متفرقات

حريق السنّ في عكّار كشف غياب قدرات مواجهة الحرائق… أهمّ العقبات التي تُواجه عمليّات الإطفاء!

ميشال حلاق

أكثر من 90 هكتاراً من الأراضي، آلاف الأشجار الحرجية المعمّرة وبساتين وحقول زراعية، هي الحصيلة الأوّلية لحرائق الغابات التي اندلعت منذ صباح يوم السبت الماضي، واستمرّت طيلة نهار الأحد وحتّى فجر اليوم الاثنين، والتي كانت بدأت في خراج قرية السنّ العكّاريّة. وتمدّدت بفعل الرياح وصعوبة تدخّل عناصر الإطفاء بسبب وعورة المنطقة وقوة منحدراتها وتضاريسها، وعدم وجود طرقات داخل هذه الغابات الدهرية (صنوبر وسنديان)، في خراج بلدة عكار العتيقة وأطراف بلدة الدورة.

وبلغ عدد عناصر الدفاع المدني والجيش ومتطوعي جمعية درب عكار والأهالي أكثر من 200 عنصر واجهوا النيران بالإمكانات المتاحة وسط ظروف صعبة للغاية، تساندهم طوافتان  عسكريتان  نفّذت أكثر من 150 طلعة جوية على مدى يومين في محاولة لكبح جنون النيران التي خرجت عن السيطرة وبلغت العديد من المنازل في السنّ والدورة وعكار العتيقة دون وقوع ضحايا بشرية.

ووصف الحريق بأنّه الأقوى والأعنف والأكبر هذا الموسم بحيث بلغت ألسنة النيران في بعض الأوقات أكثر من 200 متر ارتفاعاً، وهي سابقة حصلت إبّان حريق وادي عودي في العام 2021، وأمكننا مشاهدتها عبر الأقمار الاصطناعية.

وثمّة تخوف كبير من تجدد النيران لتطال الاحراج الكثيفة في خراج بلدتي عكار العتيقة والقبيات، ما يعني كارثة حقيقية لا يمكن التكهّن بآثارها السلبية، ما استدعى الإبقاء على حال الترقّب والجهوزية لدى الجهات المعنية في محيط الحريق عند بروز أيّ حالة طارئة.

وثمّة الكثير من الأسئلة الجدّية التي تطرح حول ما إذا كان الحريق مفتعلاً، وهو المرجّح، وضرورة فتح التحقيقات الجدية إزاء هذا الحريق الكارثي الذي رتّب خسائر كبيرة على صعيد الغطاء الحرجيّ والنباتي ونفوق العديد من الحيوانات البرية والطيور التي فقدت موائلها الطبيعية، وقفران النحل التي نفق الكثير منها، إضافة لما تسبّبت به كمية الأدخنة الكثيفة التي غطّت فضاء المنطقة.

في السياق، أوضح فريق درب عكار الذي كانت لعناصره مساهمات كبيرة في إطفاء النيران الى جانب الدفاع المدني والجيش اللبناني، تفاصيل الحريق، ولفت إلى أنّ “صباح السبت في 24 حزيران 2023 اندلع حريق في منطقة حرف السنّ في خراج بلدة عكار العتيقة سرعان ما تمدد في المنحدرات المكسوة بالصنوبر البروتي والسنديان حتى رأس الجبل حيث المزارع والبيوت السكنية، وعلى الفور تدخلت وحدات الدفاع المدنيّ، ثمّ تبعها تدخّل فريق درب عكار لمكافحة حرائق الغابات، ومع تطور الحريق وبمتابعة من وزير البيئة ناصر ياسين تمّ التواصل مع قيادة الجيش التي اوفدت طوافتين تابعتين للقوات الجوية، ثمّ عززتهما في اليوم الثاني بطوافات إضافية بسبب ضراوة النيران التي خلفت أضراراً فادحة، وأمّنت بلدية عكار العتيقة الدعم اللوجستي وصهاريج المياه للفرق العاملة على الارض.
ظروف الحريق كانت معقدة وقاسية جداً، استدعت استنفار معظم مراكز الدفاع المدني في عكار، خاصة في الجهة الشرقية من الحريق التي طاولت فيها النيران المنازل، فعملت الفرق على الدفاع عنها بكلّ قوة وبالإمكانيات المتوفرة، وحالت دون وقوع إصابات رغم شدّة النيران، بالإضافة إلى الجهود المبذولة لتغذية بركة الطوافة التي نُصبت في منطقة الدورة”.
وأشار إلى أنّ “جهود فريق درب عكار تركزت على الجبهة الغربية من الحريق، فعملت على إقامة خطّ عزل امتدّ لمسافة اكثر من 1100 متر من أعلى حرف السنّ حتى المنازل، فبرّدت كافة المنطقة، كما تمّ التدخل في الجبهة الشمالية، لكن الفريق اضطرّ للانسحاب مرّات بفعل شدّة النيران وانبعاثات الأدخنة.
ومع حلول مساء اليوم الثاني تمّت السيطرة على أغلب جبهات الحريق الذي تمدّد وانتقل الى الغابة القريبة في خراج  بلدة الدورة شديدة الانحدار، فعملت طوافات الجيش اللبناني على معالجة هذه البؤر قبل حلول الظلام”.
وأضاف: “ومع صباح اليوم الثالث وبعد أكثر من 48 ساعة على اندلاعه، تمّ إخماد الحريق بشكل كامل بعد جهود مضنية استنزفت فرق الإطفاء وأرهقتهم، مع بقاء بعض البؤر مشتعلة دون أن تُشكّل خطراً على تجدّد الحريق بشكل شامل”.
وعدّد الفريق أهمّ العقبات التي واجهت فرق الإطفاء:
– الطوبوغرافيا والتضاريس الوعرة: منحدرات شديدة تُسرّع من انتقال النيران، خاصّة مع تدفّق الرياح في منحدرات الوادي بشكل جنوني، مع خطر تساقط الصخور.
– الوقود الجاهز للاحتراق ومعظمه كان مع أشجار الصنوبر البروتي والسنديان مع وجود كميات تشحيل كبيرة في أرض الغابة.
– الطقس: رطوبة منخفضة وحرارة مرتفعة، ورياح عاتية وصلت سرعتها أعلى المنحدر لأكثر من 60 كلم في الساعة، فضلاً عن الرياح التي نشأت بفعل شدّة النيران، والتي كانت تقذف أكواز الصنوبر صعوداً وتساهم في تمدّد النيران.
– طول جبهة الحريق المستعرة واتساع محطيه لأكثر من 6 كلم.

– عدم القدرة على الانطلاق من نقطة ارتكاز تؤمن سلامة الاليات ونقاط انسحابها مع دوام تزويدها بالمياه.
– غياب غرفة العمليات الميدانية.
– قلّة العنصر البشري نسبة إلى حريق بهذه الشدّة.
– بعض bambi bucket المزودة بها الطوّافات كانت تتسرّب منها كميات كبيرة من المياه قبل وصولها لنقطة الاسقاط
– صعوبة عمل الطوّافات بين منحدرات الوادي وعدم قدرتها على الاقتراب كثيراً بفعل شدّة النيران.
– قفران النحل الهائجة وخطر التعرّض للسعها.
وكشف أنّ “المساحة التقريبية للأضرار بلغت حوالي 95 هكتاراً أغلبها احترق في اليوم الثاني من الحريق، أغلبها من أشجار الصنوبر والسنديان والبطم، والخسائر الكبيرة كانت في قفران النحل التي احترق عدد كبير منها ونفوق النحل فيها، والقفران التي تمّ إنقاذها وجلاؤها خسرت  اعداداً كبيرة من النحل بفعل النيران أو بسبب عدم قدرته على العودة إلى القفران بعد نقلها، هذا وتضرّر عدد من المنازل واحترق بعض الغرف الزراعية، وكانت الخسائر كبيرة في  الممتلكات، وسجلت بعض حالات الاختناق تمّت معالجتها ميدانياً، دون خسائر بشرية ولله الحمد”.
ويعتبر هذا الحريق الكارثي بداية لا تبشّر بالخير لهذا الموسم، خاصّة مع ضعف الإمكانيات ومحدودية الموارد، ويعطينا هذا الحريق درساً في ضرورة الجهوزية والتدخّل السريع والتكاتف بين الفرق جميعها لبلوغ أفضل نتيجة والحفاظ على غاباتنا، ونوّهت المجموعة بدور الدفاع المدني الذي أثبت عناصره كفاءة استثنائية في هذا الحريق وأسهمت جهود عناصره في الزود عن الممتلكات.

المصدر: النهار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى