مقالات
المسألة اللبنانية والأطروحة المشرقية

لا يزال لبنان بمأزق غير مسبوق! ويكاد يبلغ الخطر، من دون مبالغة، حيّز وجود الكيان نفسه، بما فيه البلد والدولة والنظام والمجتمع والشعب!
ثمّة مشكلات عميقة؛ وثمّة تعقيدات لا يمكن التقليل، ولا التخفيف، من وزرها؛ كذلك ثمّة تراكمات، هي ثقيلة، ومرشّحة لأن تتزايد وتتفاقم.
فأين يقف البلد، اليوم بالتحديد، في مثل هذه اللحظة التاريخية: على مفترق الطرق، أم على قارعة الطريق، متروكاً لقدره، ويواجه مصيره؟
انهيار القطاع المصرفي في لبنان
لقد كان الانهيار المالي والنقدي للمصارف في لبنان إيذاناً بدخول البلد، أو ربما إدخاله، في نفق مظلم، لن يكون خروجه منه، وحتى إخراجه، أمراً يسيراً، ولا متيسّراً.
فمثّل وشكّل “الحدث” الكبير والعظيم بداية مرحلة، هي الأصعب والأخطر، في تاريخ هذا الكيان السياسي، الحديث والمعاصر! إلا أنّ “حادثة” انهيار قطاع المصارف، ومعها تدهور سعر صرف النقد الوطني، لم تكن حادثا معزولاً على الإطلاق.
هو ليس كذلك قطعاً وحكماً وحتماً! هناك من يقف خلف مثل هذا القرار ومثل هذه الخطوة بالانتحار على شاكلة “السقوط الحرّ” في هذه الهاوية إلى الدرك وحتى القعر، من دون أيّة كوابح، ولا مكابح! لم تكن كلّ هذه المشهدية التراجيدية برمّتها، الدراماتيكية والراديكالية، بنسف الدور والوظيفة من الأساس، مجرّد مشهد سفسطائي وسوريالي من “الفيلم الأميركي الطويل” لصاحبه الفنان الراحل زياد الرحباني!
انفجار المرفأ التجاري في بيروت
لم تقف الأمور عند حدود الانهيار الفظيع الذي شهده البلد لقطاعه المصرفي، بل تعدّته إلى انفجار المرفأ التجاري في قلب العاصمة، ربما “تفجيره”، بكلّ معنى الكلمة، عن سابق إصرار وترصّد، في جريمة موصوفة، ومكتملة الأركان.
وهي، بالتأكيد، تحتمل النقاش، كفرضيّة سياسية، كما تستأهل البحث ـــــ أو محاولة البحث على الأقلّ ـــــ عن ماهية/هوية الجهة المعادية التي ربما تكون قد ارتكبت، بل اقترفت، مثل هذا الفعل أو هذا العمل الإجرامي والإرهابي!
من حقّ اللبنانيين التأمّل والتفكّر في هذه الفرضيّة وهذا السيناريو، وبعد التوقّف عندهما، بقصد الوصول إلى الحقيقة؛ ومن واجبهم أيضاً التفكير في كيفيّة التوصّل إلى هذه الحقيقة. لا يجوز الإذعان لذلك اليقين اللعين، المشوَّه والهدّام، بأنّ معرفة الحقيقة “مهمة مستحيلة”!
دور لبنان التاريخي في المنطقة كمركز مالي ووسيط تجاري
مما تقدّم، هناك مؤامرة خطيرة، نالت من لبنان ودوره الإقليمي. ثمّة مخطط تآمري، أفضى لضرب وظيفة البلد في المنطقة، دون سواه، كمركز مالي إقليمي ووسيط تجاري إقليمي. فقد اضطلع لبنان بدوره المالي والتجاري، بالنسبة إلى الودائع العربية من الرساميل العربية على خط المصارف اللبنانية أولاً، كما بالنسبة إلى المنتجات الغربية من المصانع الغربية على خط الأسواق العربية ثانياً.
واستمرّ لبنان في أدائه هذا الدور الوظيفي، بما له وبما عليه، من مزايا له بموقعه، وامتيازات لدوره هذا ووظيفته تلك ومكانته معهما. وعليه، فإنّ ضرب القطاع المصرفي وتدمير، أو بالحد الأدنى تخريب، المرفأ التجاري من شأنهما انتزاع هذه الامتيازات وتلك المزايا من لبنان في قلب المشرق العربي، وعلى بوابة المدخل إلى المنطقة العربية، بما فيها دول الخليج، وعلى ضفاف البحر الأبيض المتوسط، وفي قبالة الشركاء الغربيين وعلى تخومهم، ولا سيما الأوروبيين والمتوسطيين.
فكم هو سيّئ وخطير الرصد العلمي، وغير المسيَّس، وبالاستدلال العقلي والمنطقي، لهذه الوقائع والحقائق والمعطيات والمستجدّات، ومن ثمّ البوح بها، للتاريخ، ومن باب الأمانة، على مرأى ومسمع عامّة الناس من الرأي العامّ والشعب؟!
دور لبنان المستقبلي في المنطقة
أما وقد فقد لبنان دوره حتى إشعار آخر، فإنه، بذلك، إنما يخسر شيئاً من شرعيّته السياسية ومشروعيّته القانونية، أو لنقل الدستورية، في الوجود والبقاء على قيد الحياة ضمن إطار النظام الإقليمي الجديد، كما النظام العالمي الجديد، بل المتجدّد!
من هنا، لا بدّ من البحث، في أقرب فرصة ممكنة، وفي أسرع وقت ممكن، إن عاجلاً أم آجلاً، بمحدّدات ومقوّمات ومفردات الدور الجديد والمتجدّد الذي يمكن للبنان أن يؤدّيه وفق الأطروحة المشرقيّة، باعتبار هذا المشرق المجال الحيوي والامتداد الإقليمي ضمن هذا الشرق، وكذلك على خارطة الإقليم خصوصاً والعالم عموماً.
ربما تحضرنا هنا كلّ من فكرة القومية السورية مع الزعيم الراحل أنطون سعادة، وفكرة المسيحية المشرقية مع الرئيس العماد ميشال عون. فكيف لنا في لبنان أن نفتح الباب ونفسح المجال أمام الانخراط في مثل هذه المنظومة الإقليمية من التفاعل الإيجابي مع الجوار؟ وهل الظروف والأوضاع والأحوال، الداخلية والخارجية، مناسبة ومؤاتية لإطلاق مثل هذه المبادرة؟
لم يرتقِ بعد الكثير من اللبنانيين إلى مستوى المسؤولية السياسية، بل المسؤولية التاريخية، التي تفترضها هذه اللحظة التاريخية، ضمن إطار السياق السياسي، كما التوقيت الزمني، في البلد والمنطقة والعالم، ولا سيما الإقليم المشرقي، المتفجّر والمتشظّي.
ويبقى السؤال هو: هل يمكن أن يجد لبنان لاحقاً ضالته بانتمائه المشرقي، بينما لم يبادر إليه سابقاً؟
الميادين
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.



