مقالات
واشنطن تُطلِق “عين الصقر” في البادية و”داعش”: نحن بينكم!

بعد تعبير الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن أعلى درجات الغضب الرسميّ، وتوعّده بانتقامٍ قاسٍ وشديد، وذلك خلال تقديمه العزاء للشعب الأميركي إثر العملية الإرهابية التي استهدفت فريقًا عسكريًّا مشتركًا من الأميركيين والسوريين، والتي نفذها أحد المنتمين فكريًّا لتنظيم “داعش” الإرهابي في مدينة “تدمر” الأسبوع الماضي، وأسفرت عن سقوط جنديين أميركيين ومترجم مدني، وجرح اثنين آخرين وعدد من أفراد القوة الأمنية السورية المرافِقة، أعلنت واشنطن عن انطلاق عملية “عين الصقر” ضد التنظيم في وسط وشرق البلاد.
وقد بدأت القوات الأميركية بالفعل، بشن هجمات واسعة على عشرات المواقع في تلك الأنحاء، تميزت بشدة القصف وتنوّع الأسلحة المستخدمة، في ما بدا أنه استعراض كبير للقوة، أرادت واشنطن أن تُظهره بوضوح من خلال دكّ صواريخها الحديثة لنقاط عديدة ضمن مساحات واسعة من البادية السورية، دون الإعلان الرسمي عن موقع تلك النقاط أو طبيعة الأهداف التي جرى قصفها، بل اكتفت المصادر العسكرية الأميركية بالحديث عن استهداف أكثر من /70/ موقعًا للتنظيم في مناطق البادية في محافظات حمص، ودير الزور، والرقة.
وقد شاركت في هذه العملية طائرات حربية من نوع “إف 15” ومروحيات “أباتشي” وطائرات الدعم “إيه 10″، ومن بين الأسلحة التي المستخدمة، صواريخ “هيمارس” المخصصة لاستهداف مواقع بعيدة في عمق البادية، وقنابل “جي دام” المخصصة لاختراق الكهوف والمخابئ وغرف العمليات الواقعة تحت الأرض. وقد أعلنت القيادة الأميركية الوسطى، أن هذه العملية قد تستمر لأسابيع أو لأشهر.
لم يكن قد مضى أكثر من شهر واحد فقط، على الإعلان الرسميّ عن انضمام سوريا إلى “التحالف الدولي” ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، حين أعلن التنظيم عن وجوده بطريقة جديدة واستثنائية، مدشّنًا مرحلة بالغة الخطورة من هذا الصراع الدائر منذ سنوات على الأراضي السورية.
ولم يكن طارق صطّوف الحمد، منفّذ العملية، قادمًا من كهوف البادية، متسلّلًا كذئبٍ منفرد يبحث عن طريدةٍ مناسبة، بل كان يقف وسط المجموعة المستهدفة، مدججًا بالسلاح، واثقًا من نفسه، باعتباره أحد حرّاس طرائده هؤلاء.
وهنا تمامًا، تقع نقطة التحوّل الجديدة في هذا الصراع المعقّد والمدمّر.
كان الحمد عنصرًا عاملًا في جهاز “الأمن العام” السوري طوال الأشهر العشر الأخيرة، وقد تنقّل بين عدة مواقع إلى أن نُقل إلى فرع البادية (تدمُر) بناءً على طلبه. وبعد إصدار وزارة الداخلية السورية بيانها الأول، الذي أتى مرتبكًا وغير واضح لجهة المعلومات عن الحدث وهوية المنفذ، أصدرت الوزارة لاحقًا بيانًا آخر حددت فيه هوية المهاجم، وذكرت أنه ينتمي لتنظيم “الدولة الإسلامية” وأنه كان تحت المراقبة الأمنية في الفترة الأخيرة، بسبب وجود شكوك حول أفكاره المتطرفة.
وقد أعلنت السلطات السورية بعد ساعات عن اعتقال ستة أفراد من “الأمن العام” بتهمة التعاون والتنسيق مع المهاجم. بينما نفذت القوات الأميركية على وجه السرعة، عدة هجمات صاروخية كثيفة في منطقة البادية، وألقت قنابل مضيئة فوق مدينة “تدمر” ذاتها.
هناك عدة نقاط لافتة وجديرة بالذكر عند الإحاطة بهذا الحدث واستشراف آثاره وتداعياته، أوّلها، أنه أتى بعد الإعلان عن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد “داعش”، وتنفيذ عمليّتين مشتركتين (على الأقلّ، وبعيدًا عن أي تغطية إعلامية) ضد التنظيم في ريف دمشق، ثم إعلان الكونغرس الأميركي الموافقة على إلغاء قانون “قيصر” للعقوبات على سوريا، ورفع الأمر إلى الرئيس، دونالد ترامب، للمصادقة والتوقيع عليه. ثم بدء تحركات عسكرية وأمنية علنية من الجانبين معًا على الأرض في منطقة البادية السورية ومدينة “تدمر”، للتخطيط لعمليات هجومية مشتركة ضد التنظيم.
ثم طريقة تنفيذ الهجوم ذاتها، والتي تدل على أن “داعش” دخل مرحلة المبادرة والهجوم من الداخل، أي الإعلان عن تواجده في كل مكان من الخريطة السورية الواقعة ضن سيطرة الحكومة الجديدة، بما في ذلك مؤسسات السلطة ذاتها. ثم عقب الحدث مباشرةً، إعفاء الرئيس الأميركي، بينما كان يعزي شعبه بضحايا الهجوم، السلطة السورية، من أي مسؤولية مباشرة عن هذا الهجوم.
وعليه، أتى هجوم تدمر في وقت بالغ الحساسية بالنسبة للحكومة السورية، التي عملت وتعمل جاهدة في الآونة الأخيرة على بناء جسور الثقة مع الأميركيين، وإثبات أنها جديرة ببناء تحالفات دولية متينة.
خصوصًا أيضًا، أن الهجوم أتي في الوقت الذي تتقدم فيه خطوات إلغاء جميع العقوبات على سوريا داخل المؤسسات التشريعية الأميركية.
ومن جهة موازية، وقعت السلطة السورية في حرج كبير، لجهة قدرتها على ضبط عناصرها في الجيش والأمن، ومدى نظافة المؤسستين من معتنقي الأفكار المتطرفة والإرهابية، بل ومدى قدرتها على كشف المتسللين من تنظيم “داعش” إلى صفوف مؤسسات الدولة تلك، حيث تؤكد تقارير ومعلومات جدية ورصينة، عن استطاعة التنظيم زرع مئات العناصر داخل أجهزة الدولة العسكرية والأمنية.
وبالتالي سيؤثر هذا الحادث الخطير على صورة الحكومة السورية على هذا الصعيد بشكل كبير ولا شكّ. وهذا يكشف أيضًا عن ضعف القدرات الإستخباراتية لدى الدولة السورية، وعن حاجتها الماسة إلى مراجعة آليات قبول المنتسبين إلى وزارتي الدفاع والداخلية، خصوصًا أن المعلومات تفيد عن عدم اقتناع الأميركيين بقدرات وزارة الدفاع السورية (ترى فيها شريكًا غير مناسب حتى الآن)، لذلك تحصر القوات الأميركية علاقاتها العسكرية والأمنية بوزارة الداخلية السورية، التي ترى أنها تتقدم في التنظيم والتجهيز والقدرات العملية على وزارة الدفاع.
وكذلك سيُضعف هذا الحادث من حجج السلطات السورية المتعلقة بمحاولاتها الحثيثة لسحب ملف الشراكة في محاربة الإرهاب من “قسد” وحصره بالدولة السورية، وسيقوّي من موقف “قسد” بالمقابل.
وهنا، تفيد معلوماتنا الخاصة أنّ رتلًا يتضمّن حمولة كبيرة من الأسلحة الأميركية النوعية والحديثة قد وصل إلى مناطق “قسد” بعد أقلّ يومين من الحادث بالفعل.
ومن جانب مقابل، أراد تنظيم “داعش” أن يثبت أنه انتقل إلى مرحلة الهجوم، وأنه قادر على تنفيذ عمليات من المسافة صفر، وأنه تمكّن من التغلغل في الداخل إلى مستوى خطير جدًّا خلال السنة الأخيرة، بعد وصول الفصائل إلى دمشق ومباشرتها الحكم.
وهنا، نرى أن أحد أهداف التنظيم في هذه المرحلة، هو إثبات ضعف السلطات السورية، وتقويض ثقة العالم الخارجي بالدولة السورية الجديدة ومؤسساتها، التي من المتوقع أن تصبح خلال هذه المرحلة، هدفًا أكيدًا لهجماته، وقد أكّد التنظيم على هذا الأمر خلال إصداره الأخير هذا الأسبوع.
وفي النتيجة، أتت عملية “عين الصقر” العسكرية، لتؤكد أن هجوم “تدمر”، بكل تفاصيله الخطرة لجهة تأثيرها على الموقف من المؤسسات العسكرية والأمنية السورية، لن يدفع الولايات المتحدة والقوى الغربية إلى تقليل الإعتماد على الدولة السورية أو فك الحلف الجديد معها، بل من المرجّح أن تسعى الولايات المتحدة وشركائها الغربيين في “التحالف”، إلى تعزيز قدرات السلطة السورية على صعيد مكافحة الإرهاب على وجه الخصوص، وذلك من خلال دعمها بالإمكانات التدريبية والأمنية والمعلوماتية، لتمكين أجهزتها من العمل بشكل أفضل، لتنفيذ الدور المطلوب منها دوليًّا، وبالتالي تمتين الحلف معها على هذا الصعيد، خصوصًا أن الوقائع الميدانية المتعلقة بنشاط تنظيم “داعش” وطريقة انتشاره الجديدة في البادية، وفي المناطق المفتوحة عليها من كل الجوانب، كما في الداخل السوري، تشير إلى احتمال حدوث مواجهات وتصعيد كبير ومختلف في أشكاله وطرائقه على مسار ” مكافحة الإرهاب” في المرحلة المقبلة.
وفي المقابل أيضًا، فإنّ الحدث أكّد على أهمية “قسد” ودورها، والذي من المرجّح أن يأخذ بدوره أشكالًا وأبعادًا جديدة، قد تتجاوز المساحة الجغرافية التي تتواجد عليها القوات الكردية منذ سنوات، وقد يتجلّى هذا الأمر من خلال عملية “الدمج” العسكري لقسد ضمن مؤسسة وزارة الدفاع السورية، تنفيذًا للاتفاق الذي جرى في مارس / آذار الماضي، والذي يجري الحديث بكثرة هذه الأيام، عن ضرورة الإنتهاء منه في هذه المرحلة.
وبالتالي، قد نكون قاب أو قوسين أو أدنى من عملية “دمج” تتناسب تمامًا من الرؤية الكردية للأمر، وقد نرى قوات “سوريّة” من “قسد” ذاتها، تقاتل “داعش” إلى جانب الأميركيين ووحدات سورية أخرى، في أمكنة ومواقع جديدة وبعيدة نسبيًّا عن حدود محافظات الحسكة والرقة ودير الزور.
الميادين
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.



