تعبق رائحة كعك العيد في أجواء صيدا القديمة ومخيّماتها الفلسطينية، وحدها تضفي نكهة خاصة من الفرح على الأضحى المبارك في ظل استفحال الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة، حيث يحلّ وهو يحمل هموماً إضافية تثقل كاهل أرباب العائلات لجهة تأمين نفقات احتياجاته المادية.
أول مظاهر الهموم الإضافية يتجلّى في استنكاف الكثير من العائلات عن شراء اللحوم والدجاج والثياب الجديدة والهدايا والحلوى من المحال التجارية، والعودة إلى المنازل لإعداد طعام العيد بما تيسّر، الكعك المحشوّ بالتمر فقط، لأنه الأرخص بين أترابه من الجوز والفستق الحلبي.
الأربعينية هند القط “أم بلال”، واحدة من ربّات المنازل التي اعتادت منذ سنوات إعداد الكعك البيتي في عيدي الفطر والأضحى، تقول لـ”نداء الوطن”: “إن العيد لا تكتمل بهجته إلا بحضور كعكه وخاصة المحشوّ بالتمر”، مشيرة إلى أنها تعلّمت صناعته من والدتها “كانت تعدّه بالطريقة التقليدية لجهة شكله وعجنه وخبزه، اليوم أدخلنا عليه بعض التعديلات التي تتماشى مع العصر كالشكل والحجم. كنا في السابق نصنع كميات كثيرة ونوزّعها على الأهل والأقارب والأصدقاء، اليوم بالكاد نصنعه للبيت وللأهل فقط وبكميات محدودة بسبب كلفته المرتفعة، ولكنه يبقى أرخص من شرائه من المحال التجارية”
يبلغ سعر كيلو الكعك المحشوّ بالتمر الذي يباع في المحال نحو 300 ألف ليرة لبنانية على الأقل، “لكن كعك البيت فيه بركة” تقول أم بلال، إذ يقدّر الكيلو بنحو 60 حبة، بينما في المحال يباع بالدزينة وسعره على الأقل 7 دولارات أميركية”، مؤكدة أنه “أصبح شكلاً من أشكال العيد لا يمكن الاستغناء عنه ولا يكتمل فرحه إلا به”.
في أحد أزقّة صيدا القديمة، قرب سينما الحمرا، يقف بائع الحلوى عماد الصفوري يلفّ عشرات حبات المعمول المحشوّ بالجوز والفستق الحلبي والتمر على عربة جوالة، لبيعها بأسعار زهيدة قياساً على الخارج، ويقول لــ”نداء الوطن”: “إن هذه الحلوى شعبية وخاصة بالعيد لذلك نبيعها بأسعار رخيصة. دزينة المشكّل بـ300 ألف ليرة لبنانية فقط، بينما في المحال الأخرى تبدأ بـ6 دولارات أميركية وما فوق”.
يتحوّل عماد وحلوياته قبلة الزبائن، يأتون إليه من خارج صيدا نظراً لأسعارها الرخيصة ومذاقها اللذيذ، ويوضح “بدأت صناعة الحلوى منذ العام 1981، كنت عاملاً وأصبحت صاحب معمل في صيدا القديمة، أصنع فيه كل أشكال الحلويات ومنها البقلاوة والنمورة والصفوف والمدّ بقشدة والمعمول وأبيعها بأسعار زهيدة لأنها حلوى شعبية وأحرص على أن يتمكن الجميع من شرائها مهما كانت ظروفهم المعيشية صعبة”.
ويشير عماد إلى أنّ الإقبال على شراء الحلوى تراجع بشكل عام بسبب انعدام القدرة الشرائية عند الناس من جهة، والغلاء الفاحش حيث ترتيب الأولويات وفق الضرورات والكماليات، “غير أنني ما زلت أبيع نظراً للأسعار الرخيصة، والشهرة والسمعة الطيبة بصناعة الحلويات اللذيذة ذات النكهة المميّزة”.