كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:معادلة الخروج من الأزمة شديدة الوضوح؛ انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تقود خطة تعافٍ أساسها الاصلاحات والإجراءات الإنقاذية. العالم أجمع يعتبرها وصفة العلاج الوحيدة لأزمة تقترب من أن تصبح ميؤوساً منها، والغالبية العظمى من اللبنانيين، تتوق اليها كفرصة خلاص.
في زمن التعطيل الرئاسي والعقم السياسي، لا بدّ للجميع من العودة إلى الرشد وإنقاذ البلد مما وصل اليه بشكل غير مسبوق ومن حالة لم تعرفها السياسة اللبنانية من قبل حتى في عز الحرب الأهلية. على الجميع من دون استثناء الإعتراف بالأخطاء والسعي الى تصحيحها قبل فوات الأوان، ويكفي الشعب اللبناني دفع أثمان باهظة سياسية وأمنية وإقتصادية ومالية ومعيشية.
بالأمس، وبمعزل عن الروايات المتناقضة لما حصل، مرّ قطوع الكحالة، وقبله قطوعات اخرى أمكن احتواؤها، واسؤال المطروح هو هل نتعلم من الدروس أم تمر وكأن شيئاً لم يكن؟
امام هذا المشهد، لسنا ننحاز الّا إلى بلدنا، وإلى كل اللبنانيين، وأمنهم واستقرارهم، وننتصر لكل جهد يرمي إلى خلاصه، وإرادة صادقة تجمع بين اللبنانيين وتنبذ ما يفرّق بينهم. ولعلّ الدماء التي سالت في الكحالة، تشكّل جرس إنذار يوقظ الشعور بالمسؤولية الواجبة تجاه لبنان واللبنانيين، ويغلّبها على الأنانيات السياسية المدمّرة، ويُخرج المكوّنات السياسية من خلف متاريسها، ويأتي بها الى بيت طاعة هذا الوطن، وانتهاج خطاب عقلاني ومسؤول ينزع صواعق التوتير، وينقل لبنان إلى مدار الإنفراج قبل فوات الأوان.
تشييع بجاني
وكانت بلدة الكحالة قد شيّعت أمس، فادي بجاني الذي سقط ضحية حادث انقلاب شاحنة «حزب الله» في البلدة الاربعاء الماضي، وذلك وسط مراسم تشييع أقيمت في كنيسة مار انطونيوس في البلد، وبمشاركة شعبية واسعة، ووفق ما رغبت فيه عائلة الضحية بأن يكون التشييع شعبياً من دون اي بروتوكول معيّن وأي خطابات وتصريحات سياسية.
واكّد راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر خلال جنّاز بجاني «أنّ ما حصل في الكحالة مأساة وطنية لا يجب أن تتكرّر لأي سبب كان. فكفانا حزنًا ودموعًا». وقال: «إنّ الفتنة تترصدنا وشعبنا منهك وشبعنا موتًا وحقدًا وعلى الجميع التعامل بهدوء ومسؤولية».
اضاف: «نطالب جميع السياسيين والأمنيين بزيادة الجهود لتحقيق الأمن لكلّ مواطن، ولأخذ الإجراءات الوقائية التي تمنع اللجوء إلى السلاح وتمنع الاقتتال بين الشعب الواحد والمنطقة الواحدة. كما نطالب بتفعيل القضاء ليصل كل صاحب حق الى حقه بالسبل الصحيحة».
حذر… ومخاوف
ما حصل في الأيام الأخيرة، وما تأتى عنه، لم يُقلق الداخل فحسب، بل أنّه أثار مخاوف خارجيّة جديّة من انفلات الوضع في لبنان وانزلاقه الى ما لا تُحمد عقباه، وهو ما عكسته اتصالات ديبلوماسية عربيّة وغربيّة توزعت في الساعات الاخيرة في غير اتجاه سياسي، وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ مسؤولاً رفيعاً تلقّى من سفير احدى دول اللجنة الخماسية، إشارات مباشرة عن قلق بالغ مما وصفتها «مؤشرات مقلقة لزعزعة الاستقرار في لبنان» وتدعو الى ضبط النفس، وتؤكّد على انّ الحاجة باتت ملحّة اكثر من ايّ وقت مضى لإتمام الاستحقاقات الدستورية على وجه السرعة».
باريس تراقب بقلق
ووفق مصادر المعلومات، فإنّه بالتوازي مع حركة الاتصالات المكثفة التي جرت على إثر حادث الكحالة على صعد مختلفة سياسيّة وامنيّة وحزبية وروحيّة لاحتواء الوضع ومنع تفاقمه، كان الخط الفرنسي مفتوحاً على غير صعيد سياسي داخلي، وعلى ما تقول مصادر ديبلوماسية فرنسية لـ«الجمهورية»، فإنّ باريس تراقب بقلق شديد تطوّرات الوضع في لبنان، ونقلت عن مستويات فرنسية مسؤولة قولها انّها اكّدت للمسؤولين اللبنانيين في اتصالات عاجلة ضرورة النأي بلبنان عمّا يخلّ باستقراره الداخلي ويهدّد سلمه الأهلي. وتجنّب ما يفاقم معاناة اللبنانيين».
ولفتت المصادر الى انّ الوضع في لبنان بات يندرج في خانة الحاجة الأساسية، لتجنيبه مخاطر الفراغ الرئاسي وعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وهنا تقع مسؤولية اللبنانيين في التجاوب مع الجهود الصديقة، والتفكير بالمصلحة الوطنية العليا والالتقاء على اولوية اجراء الانتخابات الرئاسية، ووفق المسار الذي وضع السيّد لودريان خطوطه العريضة، وسيحدّده بصورته النهائية في زيارته اللاحقة الى بيروت.
واكّدت المصادر انّ الاتفاق السياسي في لبنان على انتخاب رئيس للجمهورية، يلبّي حاجة لبنان الى الحفاظ على استقراره وانتظام الحياة السياسية فيه، والسيد لودريان اكّد للمسؤولين في لبنان أنّ هذا هو السبيل الوحيد الذي تراه فرنسا وسائر دول اللجنة الخماسية لإنقاذ لبنان ومساعدته على تجاوز أزمته الصعبة. ودون هذا الاتفاق، معناه ابقاء لبنان في دوامة مصاعب تزيد الوضع السياسي توتراً، والوضع الامني هشاشة، ما يضع لبنان حتماً امام مستقبل صعب ومأسوي، وهو ما حذّر منه لودريان المسؤولين اللبنانيين».
العرب: حزينون
واللافت للانتباه في هذا السياق، ما أكّدته مصادر ديبلوماسية عربية لـ«الجمهورية» بـ: «اننا نشارك اللبنانيين خوفهم على بلدهم».
وقالت المصادر: «يحزننا كثيراً انّ لبنان ليس بخير، فأحداث العنف المتنقلة في لبنان وسقوط ضحايا، أمر يبعث على الريبة والقلق في آن معاً. نحن نستشعر خطراً على لبنان، ونراهن على وعي اللبنانيين، ومن هنا، لسنا مستسلمين للتشاؤم، ذلك انّ فرصة الإنقاذ متاحة، واللجنة الخماسية عبّرت عن تعاطف كلّي مع الشعب اللبناني، وحدّدت المسار الذي ينبغي على اللبنانيين سلوكه بما يمكنهم من إنجاز استحقاقاتهم الدستورية بصورة عاجلة».
ورداً على سؤال لفتت المصادر الى أنّ الأمل معقود على الجولة الحوارية التي سيطلقها الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان موكلاً من دول الخماسية، وقالت: «لن نبالغ بالتفاؤل المسبق، ولكن ما نؤكّد عليه هو أنّ لبنان امام فرصة التفاعل الايجابي مع جهود اصدقائه الدوليين، وايضاً، كما انّ مسؤولية اشقاء لبنان العرب تجاهه، تتجلّى بالوقوف الى جانبه وعدم التخلّي عنه وبجهوزيتهم الدائمة لمساعدته، فإنّ ذلك لا يعفي اللبنانيين من مسؤوليتهم الأولى والأساس في مراعاة مصلحة بلدهم العليا وتغليبها على ما عداها».
وحول ما قيل عن عقوبات عن معطّلي الحل الرئاسي، قالت المصادر: «الكرة في أيدي السياسيين اللبنانيين ليتوافقوا على رئيس للجمهورية، وكل ما نتمناه هو الّا يفوّتوا فرصة الإنقاذ المتاحة، ولا نصل الى وضع تصبح فيه الإجراءات التي اشارت اليها اللجنة الخماسية في بيانها الاخير، سارية المفعول وقيد التنفيذ».
فرنجية: المرحلة صعبة
سياسياً، برزت امس زيارة رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية الى الصرح البطريركي في الديمان ولقاؤه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
وقال فرنجية بعد اللقاء الذي تخلّله غداء: «الزيارة تقليدية للترحيب بغبطة البطريرك في المقرّ البطريركي الصيفي، وكانت الأجواء اكثر من ايجابية». مشيراً الى انّه توافق مع البطريرك على انّ المرحلة خطيرة وتحتاج الى الهدوء وان يكون لدى الجميع تفكير وطني لتمرير هذه المرحلة الصعبة من تاريخ هذا البلد».
اضاف: «من المؤكّد اننا جميعاً وعلى رأسنا غبطة البطريرك نرى انّه من الضروري ان تُحلّ مشاكل لبنان واولها انتخاب رئيس للجمهورية، وان شاء الله تكون الأشهر المقبلة واعدة للوصول الى إتفاق بيننا كلبنانيين لنتمكن من تخطّي هذه المرحلة والوصول الى مرحلة أفضل».
البخاري ومنصوري
وفي خطوة وتوقيت لافتين، عُقد أمس لقاء في السفارة السعودية بين السفير في لبنان وليد البخاري والقائم بأعمال حاكم مصرف لبنان الدكتور وسيم منصوري. وبحسب المعلومات الموزّعة فإنّ الجانبين استعرضا خلال اللقاء العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين وناقشا المستجدات والتطورات الراهنة على الساحة اللبنانية على كافة الصعد بالإضافة إلى بحث عدد من الموضوعات ذات الإهتمام المشترك.
بلبلة في التلفزيون
من جهة ثانية، طفت على سطح المشهد الداخلي ضحية جديدة من ضحايا اهتراء الدولة ومؤسساتها، تجلّت في وقف بث تلفزيون لبنان اعتباراً من صباح امس.
وصدر عن وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال، زياد مكاري، بيان جاء فيه: «بغرض الحدّ من اللغط الحاصل، بعدما تمّ ترويج عدّة أخبار مغلوطة نُسبت إلى مكتبي تدّعي اتّخاذي قراراً بإغلاق تلفزيون لبنان بشكل نهائي، وهو أمر عارٍ من الصحة».
ونفى وزير الاعلام زياد مكاري ان يكون قد اتخذ قراراً بالاغلاق النهائي لتلفزيون لبنان، واوضح انّه «حرصاً على المال العام، اتّخذت قراراً بتجميد البثّ، في ظلّ إصرار نقيبة مستخدمي تلفزيون لبنان ميرنا الشدياق الحديثة العهد في العمل النقابي، على وقف بثّ البرامج،
واستخدام الشاشة العامة وسيلة لبثّ البيانات الصادرة عنها حصراً، الأمر الذي يكبّد خزينة الدولة نفقات كبيرة غير منظورة، كالمازوت على سبيل المثال لا الحصر، إذ يحتاج التلفزيون إلى 20 ألف ليتر شهرياً في مبنى تلة الخياط فقط كما أفادنا مدير الإرسال».
واعتبر «انّ قرار الاستمرار في الإضراب الذي اتّخذته الشدياق ينمّ عن عدم إلمام بكيفية سير الأمور الإدارية، بخاصةً وأنني كنت قد وضعت أعضاء مجلس النقابة في تفاصيل تحرّكاتي، وأطلعهم على الإجراءات والقرارات التي استصدرتها لمصلحتهم في فترة زمنية وجيزة، لاسيّما منها الاستحصال من مجلس الوزراء على سلفة مالية بقيمة 70 مليار ليرة لبنانية لتسديد الديون المتراكمة منذ سنوات، والتي من بينها التأمين الصحي لمستخدمي التلفزيون وعائلاتهم».
ولفت إلى انني «بذلت جهداً مضاعفاً منذ استلامي لإدارة تلفزيون لبنان، لتأمين المستحقات المالية المتأخّرة منذ شهر تشرين الثاني 2021، مع الاشارة الى أنّ عدداً كبيراً من مستخدمي تلفزيون لبنان، وكافة مديري الشركة باستثناء المدير التقني ورئيس مراكز الإرسال قد وقّعوا على عريضة طالبتني ببذل كلّ الجهود لاستمرار العمل في شركة تلفزيون لبنان بخلاف قرار
بعض أعضاء النقابة والنقيبة، وقد أكّدت على دعمي لكل خطوة كي تعود شاشة تلفزيون لبنان إلى كلّ منزل وبيت، واشكر رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر على الجهد الذي بذله في سبيل إعلاء مصلحة هذا المرفق العام ومستخدميه».
وفي بيان لها، أعلنت نقابة مستخدمي التلفزيون في لبنان رفضها القاطع لأي مسّ ببث تلفزيون لبنان وتحمّل المسؤولية كاملة لمن يتخذ هكذا قرار مجحف بحق الشاشة الوطنية،
وبعدما كانت تتجه النقابة وكبادرة حسن نية الى تعليق الاضراب على رغم تحصيل جزء يسير من مستحقاتهم، إلا انّها فوجئت بالتصعيد المستغرب من قبل الوزير المكاري الذي طالب بوقف البث كلياً وعدم صرف الاموال إلا بحالة وقف الاضراب اولاً. ولفتت النقابة الى «أنّ محرّكها الوحيد هو حماية حقوق الموظفين»، واكّدت على «الاستمرار بقرار الاضراب».
الى ذلك، دعا رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الاسمر نقابة موظفي تلفزيون لبنان الى «إعطاء فرصة لتنفيذ ما اتُفق عليه مالياً ومعاودة العمل، والمباشرة بحوارٍ فوريٍ بنّاء مع وزير الإعلام للحصول على كامل الحقوق، وإعادة تلفزيون لبنان الى سابق عهده».
عودة البث
ومساء، عاد البث الى تلفزيون لبنان، وتوجه الوزير مكاري بـ«الشكر الجزيل الى الموظفين في تلفزيون لبنان واعضاء النقابة والمديرين الذين اعادوا الروح لشاشة تلفزيون الوطن، واطلقوا عجلة العمل فيه من جديد»، قائلاً: «وعهدنا متابعة كل الخطوات التي من شأنها ضمان حقوق موظفي تلفزيون لبنان والعمل على استعادة دوره، في كل ما من شأنه حماية محطة الوطن وتحصينها».