كتبت “الديار” تقول: مما لا شكّ فيه أن قرار البرلمان الأوروبي يحمّل خرقًا فاضحًا للسيادة اللبنانية بكل أبعاده.
هذا التعدّي على السيادة تمثّل بقرار البرلمان الأوروبي الذي دعم بقاء النازحين السوريين في لبنان وتغاضى عن الخطر الذي يُشكّله هذا الوجود على الكيان اللبناني خصوصًا من الناحية الإقتصادية.
فالكلفة الإقتصادية الهائلة الناتجة عن الوجود السوري يتحمّلها لبنان وحده من دون أي مساعدة أوروبية ولا حتى دولية وازنة.
أبعد من ذلك، عدّة مؤشرات ظهرت في الآونة الأخيرة وتُشير إلى أن عملية دمج السوريين في المجتمع اللبناني أصبحت قيد التنفيذ. من هذه المؤشرات يُمكن ذكر:
أولًا – ناقوس الخطر الذي دقّه الأردن فيما خصّ توجه الأمم المتحدة لوقف المساعدات للنازحين؛
ثانيًا – الطلبات التي تقدمت فيها بعض المؤسسات الدولية للسماح للنازحين السوريين بالعمل في لبنان بشكل رسمي؛
ثالثًا – التهديدات التي تقدمت فيها بعض المؤسسات الدولية للقطاع التربوي بفتح أبوابها للطلاب السوريين خلال الصباح تحت طائلة وقف كل المساعدات للقطاع.
هذه المؤشرات وغيرها، بالإضافة إلى قرار البرلمان الأوروبي توحي بأن عملية دمج النازحين السوريين في لبنان بدأت وهي تسير على قدمٍ وساق من دون أن يكون هناك ردّة فعل على المستوى المطلوب من قبل السلطة اللبنانية وحتى من قبل القوى السياسية التي قرأت كلٌ منها ما يُناسبها في قرار البرلمان الأوروبي.
البيان إحتوى على عدة قرارات شملت كل أبعاد الأزمة اللبنانية من السياسة إلى الأزمة الإقتصادية والإنتخابات البلدية والتحقيقات في ملف مرفأ بيروت والفساد في الإدارة العامة:
– سياسيًا، حمّل القرار مسؤولية ما يحصل في لبنان إلى السياسيين في كل الطبقة الحاكمة، وحثّ المجلس النيابي اللبناني على إنتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت، بالإضافة إلى إقرار الإصلاحات اللازمة ومع الطلب إلى القادة اللبنانيين إعطاء الأولية للمصالح الوطنية.
– إنتخابيًا، طالب الإتحاد الأوروبي وزارة الداخلية والبلديات الإلتزام بإجراء الإنتخابات البلدية خلال ستة أشهر ودعى إلى نشر بعثة لمراقبة الإنتخابات مع حث الإتحاد الأوروبي على تقديم كل المساعدات الفنية والمالية لهذا الأمر.
– الأزمة الإقتصادية: طالب الإتحاد بنشر بعثة استشارية إدارية شاملة تابعة للاتحاد الأوروبي لمواجهة الانهيار المتسارع للإدارة العامة والخدمات الأساسية وذلك عبر توفير خطة عمل لهذا الأمر. كما دعا الحكومة اللبنانية إلى تنفيذ إصلاحات إدارية وإقتصادية ومالية تضمن الانتعاش السياسي والاقتصادي وخصوصًا قطاع الكهرباء. ودعا الإتحاد أيضًا إلى تشكيل فريق عمل إنساني دولي تحت رعاية الأمم المتحدة لدعم تنفيذ المساعدة الإنسانية والإشراف على استخدام الأموال. وعبّر الإتحاد عن الحاجة إلى تعزيز الحلول المستدامة لمعالجة أزمات انعدام الأمن الغذائي والطاقة والحاجة إلى تقديم الدعم الإنساني المباشر عبر دعم المزارعين والعاملين الزراعيين وأشكال الدعم الأخرى لإنتاج الغذاء المحلي بالإضافة إلى الإستثمار في البنية التحتية لتوليد الطاقة المتجددة في البلاد.
– تفجير مرفأ بيروت: طالب الإتحاد بتحقيق شفاف ومستقل وحيادي وفعال في انفجار مرفأ بيروت وإعتبره أولوية يجب ضمانتها. وطالب السلطات اللبنانية بالمساعدة على التحقيق مع المسؤولين عن القرارات التي أدت إلى الانفجار ومحاسبتهم.
كما طالب بإرسال بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق إلى لبنان للتحقيق في انفجار بيروت في إطار الأمم المتحدة مع الإصرار على محاسبة المسؤولين بشكل مباشر أو غير مباشر عن الخسائر في الأرواح والأضرار جراء الإنفجار.
وحث الإتحاد السلطات على التعاون الكامل مع القاضي بيطار، الذي يقود التحقيق في ملف مرفأ بيروت.
وطلب الإتحاد من الدول الأعضاء مساعدة عائلات ضحايا انفجار المرفأ قانونيًا لرفع دعاوى قضائية في محاكم وطنية وأجنبية ومحاكمة السياسيين المتهمين بارتكاب فظائع بموجب الولاية القضائية العالمية، طالبًا من مجلس حقوق الإنسان إصدار قرار بإنشاء وإرسال بعثة تقصي حقائق مستقلة ومحايدة من أجل تحديد ظروف الإنفجار.
– القضاء والفساد: طالب الإتحاد بإستقلالية القضاء ومنع التدخل السياسي وذلك عبر حث السلطات اللبنانية على احترام الإجراءات القضائية واستقلال القضاء. وطالب بالحدّ من سلطة المحكمة العسكرية وحصر تدخلها في العسكر، ودعا إلى تطبيق عقوبات ضد كل من يخالف العملية الديموقراطية والانتخابية في المؤسسات اللبنانية، أو يعيق التحقيق المحلي في انفجار مرفأ بيروت أو تحقيق دولي وشيك عبر بعثة تقصي حقائق وذلك عبر وضع اليدّ على الأصول التي يمتلكوها في الاتحاد الأوروبي. وشجب الإتحاد سوء الإدارة والاحتيال المتعلقة بالمشاريع الممولة من الاتحاد الأوروبي بسبب الافتقار إلى الشفافية والرقابة وضعف معايير الاختيار والعطاءات وحفظ السجلات، ودعا المفوضية ومكتب المدعي العام الأوروبي للتحقيق في قضية سوء الاستخدام المزعوم لأموال الاتحاد الأوروبي لمرافق إدارة النفايات مُطالبًا بإشراف مباشر من قبل الإتحاد الأوروبي على المشاريع.
– النازحين السوريين: شدد الإتحاد الأوروبي على عدم تلبية الشروط للعودة الطوعية والكريمة للاجئين في المناطق المعرضة للصراع في سوريا.
وطالب بتوفير تمويل كاف ومتعدد الطبقات للوكالات التي تعمل مع اللاجئين من أجل ضمان التوفير الكامل للخدمات الأساسية لمجتمعات اللاجئين في لبنان.
وشدد على أن عودة اللاجئين يجب أن تكون طوعية وكريمة وآمنة، وفقا للمعايير الدولية (!)، مُطالبًا بالإستمرار بتقديم المساعدات الإنسانية للسكان اللبنانيين واللاجئين، مع ضوابط صارمة.
وإنتقد الإتحاد الأوروبي الخطاب المناهض للاجئين من قبل الأحزاب السياسية والوزراء اللبنانيين.
– إسرائيل: أعرب الإتحاد الأوروبي عن دعمه لعمل اليونيفيل على طول الحدود اللبنانية – «الإسرائيلية» ودان بشدة جميع الهجمات على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ودعا إلى محاسبة المسؤولين.
كما رحّب بالتوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل وشجع البلدين على مواصلة مشاركتهما «البناءة».
بالطبع، هذه القرارات غير مُلزمة إلا للدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، إلا أنه وبحسب مصادر مُطلعة، لا خيار أمام السلطة اللبنانية إلا الإنصياع نظرًا إلى الضغوطات الكبيرة التي تُمارس عليها من باب أن أصولها المالية موجودة بقسم كبير في الإتحاد الأوروبي وبالتالي وبحسب المصادر نفسها، هناك شبه إلتزام كامل من قبل لبنان على الرغم من الإعتراضات الكبيرة من قبل القوى السياسية اللبنانية على القرار وبالتحديد ملف النازحين السوريين.
وإذا كان هناك دعوات من قبل البعض إلى فتح باب الهجرة للنازحين السوريين إلى أوروبا على غرار ما فعلت تركيا، إلا أن المصادر نفسها تؤكّد أن هذا الأمر لن يحصل بسبب مخاوف المسؤولين المرتبطين بملفات عديدة والتي ستطالهم إجراءات الإتحاد الأوروبي.
على صعيد أخر، ينتظر لبنان مفاجآت فيما يخص ملف حاكمية المصرف المركزي حيث أنه من المتوقّع إنحصار الإحتمالات بين سيناريوهين لا ثالث لهما:
الأول، وينص على تقديم نواب الحاكم إستقالاتهم من مناصبهم مع قبول الحكومة هذه الإستقالات والطلب منهم تسيير المرفق العام حتى تعيين حاكم وأعضاء للمجلس المركزي. وهذا الأمر يعفي نواب الحاكم من أية مسؤولية قانونية في القرارات القادمة التي سيأخذونها.
الثاني، وينص على عدم تقديم الإستقالات وفي هذه الحالة هناك حاجة لتغطية قانونية من قبل المجلس النيابي وسياسية من قبل القوى السياسية وبالتحديد المسيحية وهو ما يعني تأمين عدم ملاحقة قانونية مُحتملة بحق النواب للقرارات القادمة.
ولكن ما هي هذه القرارات القادمة التي تتطلّب غطاء سياسيا وقانونيا؟
بحسب مرجع إقتصادي كبير، هناك توجّه لنواب الحاكم لإنشاء منصّة بديلة لمنصة صيرفة بالتعاون مع وكالة بلومبرغ حيث سيمتنع مصرف لبنان على التدخل في هذه المنصة مما يعني تحرير كامل لليرة اللبنانية بناءً على طلب صندوق النقد الدولي الذي تعهد نواب الحاكم تنفيذه. هذه المنصة سيكون لها تداعيات على ثلاثة مستويات:
المستوى الأول – تمويل الحكومة التي كان يقوم بها مصرف لبنان من خلال شرائه الدولارات على منصة صيرفة وهو ما يعني توقّف المركزي عن الشراء وبالتالي المسّ بالإحتياطي الإلزامي – أي أموال المودعين لهذا الأمر.
المستوى الثاني – تمويل التعميم 158 (200 دولار شهريًا لكل مستفيد) والذي كان يموله المصرف المركزي من شراء الدولارات في السوق (وهو ما يُبرّر بقاء الإحتياطي الإلزامي على مستواياته منذ فترة) وبالتالي ومع إلغاء إمكانية التدخل من قبل المركزي قد يتم المس بالإحتياطي الإلزامي.
المستوى الثالث – أجور القطاع العام والقطاع الخاص التي كان تؤمّن مساعدة لذوي الدخل المحدود. وبالتالي لا معلومات عن كيفية تأمين الحكومة لأجور القطاع العام بالدولار ولا عن كيفية إعطاء القطاع الخاص أجوره بالدولار كما كان يتم عبر التعميم 161.
من كل ما تقدّم، هناك مخاوف كبيرة على الإحتياطي الإلزامي البالغ 9.5 مليار دولار أميركي والذي قد يتم إستنزافه بفترة ضئيلة مع إحتمال صعود الدولار في السوق السوداء والذي لن يختفي على الرغم من إنشاء منصّة جديدة نظرًا إلى وجود أموال وسخة في السوق، بحسب المرجع الإقتصادي.
من هنا يؤكّد المرجع أن زيارة منصوري (نائب الحاكم الأول) إلى الولايات المُتحدة الأميركية تحمل خفايا لم يتمّ الكشف عنها وستظهر على شكل مفاجآت في الأيام والأسابيع القادمة.