كتبت صحيفة “الأخبار”: يبدو لبنان مقبلاً على معركة سياسية كبيرة، داخلية وخارجية، بشأن التمديد لقوات الطوائ الدولية العاملة في الجنوب. وشهدت الساعات الـ 36 الماضية تجاذباً أخذ طابعاً ادارياً – تقنياً، انطوى على بعد سياسي يتعلق بضغوطات خارجية على المسؤولين في شأن موقف لبنان من الملف.
وفي موازاة ورشة العمل السياسية والدبلوماسية التي انطلقت قبل نحو شهرين في بيروت حول طريقة التعامل مع الاستحقاق، ربطا بفضيحة العام الماضي، عندما صدر قرار يعدل مهام القوة الدولية ويمنحها صلاحيات كانت ستقود الى مواجهة كبيرة لولا ان قيادة القوة على الارض لم تعمد الى تنفيذ القرار كما هو.
واشتملت الاتصالات على ابعاد كثيرة، بينها تواصل سياسي بين الرئيس نبيه بري وحزب الله من جهة وكل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب. وتركزت الاتصالات على توضيحات أمنتها قيادة الجيش لناحية العودة الى التزام القوات الدولية شرط التنسيق المسبق مع الجيش قبل المبادرة الى اي مهمة ميدانية، وتم الاتفاق على ورشة اتصالات شملت الاطراف الدولية الرئيسية المعنية كروسيا والصين وفرنسا.
واظهرت الاتصالات اهمية ترؤس الوزير بو حبيب لوفد لبنان إلى جلسة مجلس الامن والمشاركة في المشاورات التي تسبق جلسة القرار، وهو ما واجهته بريطانيا والولايات المتحدة بضغوط معاكسة، بينها رسائل مباشرة الى وزير الخارجية لمنعه من القيام بدوره، وفي مكان اخر، تسلّم الفرنسيون ملاحظات حزب الله التي تشدد على عدم القيام بأي خطوة تتحول الى اعاقة لعمل القوة الدولية في الجنوب، خصوصاً أن مطلب حرية الحركة في اصله مطلب اسرائيلي، كونه يتيح للقوة الدولية القيام بأعمال ذات بعد امني تطلبه اسرائيل طوال الوقت. وأمّنت الاتصالات السياسية مع روسيا والصين توافقا معهما على موقف داعم لمطالب لبنان.
وترك امر التسويات التفصيلية لوزير الخارجية الذي كان يفترض ان يكون في نيويورك قبل 48 ساعة، بعدما وصل اليها الوفد اللبناني الذي سيلتحق ببعثة لبنان الرسمية لدى الأمم المتحدة، برئاسة منسّق الحكومة لدى «اليونيفل» العميد منير شحادة، لكن فجأة، ومن خارج جدول اعمال الجميع، برزت الى الواجهة مسألة تغطية نفقات السفر.
وعلمت «الأخبار» أن بو حبيب طلب لدى زيارته الرئيس ميقاتي، أول من أمس، تأمين اعتماد بقيمة 10 آلاف دولار لتغطية نفقات سفر الوفد، فأحاله ميقاتي إلى وزير المال يوسف خليل الذي أبلغه بضرورة إرسال كتاب يتضمّن طلب تغطية النفقات قبل تحويل الاعتمادات. وعندما لفت بو حبيب إلى أن لا وقت لإرسال الكتاب، مقترحاً حلّ الأمر بسلفة خزينة، أصرّ خليل على موقفه، ما دفع وزير الخارجية إلى التلويح بإلغاء الزيارة، فتكثّفت الاتصالات السياسية لتأمين سلفة الخزينة وقُضي الأمر، على أن يتوجه وزير الخارجية إلى نيويورك اليوم.
وقد تسرّبت معلومات تشي بوجود أسباب أخرى لتأجيل سفر بو حبيب، من بينها تلقيه رسالة أميركية عبر الأمم المتحدة تبلغه رفض الخارجية الأميركية تأمين حراسة أمنية له خلال زيارته لنيويورك عقب دراسة ملفه. وتُعدّ هذه سابقة، إذ دأبت الخارجية الأميركية على تأمين المواكبة لأي وزير خارجية. ولدى مراجعة بو حبيب الأمم المتحدة حول سبب الرفض، أحيلَ إلى الخارجية الأميركية التي أبلغته بضرورة مراجعة السفارة في بيروت، وهو ما فُهم منه أنه رسالة أميركية له بعدم التوجه إلى نيويورك.
وفيما يطمح لبنان إلى إلغاء تعديل العام الماضي، تعمم في بيروت معلومات دبلوماسية بأن هناك «شبه استحالة لإزالة فقرة جرى التصويت عليها بالإجماع»، مشيرة إلى أن «أقصى ما يُمكن أن يحقّقه لبنان هو الحفاظ على الفقرة كما هي حالياً من دون إضافة تعديلات جديدة توسّع من صلاحيات قوات الطوارئ، خصوصاً أن الولايات المتحدة وإسرائيل تسعيان إلى ذلك، مدعومتين من بعض الدول العربية». ولفتت المصادر إلى أن «بيروت تسلّمت مسوّدة القرار الذي سيصدر بعد نحو أسبوع»، وأُبلغ لبنان بأن النص الذي صاغته فرنسا «لن يخضع للتعديل استجابة لمطالب لبنان الذي ركّز في ملاحظاته على تعديل آلية حرية الحركة الواردة في البندين 16 و17». ومارس الغربيون الضغوط من زاوية أن «قرارات مجلس الأمن لا تخضع نصوصها بعد صدورها للتعديل أو الإلغاء، إنما للإضافة». وعليه، فإن حرية الحركة التي منحها قرار التجديد السابق لن تُلغى أو تُعدل إلا بتصويت موحّد وفيتو تستخدمه كل من فرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا.
وينتظر لبنان حصول تطورات خلال الساعات المقبلة، تفتح الباب امام تغيير وجهة مسودة القرار، باضافة نصوص تكون واضحة لجهة الحفاظ على التسيق مع الجيش من قبل القوات الدولية. وفي هذا السياق، استغربت مصادر معنية بالملف «تأخر الجهات المعنية بإطلاق ورشة لتطويق محاولات أميركا وحلفائها تمرير آليات ميدانية لصالح إسرائيل على غرار حرية الحركة»، علماً أن قرار التجديد لليونيفل يستند إلى تقارير ميدانية دورية ترفعها اليونيفل نفسها إلى مجلس الأمن، بعد مناقشتها مع ضباط الارتباط والتنسيق بينهم وبين الجيش اللبناني. وبحسب مصدر متابع، فإن غالبية التقارير كانت تصوّب على أداء الجيش اللبناني «غير القادر على كبح جماح حزب الله وتحركاته الميدانية في نطاق منطقة عمل قوات اليونيفل في جنوبي الليطاني، ما يخالف القرار 1701».