مقالات

السيادة تبكي في الزاوية..

قبل أقل من ٤ أشهر جن جنون دعاة السيادة على خلفية تصريحات رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف لصحيفة فرنسية حول مساعدة لبنان في تطبيق القرار 1701، لكن اللافت أن هؤلاء جميعًا صمتوا اليوم إزاء التصريحات المهينة التي صدرت عن المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس من على أرفع منبر رئاسي لبناني، دون مراعاة أدنى اللياقات والأصول الدبلوماسية، في انتهاك سافر، وتدخل فاضح في الشؤون الداخلية اللبنانية.. لم ينبس السياديون تجاهه ببنت شفة، صمتوا كأن على رؤوسهم الطير أو النسر الأميركي.

لم يرف جفن أحد، ولم يطلب أحد من المسؤولين استدعاء السفيرة الأميركية أو حتى تقديم اعتذار وطلب توضيحات منها، حيال تصريحات موظفة بلادها التي تنتهك السيادة اللبنانية، وتنصب نفسها مندوبة سامية على لبنان، بعدما هنأت العدو بكل فظاظة وفجاجة على قتله آلاف اللبنانيين وتدخلت في تشكيل الحكومة، فأملت على القيمين إقصاء أوسع شريحة لبنانية نالت أكبر نسبة أصوات في الانتخابات النيابية، في ازدواجية معايير سيادية تجعل من لبنان بلدًا مرتهنًا لعوكر ومرتعًا لقناصلها ومبعوثيها وموظفيها وتضعه تحت وصاية أميركية مباشرة.

الأنكى أن بعض دجالي السياسة من أدوات أميركا لم يكتفوا بالصمت فيما السيادة تبكي في الزاوية، بل ذهبوا إلى حد التهليل والاستقواء بمثل هذه التصريحات للتشفي والاقتصاص من حزب الله، وهم إذ يطبلون ويزمرون ضد ما يسمونه زورًا “الاحتلال الإيراني” لا يرون الاحتلال الأميركي للبلد رغم أنه باد للعيان، فهو اجتاح المطار والمرفأ تفتيشًا، ووصل إلى أعلى المقرات الرسمية ومنها قصر بعبدا، وكل ذلك بعنوان “دبلوماسية السيقان” التي خبرناها مع كونداليزا رايس، واليوم تعيد الكرة مع أورتاغوس، فالاثنتان وجهان لعملة أميركية واحدة باتت تعمل على المكشوف وتتدخل في كل شاردة وواردة في لبنان لتحقيق مآرب “إسرائيل” التي عجزت عن تحقيقها في الحرب الأخيرة على لبنان.

ومع تتابع الاعتداءات “الإسرائيلية” على السيادة اللبنانية بمؤازرة الانتهاكات الأميركية، يسأل أهل الشرف والتضحية الذين صانوا بلدهم بدمائهم وسيجوا حدوده، أين المسؤولون المؤتمنون على سيادة لبنان، ووحدة أراضيه؟ وكيف يقبلون بأن يدلي موظفون أجانب بتصريحات كهذه من على منابرهم؟ وهل يخدم ذلك وحدة لبنان والشراكة والطائف؟!

فالغريب أن هذا الانحياز الأميركي الكامل لصالح العدو “الإسرائيلي” ممن يفترض أنه وسيط في لجنة وقف إطلاق النار لم تلق أصداؤه أي رد فعل في السراي الحكومي وفي قصر بعبدا الذي اكتفى ببيان توضيحي مقتضب بدل أن يتحرك مع وزارة الخارجية اللبنانية ويأخذ مواقف واضحة وحازمة من هذه التصريحات، تعيد الاعتبار للدولة وسيادتها وتمنع الوصاية عليه واحتلاله دبلوماسيًا، كما فعل الرئيس إميل لحود في عهده، حينما أغلق الهاتف بوجه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، عقب محاولتها التدخل في الشؤون اللبنانية، مُحافظاً على السيادة الوطنية ضد التدخلات الخارجية.

المصدر: العهد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى