لم يعد امرا مبهما او مشكوكا فيه ان “القوات اللبنانية” تراهن على كسب المزيد من الوقت، ولا ترغب في ان يكون للبنان رئيس للجمهورية في ال9 من الشهر المقبل، اذا لم يكن سمير جعجع او من يمثله في بعبدا. ولا يخفي جعجع امام زواره حقيقة عدم استعجاله، ولا ضير بالنسبة له الاستماع الى نصائح الادارة الاميركية الجديدة، بضرورة انتظار دخول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الابيض، حيث من الافضل التفاهم معه على هوية الرئيس المقبل و “السلة” الحكومية، “وخارطة طريق” شاملة تتمشى مع الوقائع الجديدة في لبنان والمنطقة، ويسأل جعجع”اذا لم يدفع حزب الله الثمن الآن؟ فمتى سيدفعه؟
ووفق “سردية” جعجع، فان محور المقاومة تلقّى ضربات قاسية ، لم تبدأ مع سقوط نظام الأسد، بل بدأت بالضربات التي تلقّاها حزب الله باغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله، وجزء كبير من بنيته العسكرية، والاجتماعية والمالية، مرورا بتدمير غزة، والحديث عن نيات لإسقاط حركة أنصار الله في اليمن، ثم استغلال التدهور الاقتصادي في إيران، وضرب البرنامج النووي. هذا كله يعني بداية إعادة تشكيل “الشرق الأوسط الجديد” الذي وعد به رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو، في توقيت يصل به الرئيس المنتخب المفضّل لدى كل اعداء طهران دونالد ترامب للحُكم، ليبقى السؤ
ال بالنسبة الى “معراب”: هل يمكن ألا تنعكس هذه “الزلازل” على الواقع اللبناني؟ ونبقى مثل “تلاميذ المدرسة عند الرئيس بري”، يفتح المجلس حين يشاء ويقفله ساعة يريد، والآن يريد فرض رئيس توافقي، في زمن نحن قادرون على الاتيان برئيس “سيادي” من فريقنا السياسي؟
هذه الاستراتيجية “القواتية ” ربما تكون صحيحة في الشكل لا المضمون، فهي مبنية على اساس “سطحي”، وليس على مقاربة عميقة، يمكن تسييلها ارباحا في السياسة وغير السياسة، وهي تنم عن استعجال “صبياني” لقطف ثمار معركة كبيرة جدا، لا مكان فيها للاعبين صغار على الساحة اللبنانية. هذا التعبير لمرجعية سياسية بارزة، لا تنفي ولا تخفف حجم الخسائر لدى محور المقاومة، لكنها تذكر بان ما حصل حتى الآن لم يغير في الواقع السياسي والاجتماعي اللبناني، كي تبنى على اساسه استراتيجيات غير واقعية. فحزب الله لم يهزم باعتراف المبعوث الاميركي عاموس هوكشتاين، ولم يرفع “الراية البيضاء”، وبقي يقاتل حتى الساعة الاخيرة لوقف النار. ولا يزال يمثل مع حركة “امل” ثقلا شعبيا شيعيا لا يمكن التشكيك فيه، وقد زادت هذه الشعبية بفعل اغتيال الشهيد السيد نصرالله، وحرب الابادة المعلنة ضد البيئة الحاضنة، لا مقدرات الحزب فقط، وبتحريض بعض الداخل.
هذه النتائج قد دفعت “الثنائي” نحو نهج واقعي يقوم على ملاقاة الآخرين في “منتصف الطريق” لانتخاب رئيس توافقي، وهما يمسكان جيدا بـ “مفاتيح اللعبة” البرلمانية، وحتى لو حصلت معجزة واستجابت القوى السياسية لدعوة جعجع اجراء انتخابات مبكرة ، فهي لن تؤدي الى نتائج مغايرة، وسيعود “الثنائي” اقوى هذه المرة، بحصة مسيحية وازنة. الا اذا كان “الحكيم” مقتنعا ان بعض الاصوات الشيعية التي انبرت بالامس الى اطلاق “الخط الثالث”، يمكنها ان تجد من يستمع اليها في البيئة الشيعية!
اما بالنسبة الى مقولة تأثير”وهج” السلاح بالداخل، فتبين انه مجرد وهم، لان موازين القوى لم تتحدد يوما وفق هذا المعطى. اما بالنسبة الى سقوط الرئيس الاسد، فالجميع يدرك ان “اسرائيل” قد تبني حسابات ربح وخسارة بشأن “كسر” خط نقل السلاح الى المقاومة، اما اللاعبون في الداخل فيدركون جيدا ان حزب الله كان سندا للنظام وليس العكس، لاسباب ترتبط بالمقاومة، وسوريا لم تعد لاعبا في الساحة الداخلية اللبنانية منذ 2005.
اما رهان المعارضة، وفي مقدمتها “القوات اللبنانية” على سوريا الجديدة، للاستقواء على حزب الله وحلفائه، فهو سذاجة سياسية في غير مكانها، لان الحكم في سوريا لم يستقر بعد، ولم تتبين هويته في ظل كثرة اللاعبين. وبقدر ما يحاول ابو محمد الجولاني بث الهدوء والاستقرار، فإن الأرض تعج بالتوتر، وتحوم فوق كل هذا مسألة هوية الدولة والنظام الجديد. فهل ستواصل سوريا توفير بنية لهوية وطنية لسكانها؟ أم أن الإطار الديني سيحتل الصدارة مرة أخرى؟ ام ان سوريا ستتفكك؟ مثلما تفككت ليبيا ويوغوسلافيا وغرقا في صراعات داخلية مضرجة بالدماء، وستكون حرب الكل ضد الكل؟
وحتى تركيا، الاكثر امساكا بالواقع السوري، لا تملك اجوبة عن اليوم التالي، فهي تستعد لضرب الاكراد، لكن ماذا لو قرّرت “إسرائيل” مساعدة الأكراد، هل تذهب أنقرة للاصطدام عسكريًّا مع “تل أبيب”؟ خصوصا ان مسؤولين كبارًا في (قسد)،المدعومة اميركيا، طلبوا المساعدة من الاحتلال بشكل عاجل، بسبب شُعورهم بتهديد مستقبل الحكم الذاتي الذي يحاولون الوصول إليه شمال شرق سوريا.
المفارقة، ان اللاعبين الكبار في الاقليم والعالم، لديهم ما هو اهم من مجموعات لبنانية لا تملك بين يديها ما تقدمه خدمة لمصالحهم، ولهذا لا تبالي بهم. واذا كان وليد جنبلاط مهجوسا بحماية الدروز، فان على “القوات” التوقف عن رهانات “لا تسمن ولا تغني عن جوع”، “وفرملة” الاندفاعة نحو السلطة الجديدة في دمشق لحين استقرارها. اما الرئيس بري فينصح في مجالسه الخاصة “القوات”، بعدم تفويت الفرصة لعقد تفاهمات داخلية على “افضل الممكن”، لتجنيب البلاد فراغا في السلطة بات مكلفا، في وقت ترسم فيها خرائط جديدة في المنطقة، والا ستخرج من “المولد بلا حمص”.. فهل تصغي “معراب”؟