مقالات

١٣ نيسان ١٩٧٥.. حرب لبنان الأهلية تنذكر وما تنعاد

بوسطة عين الرمانة، شرارة الحرب الأهلية في ١٣ نيسان ١٩٧٥، هذه الحرب التي فتحها حزب “الكتائب” في لبنان على الفلسطينيين، دون أن يستشير أحداً و التي دامت ١٥ عاماً و أدت إلى تدمير الحجر والبشر. حربٌ يصفها هذا الحزب بأنها وجودية، ويُرَدِّد أنه تحالف مع الشيطان لحماية هذا الوجود، لتبرير تعامله مع “إسرائيل” في تلك الحقبة.

 هذا العذر لا يستقيم، لأن من تسبب بمشكلة الوجود الفلسطيني في لبنان هو هذا “الإسرائيلي” الذي لولا احتلاله لأرض فلسطين وطرد سكانها ليلتجئوا إلى الدول المجاورة ومنها إلى لبنان لما كان هناك نزاع بين حزب “الكتائب” والفصائل الفلسطينية. فكيف يبرر هذا الحزب تعامله مع “الإسرائيلي” وهو من تسبب بخلق هذه المشكلة؟

 وقول هذا الحزب، إنه مستعد للتعامل مع الشيطان للحفاظ على وجوده يمكن اعتباره صحيحًا، فتعامله مع الشيطان يمكن تفهمه، ولكن بالتأكيد ومن سابع المستحيلات تفَهُّمَه عندما يكون مع “إسرائيل” التي تسببت بهذه المشكلة.

انقسم لبنان بين مؤيد مسلم وبعض المسيحي، للفلسطيني في السماح له بتنفيذ عمليات فدائية ضد “الإسرائيلي” لاستعادة أرضه، ومعارض مسيحي لهذه الأعمال، مما تسبب بتحول الحرب إلى حربٍ أهلية طائفية قسمت لبنان والعاصمة بيروت إلى شرقية وغربية لتدور معارك طاحنة بين الجانبين أدت إلى إرتكاب المجازر.

تحالف القوى المسلمة مع الفلسطيني والأحزاب العلمانية كالشيوعي والقومي جعل حزب الكتائب والأحرار في مأزق، أجبر زعماءَه بيار الجميل وكميل شمعون على اللجوء سنة ١٩٧٦ إلى الرئيس حافظ الأسد لطلب النجدة، فدخل الجيش السوري إلى لبنان مسانداً الأحزاب المسيحية لضرب الفلسطينيين والقوى المتحالفة معهم.

 دخل الجيش السوري إلى لبنان سنة ١٩٧٦، ولم يخرج حتى العام ٢٠٠٥ على أثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث وجهت أصابع الاتهام للنظام السوري باعتباره من ارتكب هذه الجريمة. مما دعى عدداً من الدول العربية إلى الطلب من بشار الأسد سحب جيشه من لبنان وإلغاء نفوذه.

حرب طائفية محت الأخضر واليابس استمرت ١٥ عامًا فتحها حزب الكتائب دون استشارة أحد بغض النظر إن كان محقاً أم لا. بالنسبة له رأى أن هناك خطرًا وجوديًا على لبنان وعلى المسيحيين فيه، فارتأى أن يفتح حرباً لحماية هذا الوجود. الأمر الذي يعيبه على المقاومة عندما فتحت حرباً على “إسرائيل” لسبب وجودي أيضاً.

هذه الحرب الأهلية التي تحولت من حرب بين حزب الكتائب و الفلسطينيين إلى حرب بين المسيحيين و المسلمين أبناء الوطن الواحد، حيث بقي حزب الكتائب وحزب القوات اللبنانية الذي تفرع عنه، يتعاملان مع العدو “الإسرائيلي” لقتال شريكهما في الوطن، وكانا عوناً ل”الإسرائيلي” في اجتياحه للبنان عام ١٩٨٢، حيث كان منزل بشير الجميل غرفة عمليات لشارون في أثناء هذا الاجتياح.

 هذا “الإسرائيلي” الذي نصب بشير الجميل رئيساً للجمهورية، والذي اغتيل بعد فترة وقبل توليه سدة الرئاسة، فقام هذا الحزب وارتكب المجازر بحماية الجيش “الإسرائيلي” (صبرا وشاتيلا).

يدعي هذا الحزب أنه مقاومة، وأن مقاومته كانت تستهدف ابن بلده، ولم يطلق طلقة واحدة على العدو “الإسرائيلي” منذ تكوينه حتى اليوم، لا بل تعامل معه مدعياً أنه يريد أن يحافظ على وجوده الذي كان بخطر من جراء تفلت السلاح الفلسطيني في لبنان، هذا الفلسطيني الذي لجأ إلى لبنان بسبب الاحتلال “الإسرائيلي”.

عصابة اقتحمت منزل جارك وطردته منه فالتجأ إلى منزلك، وشاركك فيه، وبدأ بمضايقتك، فقمت باللجوء إلى العصابة التي طردته من منزله لتعاونك على طرده من منزلك!؟

أين المنطق في هذا المبدأ الذي يتغنون به منذ عقود مدعين أنهم مقاومة.

حرب طائفية استمرت ١٥ عاماً شنها حزب الكتائب دون استشارة أحد، أدت إلى دمار البشر والحجر وإلى دخول الوصاية السورية بطلب من هذا الحزب والتي استمرت نحو ثلاثة عقود والتي انتهت باغتيال الرئيس رفيق الحريري ليدعي هذان الحزبان ومن يدور في فلكهما أنهما من حرروا لبنان من الوصاية السورية.

الآن، هذا الفريق نفسه يعيب على المقاومة أنها فتحت حرباً على “إسرائيل” دون استشارة أحد.

لبنان بلد المتناقضات، بلدٌ لا يستطيع كتابة تاريخه، لوجود خلافات جذرية عليه بين مكوناته، بحيث إن الأبيض عند هذا الفريق، أسودٌ عند الفريق الآخر.

بلدٌ نظامه طائفي بغيض، لا يستطيع أن ينتخب رئيساً إلا بضغطٍ دولي، ولا أن يشكل حكومة إلا بعد تدخل الإنس والجان وقطع سبعة بحور وضرب المندل. نظام لا يستطيع محاسبة فاسد، ولا مرتكب بسبب الحمايات الطائفية.

بلد لم يتعلم من الحروب والأحداث المتكررة كل فترة من الزمن، ليعود فرقاؤه إلى التناحر عند أول مفترق طرق، ليقوم كل فريق بتخوين الآخر، فريق صهيوني وفريق آخر إيراني. بلد لا توجد دولة في العالم إلا وتتدخل فيه.

بلدٌ يعيش تحت الوصاية منذ نشأته، لم يثبت يوماً أن شعبه يستطيع أن يحكم نفسه فهو بحاجة دائمة إلى تدخل هذه الدولة أو تلك لتحل العقد فيه.

بلدٌ لديه ثروة نفطية لم يستطع حتى الآن البدء بالتنقيب عنها بسبب الخلافات الداخلية التي تجعل الضغط الدولي يتغلغل بسهولة ويتحكم بقراراته المصيرية. بلدٌ مؤسساته مهترئة ينخرها الفساد بسبب هذا النظام الطائفي.

تريدون دولة ذات سيادة قادرة مقتدرة عادلة؟ دمروا هذا النظام السياسي، وتحولوا إلى نظام ديموقراطي بالكامل، بحيث يحق لكل مواطن فيه أن يتبوأ أي منصب، شرط أن يكون كفؤًا ونظيف الكف وإلا عبثاً تحاولون.

منير شحادة _ العهد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى