مضى أسبوع على وداع السيد، أسبوعٌ مرّ ببطءٍ على القلوب الموجوعة، لكنه كان عامرًا بالعهد والوفاء. الحزن كان حاضرًا في العيون، في المجالس، في الأحاديث الخافتة، لكنه لم يكن حزن الانكسار، بل حزن المشتاق الذي يعرف أن الفراق جسدي، بينما الروح باقية، وأن الطريق الذي سلكه لم يُغلق، بل ازداد وضوحًا ونقاءً.
في الأيام الماضية، رأينا كيف تحوّل الفقد إلى عهد، وكيف تحوّلت الدموع إلى تصميم. لم يكن أسبوعًا للبكاء فقط، بل كان أسبوعًا لتمعن في خطاه، لإحياء كلماته، ولإكمال ما بدأه. رأينا من ساروا على دربه بعزم، ومن صعدوا إلى ميادين العمل والبذل، وكأنهم يجيبون على الفقد بالثبات، وعلى الرحيل بالاستمرار.
أما أولئك الذين لم يحبوه، فلم يكن لرضاهم قيمة، ولا لموقفهم أثرٌ في المسيرة. هؤلاء الذين تحدث عنهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بقوله: “لنا قومٌ لو أسقيناهم العسل المُصفَّى ما ازدادوا فينا إلا بغضاً، ولنا قومٌ لو قطَّعناهم إرباً ما ازدادوا فينا إلا حُباً.” فالبعض قد أعماهم الحقد، فلا يرى إلا بعين الكراهية، ولا يرضى مهما قدمت له. في المقابل، هناك من يزدادون وفاءً مع كل محنة، ومن لا يزيدهم الألم إلا صلابةً وإصرارًا.
وهذا ما رأيناه في هذا الأسبوع؛ فمن أحب السيد بقي على نهجه، ومن عاداه لم يغير موقفه، لكن الأهم أن المسيرة مستمرة، لا يوقفها فقد، ولا تثنيها مكائد. مضى أسبوعٌ من الفقد، لكنه كان أيضًا أسبوعًا من البناء، من العزم، ومن التجديد في العهد. رحل الجسد، لكن الروح بقيت، والصوت لم يخبُ، والراية ما زالت عالية.