“أخي أبو علي، لا كلمات تكفي لوصف الوجع، فليس المطعم وحده ما فقدنا اليوم، بل فقدنا جزءاً من عمرنا، من ضحكاتنا، من ليالٍ كنا نظنها ستدوم. لكن اعلم يا صاحبي، أن الأماكن تُهدم، أما الذكريات فلا قنبلة تمحوها، ولا حرب تقدر على إطفاء دفئها.
سيظل مكانك حياً في قلوبنا، وستعود أقوى، وسنعود لنضحك من جديد، لأننا لم نخسر المكان… بل كسبنا صلابة لا تُهزم”.
بهذه الكلمات، خاطب أحد الناشطين صاحب كافيه “ديوان السيد”، الذي دمرته طائرات الاحتلال أمس الجمعة في عدوانه على الضاحية الجنوبية لبيروت، فاستهدفت مبنى في منطقة الحدث، ما أدّى إلى تدميره بالكامل، وقد سبق ذلك عدوان بإطلاق 3 “غارات محدودة” في المنطقة.
يواصل الاحتلال انتهاكاته لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان منذ الأيام الأولى لسريانه. وخلال الأيام الماضية، صعّد العدوان على القرى اللبنانية في الجنوب والبقاع، حيث شنّ سلسلة من الغارات أسفرت عن شهداء وجرحى.
إذا كان “جيش” الاحتلال قد اتخذ قراره بالتصعيد، للضغط على لبنان وصولاً إلى “التطبيع”، فإن ذلك لن يسير كما تشتهي سفنه، والسبب واضح: رفض لبناني رسمي شبه جامع، والأهم إرادة شعبية لبنانية لا تزعزعها أعاصير أعتى جيش في المنطقة، وما شهده العالم من تصد لألوية نخبة “الجيش” الإسرائيلي في كفركلا والخيام وعيترون وراميه وغيرها ينهض شاهداً على ذلك.
تهديد وقصف مدارس..!
الضاحية الجنوبية المتنوّعة بسكانها وبلدياتها الناشطة، والتي تتعانق فيها المساجد والكنائس، “خزّان” لكلّ لبنان، فيها اختُزنت روافد الكرامة والعزة.
على جريّ عادته في استهداف المدنيين، هدد الناطق باسم “جيش” الاحتلال بقصف مكان يحوي مدرستين في منطقة الحدث – الجاموس، وهذا بحد ذاته جريمة، لم تتوقف عندها وسائل الإعلام، أو المسؤولون المعنيون، فهل أمسى استهداف مدرسة أمراً عادياً يمرّ مرور الكرام؟!
إلى المدرستين، (الليسه دي زار، وسان جورج)، يضجّ الشارع المستهدف بالمواطنين والباعة المتجولين وبمحال تستقبل الزوّار قبيل عيد الفطر السعيد، وهناك على ناصية الطريق كان للعناية الإلهية دورها الدائم في حماية الناس، فقد شاء القدر أن تكون “كافيه ديوان السيد” مقفلة في تلك اللحظات من الشهر الفضيل، وإلاّ لكانت هناك مجزرة بكل ما في الكلمة من معانٍ.
قد يضرب البعض أخماساً بأسداس، حول السبب الكامن لاستهداف الاحتلال المدارس أو المطاعم التي يرتادها مدنيون مسالمون، لكن نظرة واحدة إلى تاريخه الدموي ومجازره الرهيبة الهمجية في غزة ولبنان تعطيهم الجواب فوراً!
قصف الفرح في “ديوان السيد”؟
زوّار “ديوان السيد”، هم مجموعة من المثقفين الضاجّين بالحياة، شبابٌ، جامعيون، فنانون، إعلاميون، ناشطون من المناطق اللبنانية كافة، والمطعم الذي اشتهر بجلسته الشعبية الراقية وتقديماته الزاكية، كان يستعد لإحياء آخر ليالي الشهر الفضيل، متحضّراً بحلة قشيبة لاستقبال الفطر، لكن يبدو أن كل ذلك لم يرق لمحتل وضع نصب عينيه ضرب وحدة لبنان والعمل على مسخ كل محاولات الصمود والفرح فيه.
“يمكن لأن اسمه ديوان السيد، لهيك قصفوه”، يقولها أحد الموجودين هناك مع بسمة لا تخلو من السؤال المشروع!
خطف “المواطن حسن نصر الله”!
فمن منّا لا يذكر كيف قامت ألوية النخبة في “جيش” الاحتلال بتنفيذ إنزال مع أكثر من 1000 جندي لخطف “المواطن اللبناني حسن نصر الله” من منزله في بعلبك خلال عدوان تموز/ يوليو عام 2006، محاولةً تسجيل “سبق” إعلامي وضخ رصيد معنوي لدى جنودها! فقادته معصوب العينين مع 5 مواطنين بطوافة عسكرية إلى مطار عسكريَ في فلسطين المحتلة، قبل أن تطلق سراحه بعد أيام عبر الحدود مع لبنان.
وسبق للميادين نت أن زار السبعيني نصر الله في منزله (بعلبك) لسماع تفاصيل القصة المثيرة التي تثبت أن “إسرائيل هي أوهن من بيت العنكبوت”.
“أبو علي”: الصمود يستدعي بذل التضحيات
“الجنة مهرها غالي كتير أغلى من البيت والمحل والرزق”، يقولها صاحب المقهى، مؤكداً أن السير على نهج المقاومة والصمود في وجه المحتل يستدعي تقديم التضحيات، “فلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون”.
وعبر فيديو نشره بعيد تدمير محله خاطب الرأي العام والعدو قائلاً ” هذا منزلكم، وبيتكم “ديوان السيد”، الذي يحمل اسم السيد سيبقى، ولن ترهبونا، فاسمه سيبقى في دمنا وعروقنا وسيبقى يخيفكم طول العمر”.
الشاب المتوقد حماسة للعمل والعطاء، كان طيلة فترة العدوان ناشطاً في تحضير المساعدات والحصص الغذائية وغيرها، يطمئن روّاده الكثر، الذين عبّروا عن محبتهم عبر :السوشيل ميديا”، أنه سيفتح محله في القريب العاجل.
إلى ذلك ضجّت وسائل التواصل بالحديث عن “ديوان السيد” الرمز! فكتبت الإعلامية الزميلة والناشطة لمى حيدر “هون بـ” Diwan alsayed” هاي القهوة البسيطة الملانة حب ووفاء، بتحس حالك كأنك ببيتك وصاحبها حسن “أبو علي” بيستقبلك بكل ابتسامة حلوة، هون سنوات اتعرفنا على اصدقاء ومنهم صاروا شهـداء، رح ترجع تعمر من جديد”.
الناشطة زينة كرم قالت عبر صفحاتها: “ديوان السيد” النا فيه ذكريات ما بتتنسى والقعدات الحلوة واللقمة الطيبة، الله بعوض عليك يا صديقي حسن”.