مقالات
حكومة ” لا غالب ولا مغلوب”!

الانتقال من تشكيل الحكومات بالمحاصصة إلى تشكيلها بحسب الكفاءة والنزاهة وطبقاً للخطط الإصلاحية لا يمكن أن يتحقق بين ليلة وضحاها، وبمجرّد تولي نواف سلام رئاسة الحكومة.
العملية الإصلاحية لا تحصل فجأةً بل على مراحل، وتحتاج إلى إجماع داخلي أكثر من حاجتها إلى دعم خارجي وحضن عربي وخطابات في قصر الصنوبر.
نواف سلام الذين انتقل من قصر أممي في لاهاي إلى شقة قرب قصر صالحة في قريطم لن يقوى على تغيير الحكم في لبنان من دون الحد الأدنى من التوافق الوطني. ومن الطبيعي أن تكون توقعات الناس كثيرة بمستقبل واعد بعد انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية وتكليف سلام بتشكيل الحكومة، لأن الرجل لا يتبع لأي حزب أو تيار، وهو أستاذ جامعي وسفير سابق ورئيس سابق لمحكمة العدل الدولية، أضف إلى ذلك أنه من عائلة بيروتية عريقة.
ومن آل سلام، قد يستعير نواف مقولة عمّه صائب بك: «لا غالب ولا مغلوب».
وليته يستعير القرنفلة معها لتسهيل تبريرها للوزير السعودي الذي زار لبنان أخيراً وتصرّف وكأنه فاتح بلاد الشام والقائد المنتصر مذكّراً بسلوكيات سلفه السوري في زمن الـ«سين سين».
لا شك في أن سلام يعرف أن مشروع مكافحة الفساد طويل الأمد وبحجم التدخلات الخارجية في الشؤون اللبنانية.
لكنه يعرف أيضاً أن الذين استبدلوا النفوذ السوري بالوصاية الأميركية – السعودية لا شأن لهم بمكافحة الفساد، لأن ذلك قد يحوّل لبنان إلى بلد مستقل فعلياً.
فما العمل لتجنّب الإحباط من التشكيلة الوزارية المنتظرة والإنجازات الضخمة المتوقّعة منها؟
قد تكون مصارحة الناس مفيدةً عبر تشخيص المشكلة بدقة بعيداً من الانحياز والأحكام المسبقة، وعرض الخطوات الأولى لبرنامج المعالجة، والابتعاد عن الشخصنة.
ولا بد من الالتزام بالواقعية على أساس «إذا أردتَ أن تُطاع فسل المستطاع».
بعض الناس يتوقعون المعجزات من حكومة سلام، والشفاء العاجل لمؤسسات تعاني من أمراض مزمنة وخطيرة.
وفي بعض الأحيان، يصدّق سلام نفسه وقد يقول لبعض المحيطين به إنه يريد مثلاً إصلاح نظام الرقابة المالية عبر تحويل ديوان المحاسبة إلى سلطة مستقلة لا تتبع لرئاسة مجلس الوزراء، وقد يجود في تكرار محاضراته في العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت.
لكن مجرّد استماعه إلى مطالب بعض النواب والسياسيين الذين ظن أنهم أيّدوه بسبب مبادئه لا بهدف الثأر من أخصامهم، يعيده إلى الواقع.
وقد تأخر قليلاً في إتمام التشكيلة بسبب ذلك، لكن اندفاعه ما زال حياً، وخصوصاً عندما يراجع إرث عائلته ويتهيأ لدخول السراي العثماني في وسط البلد من بابه العريض، وعلى خطى من قرأ وكتب عنهم في الحقبات السابقة.
أما بالنسبة إلى العلاقة مع حزب الله وحركة أمل والرئيس نبيه برّي، فيبدو أن سلام يعلم علم اليقين أن كل الدعم الأميركي والفرنسي والسعودي الذي يحظى به لن يكون كافياً لتخريبها.
كما يبدو أن الرئيس جوزيف عون فهم، بعد تمديد العدو الإسرائيلي احتلاله لجنوب لبنان خلافاً لاتفاق وقف إطلاق النار وبعد تمادي الاعتداءات على الجنوب، الرسالة الأميركية وسيتعامل معها بالطريقة التي تمليها عليه روحية الشرف العسكري.
كل ذلك يعيدنا إلى المربّع الأول وإلى مرحلة ظن كثير من اللبنانيين أنها انتهت.
هؤلاء اللبنانيون أنفسهم كانوا قد راهنوا مرات عدة في السابق على وصول أشخاص محددين إلى السلطة متجاهلين وجوب تقديم البرنامج على الشخص، والفكرة على المنصب، والولاء لقيم الجمهوريةوروحها على المصالح والطموحات، فردية كانت أم جماعية.
عمر نشابة – الاخبار