أخبار عالميةمقالات

إيران تتبرّأ من «فتنة سوريا»: عدم الاستقرار مصلحة إسرائيلية

طهران | كان لأحداث الساحل السوري الدامية، صدًى واسع في إيران، حيث أثارت حساسيات كثيرة. وإذ قلّل المسؤولون الإيرانيون من تصريحاتهم حول الشأن السوري منذ سقوط نظام حليفهم، بشار الأسد، فإن طهران اتّخذت مواقف عديدة على خلفية مجازر الساحل السوري، ومقتل عدد كبير من العلويين الذين يشكّلون غالبية سكان هذه المنطقة.

وتركّزت المواقف الإيرانية، في معظمها، على استنكار أعمال القتل، كما على ضرورة أن يتحمّل حكام سوريا الجدد مسؤولية ما جرى، مؤكدةً في الوقت ذاته أن التدهور الأمني وعدم الاستقرار في هذا البلد، يعودان بالفائدة على إسرائيل.

وجاءت هذه المواقف، في ظلّ اتهامات ساقها البعض حول ضلوع إيران في «تحريض العلويين» على النظام الجديد، وهو ما نفته طهران، ووصفته بـ»المثير للسخرية». وندّد الممثّل الخاص لوزير الخارجية الإيراني لشؤون غرب آسيا، محمد رؤوف شيباني، بقوّة بـ»أيّ أعمال عنف وقتل ضدّ الناس الأبرياء من الأقليات والمكوّنات المختلفة للمجتمع السوري»، مشدّداً على أن «مرتكبي هذه الجرائم يجب أن يتحمّلوا المسؤولية».

واعتبر شيباني، الذي عمل سفيراً لإيران في دمشق لسنوات، أن «الإجراءات المؤثّرة والجادّة للحكومة الانتقالية في سوريا لوقف أعمال العنف ومحاكمة ومعاقبة منفّذيها ومسبّبيها، هي ما تنتظره شعوب المنطقة والرأي العام العالمي»، مؤكداً أن الجمهورية الإسلامية «تدعم دائماً استقرار سوريا ووحدة أراضيها، وترى أن التدهور الأمني وغياب الاستقرار فيها، يخدمان الكيان الصهيوني».

كذلك، أعرب الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، عن قلق بلاده العميق من «الأخبار والتقارير المتعلّقة بالتدهور الأمني والعنف واحتجاز الرهائن» في سوريا، معتبراً تلك الأحداث بمثابة «اختبار مهمّ للغاية لحكّام سوريا الجدد والدول التي لها نفوذ وتواجد فيها»، من أجل «تحمُّل مسؤولياتهم في حفظ وحماية أرواح جميع السوريين وممتلكاتهم».

وكان وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، التقى نظيره التركي، حاقان فيدان، الأسبوع الماضي، على هامش الاجتماع الطارئ للدول الإسلامية في جدة، منبّهاً خلال اللقاء إلى «مسؤولية حكام سوريا الجدد عن حماية أمن وأرواح جميع المجموعات وشرائح الشعب السوري». كما أكّد أن «الانفلات الأمني وعدم الاستقرار في سوريا، يخدمان الكيان الصهيوني، وتستغلّهما المجموعات والعناصر الإرهابيون المتطرّفون».

وتوتّرت العلاقات بين إيران بوصفها الداعم الرئيسي للنظام السوري السابق، وتركيا باعتبارها عرّابة النظام الحالي، وهو توتر تصاعد في أعقاب التحذير الذي أَطلقه وزير الخارجية التركي لقادة إيران من مغبة «المحاولات الرامية إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة». وفي هذه الأجواء، بدأ الإعلام الإيراني التصويب على تركيا باعتبارها «المسؤولة عن الأحداث» التي شهدها الساحل السوري.

توتّرت العلاقات بين إيران بوصفها الداعم الرئيسي للنظام السوري السابق، وتركيا باعتبارها عرّابة النظام الحالي

وأشار رئيس تحرير موقع «خبر أونلاين»، حسن لاسجردي، إلى مسؤولية تركيا عن أعمال العنف التي تقوم بها الهيئة الحاكمة الجديدة في سوريا ضدّ الأقليات.

ووفقاً للموقع، فإن «أصابع الاتهام موجّهة نحو تركيا»، إذ إن «الأتراك، وإبّان حكومة بشار الأسد وبوصفهم دولة عضواً في مسار أستانة، لم يسمحوا بتسوية موضوع القوى الإرهابية، بما فيها جبهة النصرة، وأعطوا ضمانات بإدارة أنشطة المجموعات الإرهابية في إدلب، الأمر الذي لم يحصل. واليوم، ونظراً إلى الأواصر الماضية مع هذه المجموعة، فإن بمقدورهم، وأكثر من السابق، الاضطلاع بدور أمام جرائم جبهة النصرة، وهم يتحمّلون المسؤولية في الحقيقة لمنع استمرار هذه الجرائم».

من جهتها، كتبت صحيفة «إيران» الحكومية: «في الشام، فإن الشيء الذي شهده الناس ما بعد 8 كانون الثاني، هو حكومة رعب، إذ لا أثر للأمن الذي كان على الأقلّ سائداً إبّان حكم الأسد». واعتبرت أن «الوعود التي قطعها أحمد الشرع حالياً، وأبو محمد الجولاني سابقاً (والذي كان له ماضٍ غير ملائم في التعامل مع المعارضين في إدلب)، في الأيام الأولى، والمبنية على ضبط النفس واحترام جميع الأقليات والطوائف، آخذة في التضاؤل، مع عودة تحرير الشام إلى أصلها، وانخراطها في جلدها المتمثّل بتنظيم القاعدة. وهذا الشيء موجود على الأقلّ في الساحل الغربي السوري».

أمّا صحيفة «جوان» القريبة من «الحرس الثوري»، فتطرّقت إلى استغلال إسرائيل للظروف الراهنة في سوريا، معتبرةً أن «القلق يتمثّل في أن أبا محمد الجولاني، وبهذه المذابح، يكون قد فتح نافذة على تقسيم سوريا، السيناريو الذي سيكون الإسرائيليون هم الرابح النهائي فيه». وأشارت صحيفة «هم ميهن»، بدورها، في مقال لأحمد زيد أبادي، إلى تنديد السلطات الإسرائيلية بالمذبحة التي ارتُكبت ضدّ العلويين، إذ «في الوقت الذي لا تولي فيه حكومة نتنياهو أيّ حقوق للشعب الفلسطيني في أرض آبائه وأجداده، وتسعى إلى طردهم من قطاع غزة، وإن تمكّنت من الضفة الغربية، فإن دفاعها الحاسم والمستميت عن العلويين والدروز والأكراد والمسيحيين في سوريا، يبدو مريباً».

وتابعت: «في الحقيقة، إسرائيل ترى أن أمنها على المدى الطويل، يكمن في تحويل سوريا إلى دويلات سياسية منفصلة إحداها عن الأخرى؛ والدفاع عن حقوق الأقليات العرقية والدينية، يشكّل أرضية لتحقيق هذه الغاية».

في المقابل، كانت لصحيفة «خراسان» نظرة مختلفة إلى سياسة إسرائيل تجاه التطوّرات الأخيرة في سوريا، إذ اعتبرت أن الكيان «يسعى إلى اضطراب وتدهور أمنييْن مستمرَّين، لكن قابلَين للتحكُّم بهما في المناطق الدرزية والعلوية والكردية مع الحكومة المركزية في دمشق، لا الاستقلال المُكلف لهذه المناطق، لأن إسرائيل يمكن أن تكون هي الخاسر الأول من الانفلات الأمني، إذ تشكّل هذه الظروف فرصة لنشأة مجموعات مسلحة معادية لإسرائيل ونشاطها، وهو الشيء الذي لا تحبّذه الأخيرة».

محمد خواجوئي _ الأخبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى