مقالات

“فتى” الكتائب يأكل “الضرب” في الكحالة

أتى يوم الإثنين الموعود “كتائبياً” ولم يحصل شيء. لم يجتمع أركان “معارضة” هدّدَ بإسمها رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، وقال إنها حاضرة لمواجهة “حزب الله”.

ولا خرجَ بيان عنهم يُعلن وضعهم “خطة مواجهة”، ولا أطلق الكتائب، منفرداً، إعدادات لـ”معالجة سلاح الحزب”، كما أعلنَ سابقاً.

جُلَّ ما نجح به “فتى الكتائب” أن وضع نفسه في موضعٍ لا يُحسد عليه.

لا الكنيسة المارونية أيّدته في مواقفه وسارت معه.

ولا قوى المعارضة الوازنة كـ”القوات” مقتنعة بقدراته، ولا “التيار” في هذا الوارد في ظل “حوار” بدأه مع الحزب، ولا “القياديون الكتائبيون” أصلاً مقتنعون بما سبق وأعلنه رئيسهم، إنما يعلمون جيداً مدى قدراتهم وحدودها.

يصبح أن كل ما أراده “الفتى” التسلّل إلى الأمام، طارحاً نفسه كبديل قادر على مواجهة الحزب، مستفيداً من جو ظنَّ أنه سيأتي لمصلحته.

يتبيّن بحكم الوقائع، أنه، وبنتيجة ما ترتّب وظهور عدم رغبة لدى أحد من قادة المسيحيين الخوض في مواجهة محكومة بالهلاك، بدأ “فتى الكتائب” إنسحابه التدريجي من الموقع الذي وضع نفسه فيه.

وفي معلومات خاصة، أن رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، تلقى نصائح من بينها “نصائح كنسية” بضرورة “تهدئة خطابه ودوزنته” إفساحاً في المجال أمام عملية “الإحتواء والمعالجة” لحادثة الكحالة، لأن الوضع العام لا يحتمل.

عملياً، جاء موقف الكنيسة نتاج قراءة متأنية سبقه إليها عددٌ من “المنظّرين المسيحيين” من بينهم النائب السابق فارس سعيد…

أثبتت أن ثمة من يريد توريط المسيحيين في “مشكل” مع “حزب الله” والشيعة عموماً، كتعويض عن سقوط مشروع الفتنة بين السنة والشيعة.

وليس هناك من قدرة أو رغبة لدى المسيحيين بالخوض في مثل هكذا مواجهة تفوق قدراتهم.

وفي العقل المسيحي، أن الأثمان المترتبة عن أي صراع من هذا النوع تفوق بأهميتها ما قد يُحصّل من مكاسب، وترتد الفوائد على غيرهم.

إنما هذه المكاسب لن تجعل من المسيحيين متفوقين، إنما ستزيد من ضمورهم ضمن الحالة اللبنانية.

هذه القراءة ربما تتقاطع معها قوى مسيحية أخرى. فـ”القوات اللبنانية”، وعلى خصومتها العميقة مع “حزب الله” التي وصلت حدّ استعدائه.

أدركت في مسألة “الكحالة” مثلاً، أن لا فائدة من الذهاب بعيداً في مواجهة تأخذ طابعاً ميدانياً مع “حزب الله”.

لذلك، انحصر حضور “القوات” في حادثة “الكحالة” من خلال نائبين أطلقا مواقف تصعيدية اندرجت ضمن “جدول أعمال معراب” التقليدي في التحريض على الحزب، ولم تتعداه.

فيما أظهرت تقارير “أمنية” مختلفة، أن حضور “القوات” الميداني خلال الحادثة لم يكن ذات تأثير، إنما شكّل “الكتائبيون” القوة الفاعلة.

وفيما بعد، لم تذهب “القوات” بعيداً في تحمّل أي أعباء في سياق فكرة يطرحها “الجميل”، إنما بدت، باعتراف مصادر مسيحية وازنة، بعيدةً كل البعد عن هكذا طرح.

وفي المعلومات أيضاً، أن “مجموعات” “القوات” على وسائل التواصل، تعاملت مع حادث “الكحالة” ومقتل فادي بجاني، من زاوية أنه حادث حصل ضمن منطقة مسيحية، ويجب أن تأتي ردود الفعل ضمن هذا المستوى.

وعمّمت على ناشطين “قواتيين”، عدم إعطاء مقتل بجاني أكثر مما يحتمل، لأنه في الأساس معادٍ ل”القوات”، وأحد أعضاء حزب “وعد” التابع لآل حبيقة، الأعداء التاريخيين لرئيس حزب “القوات” سمير جعجع ومقرّب من “التيار”.

وإلى جانب أن “القوات” جعلت من نفسها تحت سقف موقف الكنيسة، تُدرك معراب جيداً أن ما من دفع خارجي يدعم فكرة التلاعب بالإستقرار الأهلي في لبنان إلى حدود بعيدة.

إنما هذا الدفع محصورٌ في خلق ظروف “إرباك” لـ”حزب الله” أو محاولات إشغاله بحركات عند خطوط إمداده، أو الإستفادة من حوادث ميدانية تحصل دون أن يتطوّر ذلك إلى فتح مواجهة، مع الحرص على الوضع اللبناني ساخناً.

وفي خلاصة هذا التقدير الخارجي، أن أي إخلال أمني في الداخل تعود فوائده على “حزب الله”، المُتكيِّف ـ بالنسبة إلى هؤلاء – مع الفوضى، والقادر على النجاح شعبياً من خلال حشد مؤيديه وبيئته خلفه.

أضف إلى ذلك أن “القوات”، لا تطمح إلى جعل أي طرف مسيحي آخر “صف ثالث” يتسلّل إلى المقدمة في طفرة محاولتها “تحجيم” دور “التيار الوطني الحر” وحضوره، ولا تقبل استدراجها إلى حيث “يقبض” غيرها منه.

هذه النتائج كلها، جعلت من فتى “الكتائب” ضحية تسرّعه أولاً، وضحية رفاقه ثانياً، وبدل أن يتصدّر، غَرِقَ عند “كوع الكحالة”.

بخلاف كل الأجواء التي تبعت حادث “الكحالة”، يبدو واضحاً الآن أن عملية احتواء الحادث ونتائجه قد بدأت، بالتكافل والتضامن بين الكنيسة المارونية، “حزب الله”…

وبعض الشخصيات المسيحية على رأسها رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، الذي شكّل موقفه الهادئ بعيد الحادثة، السقف الذي ألزمَ النائب جبران باسيل السير أسفله.

وشكّل موقف كل من راعي أبرشية بيروت للموارنة المطران بولس عبد الساتر خلال جنّاز فادي بجاني في كنيسة الكحالة، ولاحقاً موقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في موضوع مقاربة “حادثة الكحالة” تحديداً ونتائجها خلال عظة الأحد الأخير، موضع ترحيب من قيادات شيعية على رأسها “حزب الله” ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

هذه المواقف، شكلت سقفاً مسيحياً ألزمت القوى بالسير تحته، وأتاح ل”التيار الوطني الحر” أن يتقدم في اتجاه العمل على المعالجة، بعد انتهاء الإجراءات التي سيقوم بها القضاء.

فيما يبدو الحزب منفتحاً على أي حل، بدليل الكلام “الهادئ” الذي اتّسمَ به خطاب أمينه العام السيد حسن نصرالله أمس الأول في ذكرى “انتصار آب”.

علماً أن الحزب لم يكن في معرض أي مواجهة في الكحالة، وتعامل بهدوء خلال الحادثة وما بعدها وضبط موقفه السياسي وضبط مؤيديه، واستخدامه السلاح جاء من موضع “رد الفعل والدفاع عن النفس”.

هنا، الوحيد الذي يخرق “البروتوكول” رئيس مجلس إدارة mtv ميشال المر ومحطته، الذي يريد تقديم نفسه ندّاً للسيد حسن نصرالله وقادراً على مواجهته، فيما ينصرف الآخرون إلى الإحجام عن هذا الموقع!

“ليبانون ديبايت”- عبدالله قمح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى