بدأت صيام شهر رمضان المبارك في أواخر أيامه عندما كنت في الصف الثالث الابتدائي (الأساسي)، ثم شاء الله أن يعود علينا شهر رمضان أزمنة عديدة، متنقلاً بين الفصول الأربعة مع ساعات صوم متفاوتة، من قليلة لا تتجاوز الساعات التسع إلى ما يزيد عن 16 ساعة، وأياً كان الفصل الذي يحلّ فيه الشهر الفضيل فقد كان يشهد تغييراً واضحاً في برامج التلفزيون وأوقات بثها.
خدش روحانية رمضان
غالبية المسلسلات فيها ما يخدش روحانية وخصوصية شهر رمضان؛ فهذا الشهر اختصه الله تعالى بالصيام والقيام وقراءة القرآن. وبداهة، يجدر ألا يختلط المسار الروحاني التعبدي للشهر بمشهد هنا أو هناك، فيكفي ما يعانيه الناس من مشكلات مختلفة، تشوّش عليهم التجليات الروحية لهذا الشهر.
غياب المؤرخين العرب عن الدراما
وشهر رمضان في كل عام لا يكاد يخلو من مسلسلات تاريخية، تتناول سيرة شخصية إسلامية أو عربية كان لها دور بارز وبصمات في حياة الأمة؛ فهناك مسلسلات تناولت سير الخلفاء والأمراء، والحكام والقادة العسكريين، والأئمة والمحدثين وغيرهم. وعند كل عرض تخرج أصوات ناقدة لبعض أو لمعظم الأعمال، لأن فيها مغالطات وأخطاء تاريخية وفنية لا يمكن السكوت عنها.
يضاف إلى ذلك أن أحوال كثير من العرب والمسلمين -خاصة في فلسطين، وبشكل أخص في غزة- تتطلب زهداً في الترفيه حتى في غير رمضان.
حسنا… ما دام هذا يتكرر، وما دامت هذه المسلسلات يُنفق عليها مبالغ طائلة؛ فلماذا لا يكون هناك بند في النفقات مخصص للمراجعة التاريخية، وأيضاً للتدقيق اللغوي بطبيعة الحال؟
لدينا من المحيط إلى الخليج مؤرخون أفنوا أعمارهم في دراسة التاريخ، والتصنيف فيه وتدريسه، وآن الأوان أن يكون لهؤلاء دور محوري في مراجعة وتدقيق الأعمال الفنية والمسلسلات التاريخية؛ فهناك حقيقة نعلمها جميعاً، وهي أن معظم الناس يفضلون المعلومة السهلة التي يتلقفونها من شاشة ملونة بخفة وأسلوب درامي لا تعليمي مباشر، وليس لديهم استعداد للعودة إلى كتب التاريخ ومراجعه، بل غالبيتهم إذا شاهدوا مجلدات هذه الكتب على رف مكتبة ولّوا منها مدبرين!