اقتصاد

الضمان يوظّف الأموال في المصارف… هل يدرس المخاطر أم يكتفي بالأسعار؟

تسعى إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى توظيف سيولة الصندوق بقيمة 50 ألف مليار ليرة في المصارف التجارية الخاصة، وتكرّس لهذا الأمر جهداً لا يتوازى مع جهدها تجاه المضمونين في إعادة التغطية الصحية إلى مستويات ما قبل الأزمة.

والصندوق، كما يبدو، يثق بالمصارف التجارية، ولا يثق بمصرف لبنان، فضلاً عن أنه لا يبدو مدركاً بأن الأموال التي يوظّفها لها تأثير مباشر على وضعية السيولة المتداولة في السوق في رفع أسعار الفائدة على الليرة أو في خفضها.

ولا يبدو مدركاً للمخاطر الفعلية في السوق ولا تدفعه إلى إثارة أسئلة من نوع: ما الذي تقوم به المصارف لتدفع 20% فوائد بينما لم يستطع المصرف المركزي أن يدفع أكثر من 10%؟ هل اقتراح الإدارة قبل بضعة أسابيع برفض عرض المصرف المركزي توظيف هذه الأموال مقابل 10% هو منطقي مقارنة مع أملها بأن يوافق مجلس الإدارة على توظيف الأموال لدى المصارف التجارية بفائدة 20%؟ أليست الفائدة المرتفعة مؤشّراً إلى ارتفاع المخاطر، وأن التوظيف يتم لدى مصارف مفلسة أصلاً، وهو فخّ سبق أن وقع فيه الصندوق في مدة ما قبل الانهيار؟

يروي أعضاء في مجلس إدارة الضمان، أن إدارة الصندوق بدأت تمارس ضغوطاً على أعضاء المجلس من أجل الاستحصال على موافقتهم على توظيف أموال إضافية في المصارف. بدأ ذلك خلال جلسات مناقشة اعتمادات الموازنة الأسبوع الماضي حين طلبت الإدارة فتح اعتماد بقيمة 50 ألف مليار ليرة لتوظيفها في المصارف، علماً أنّ الموازنة التي أقرّها المجلس قبل 3 أسابيع وأرسلها للاستحصال على مصادقة سلطة الوصاية، أي وزارة العمل، لحظت مبلغ 50 ألف مليار للتوظيف في المصارف.

ما يعني أنّ الإدارة ترغب في مضاعفة حجم التوظيفات في المصارف التجارية بنسبة 100% من خارج الموازنة.

وفي إطار هذا المسعى الذي تصفه مصادر مجلس الإدارة بـ«غير المبرّر»، تبيّن أن إدارة الضمان تنوي استخدام أموال فرع المرض والأمومة، بينما يحدّ «قانون الضمان أموال فرع نهاية الخدمة حصراً لاستخدامها في التوظيف في المصارف. رغم ذلك هدّدت «الإدارة بتحميل أعضاء المجلس مسؤولية أي تأخير في إصدار الموافقة، واعتبرت أنّ زيادة مدّة النقاشات ستؤدي إلى هدر أموال الضمان بسبب تأخير استخدام المبالغ في التوظيفات في المصارف التجارية» وفقاً لما يقوله أحد أعضاء المجلس لـ«الأخبار».

في النتيجة، رفض 7 أعضاء من مجلس الإدارة استخدام أموال التقديمات، أي أموال فرع المرض والأمومة، للتوظيف في المصارف.

ولكن لم يقفل النقاش، تقول المصادر، بل أجّل إلى حين تحصيل مصادقة وزارة العمل ووزارة المال على الموازنة.

إلا أنّ الأعضاء الرافضين لزيادة حجم التوظيفات أصرّوا خلال النقاشات على أنّ الأولوية في استخدام هذه الأموال هي زيادة التقديمات للمضمونين بشكل حقيقي، لا على شكل بيانات إعلامية من دون أن يلمس المضمون أيّ تغيير.

فعلى سبيل المثال، لا تزال تغطية الضمان للأدوية العادية في الصيدليات بنسبة 15% من سعرها الحقيقي، وكذلك لا يغطي الضمان الفحوصات المخبرية سواء في المستشفيات أو خارجها سوى بالنسبة ذاتها، ما يزيد من الأعباء على المضمونين.

ولا تزال المستشفيات تزيد على فواتير أسرّة المضمونين وما يعرف بالمستلزمات الطبية من ضعف إلى ضعفي الفاتورة الاستشفائية للمضمون وتفرض على المضمون خلافاً لعقودها مع الضمان، أن يدفعها من جيبه الخاص.

ورداً على تحميلهم مسؤولية هدر أموال الضمان من قبل الإدارة، قال أحد الأعضاء إنّ «الضمان ليس بنكاً يجمّد الأموال لتحصيل أرباح إضافية».

بل على إدارة الصندوق العمل بجدّ للعودة إلى نسبة تغطية 90% للمضمونين بعيداً من التصريحات الإعلامية، لافتاً إلى حاجة الصندوق إلى السيولة لتلبية حاجات المضمونين، ولا داعيَ للذهاب نحو المصارف لتجميد الأموال وحجزها مقابل أرباح غير ملموسة (دفترية).

هذا ما عبّر عنه أعضاء المجلس السبعة المعترضون أثناء النقاش في فتح اعتمادات إضافية في الموازنة قبل تصديقها، مشيرين إلى أن الأمر غير نظامي ولا يراعي النظام المالي الخاص بالضمان، ومعتبرين أنّ الأولويّة هي لتحصيل مصادقة وزارتي العمل والمالية على الموازنة قبل التصرّف بالأموال وفتح اعتمادات جديدة، ثم تتحمل وزارة العمل ووزارة المال كلّ المسؤولية عن طريقة إدارة الأموال في الضمان.

وبحسب هؤلاء الأعضاء، فإن مبرّر هذا المنطق هو أن «المصارف مفلسة، وتحتاج إلى سيولة بالعملة الوطنية»، وهو أمر كافٍ لإثارة الريبة تجاه مطامع المصارف في أموال الضمان التي سبق أن انخفضت قيمتها بانهيار سعر الصرف وتجميدها في المصارف وفشل إدارة الضمان في التعامل مع هذا الأمر أو حتى استباق الأزمة التي حُذّرت منها.

فوفقاً لتعبيرهم، إن الفوائد العالية المعروضة من المصارف التجارية على إدارة الصندوق بنسبة 20% مثيرة للشكوك، لا بل إن هذا السلوك قد يكون بمنزلة استعادة لسيناريو عام 2019، أي إنه قد لا تكون هناك ضمانة بأن المصارف ستدفع الأموال المترتبة عليها في حال تجميدها.

فالضمان هو بمنزلة أحد المودعين اليوم في المصارف، ويمتلك مبالغ مالية كبيرة فيها، ولا يستطيع تحصيلها بالعملة الأجنبية نقداً، بل بالليرة وعلى أساس 15 ألف ليرة لكلّ دولار.

من جهة ثانية، انفتح أعضاء في مجلس إدارة الضمان على التوظيف الآمن لأموال الضمان بعيداً من المصارف.

وطرحوا إمكانية التوظيف في العقارات، والتي تؤمّن للصندوق عائدات نقدية وتحافظ على قيمتها السوقية في حال تغيّر أسعار العملة.

ولكنّ هذا الطرح لم يغرِ الإدارة الراغبة في تحصيل الأرباح السريعة، بعيداً من دراسة الجدوى والأمان المالي، يقول الأعضاء. أليس غريباً أن يكون عرض المصرف المركزي مرفوضاً لأن فائدته منخفضة، بينما هناك قبول للعرض من المصارف التجارية لأن فوائدها مرتفعة؟ ألا يثير الأمر سؤالاً عن النشاط الذي تمارسه المصارف ويخلق أرباحاً كهذه؟

الاخبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى