه الحياة الإجتماعية والإقتصادية والإعلامية والدينية والحضارية والفكرية . إن التنوع الثقافي الذي يرتبط اساساً بالميزة التاريخية والحضارية لشعب معين ، هو كيان يتطور ويتأثر بإستمرار بالمستجدات المحلية والعالمية .
وإذا كان مثقفو الغرب ومفكروهم أصحاب المواقع الراسخة المؤثرة في الثقافة في العالم المعاصر ينشدون ثقافة بلا حدود تواكب الاتجاه العولمي، وتسايره كما يبدو في الرؤيا الثقافية في الغرب، فإنهم في حقيقة الأمر يصنعون مبررات سيطرة الثقافة الغربية بلا حدود، “وهو الأمر الذي قطع شوطًا مهمًّا من الإنجاز على أرض الواقع، في ظل اتجاه متزايد نحو عالم بلا حدود ثقافية”.
إن الضغوط تتوالى من أجل فرض أسس ثقافية نمطية تستغل دعاوى الديمقراطية والمشاركة، والمكاشفة، وحقوق الإنسان إلى غير ذلك من العناصر التي يمكن أن تشكِّل قواعد صالحة للتطوير، لو أنها صيغت في إطار المنظومة الثقافية الوطنية، بينما تعمل أدوات الاتصال

والمعلومات جاهدة من أجل غرس قيم وتمجيد ما يعتبر ثقافة عالمية جديرة بالاعتبار.
في النتيجة، إن الشرط الأساسي للإنفتاح وقبول الآخر على المستوى الثقافي الحضاري هو توفر بيئية مجتمعية تشجع على ذلك. فهل البيئة المجتمعية اللبنانية في طور الانفتاح الثقافي؟ أو أننا نعيش في زمن الانهيار على كل المستويات؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى