للمرّة الأولى في تاريخ الكيان الإسرائيلي، مثل رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، أمس، أمام محكمة تل أبيب المركزية، وسط إجراءات أمنية مشدّدة، ليبدأ الإدلاء بشهادته في محاكمته بتهمة الفساد: تقاضي الرشى، والاحتيال، وخيانة الأمانة. وحاول نتنياهو التهرّب من مواجهة الأدلّة، فيما لم يناقش اختصاص المحكمة ولم يعترض على استدعائه، بل سعى، بدلاً من ذلك، إلى عرض بطولاته وإنجازاته العسكرية للتغطية على فساده؛ فوصف الاتهامات بأنها «سخيفة بكل بساطة»، علماً أن الادّعاء ضدّه استند إلى إفادات 120 شاهداً.
وممّا قاله: «أنا أقود إسرائيل ودولة إسرائيل على سبع جبهات، وكنت أعتقد ولا أزال أنني أستطيع القيام بكل هذه الأشياء في وقت واحد».
وتابع: «قبل أيام قليلة، حدث زلزال في منطقتنا (…) لقد غيّرنا بالفعل وجه الشرق الأوسط، وهذا له تأثيرات عالمية. إنه يتطلّب انتباهي.
من الممكن إيجاد توازن بين احتياجات البلاد، واحتياجات المحاكمة».
ورداً على المزاعم القائلة إنه طلب الشمبانيا والسيغار، واستغلّ منصبه للحصول على المال، قال: «هذه كذبة، أعمل 17 إلى 18 ساعة في اليوم، كلّ مَن يعرفني يعرف هذا».
وأضاف: «أذهب إلى الفراش في الساعة الواحدة أو الثانية ليلاً، ليس لديّ وقت لرؤية عائلتي، وهو ثمن باهظ يجب أن أدفعه».
وعن السيغار والشمبانيا، أوضح: «أحياناً أجلس مع سيغار، ولا يمكنني تدخينه دفعة واحدة لأنّني أدخنه بين الاجتماعات وأنا أكره الشمبانيا، لا يمكنني شربها».
وكان نتنياهو قد وصل إلى قاعة المحكمة التي نُقلت من القدس إلى تل ابيب لأسباب أمنية، رفقةَ بعض وزراء حكومته، وفي طليعتهم وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، وبعض أعضاء «الكنيست»، بينما تجمّع المتظاهرون خارج قاعة المحكمة وانضمّت إليهم عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة. وعلى الأثر، علت الصرخات التي تتّهم نتنياهو بتأخير إطلاق سراح الأسرى لأسباب سياسية، علماً أن جهاز الأمن العام الإسرائيلي أوصى بنقل المحكمة إلى تل أبيب بسبب «تهديدات يتعرّض لها رئيس الحكومة»، وطلب أن تُعقد الجلسة في قاعة تحت الأرض.
شكوى ضدّ أوباما
خلال إدلائه بإفادته أمام المحكمة، شكا نتنياهو الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، قائلاً: «خلال إدارة أوباما، توجّه الرئيس الأميركي آنذاك إلى العالم الإسلامي في خطابه الاسترضائي في القاهرة.
وتوجّه إلى إيران باعتبارها ليست تهديداً كبيراً، بل فرصة».
وأضاف أن الأميركيين «طالبوا بتجميد كامل لبناء المستوطنات آنذاك.
وتعرّضت لضغوط هائلة (…) كنّا بحاجة إلى التعامل مع أوباما وإيران والتحدّيات السياسية والاحتجاجات الاجتماعية».
كذلك، دافع نتنياهو عن زوجته سارة بعد انتشار أخبار في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن فسادها، قائلاً إنها «خضعت لاغتيال معنوي رهيب لشخصيتها، بينما هي تزور مرضى السرطان والجنود الجرحى في إسرائيل».
وطلب من القضاة، أثناء الجلسة، السماح له بالخروج من قاعة المحكمة لـ«التعامل مع قضية أمن قومي»، بعد تلقيه رسالة أثناء إدلائه بإفاداته على المنصة.
مسار المحاكمة
كان نتنياهو قد قدّم أربعة طلبات إلى المحكمة خلال الشهر الماضي، طالباً تأجيل الجلسة، وتقليص مدّة الشهادة وتعديل الجدول الزمني.
كما طلب المساعدة من رئيس «الكنيست»، أمير أوهانا، وأعضاء مجلس الوزراء الأمني، لكن المحكمة رفضت التأجيل وفرضت جلسة الاستماع عليه.
وبدأت، اعتباراً من أمس، مرحلة الدفاع بتقديم محامي نتنياهو، أميت حداد، مرافعته الأولية، ثم قدّم المتّهم إفادته، على أن يلي ذلك الاستماع إلى شهود الدفاع الذين اختارهم فريق نتنياهو القانوني.
وبعد إفادات شهود الدفاع، ستُقدّم شهادات المتّهمين الآخرين: ناشر صحيفة «يديعوت أحرونوت» أرنون موزيس، وشاؤول إلوفيتش.
وستتكون شهادة نتنياهو من جزأين: الاستجواب المباشر من قِبل محاميه، والذي يتضمّن أسئلة مبرمجة تتوافق مع إستراتيجية الدفاع؛ والاستجواب المتبادل من قِبَل المدعية العامة المالية يهوديت تيروش، ونائبها جوناثان تدمر.
وبحسب القانون الإسرائيلي، يفترض أن يعلن الادعاء عن أسماء الشهود الذين اختارهم مسبقاً فور تقديم لائحة الاتهام، بينما لا يلزم القانون فريق الدفاع بالإعلان عن الشهود الذين سيعتمدهم.
ولم يكشف الفريق المكلّف الدفاع عن نتنياهو عن شهوده ولكنه أشار سابقاً إلى نيّته استدعاء رئيسي وحدة التحقيقات الداخلية السابقَين في الشرطة، أوري كارميل، ودوفي شيرزر، وعضو «الكنيست» عن حزب الليكود موشيه سعدة، والمدعي العام السابق أفيخاي ماندلبليت.
والهدف من ذلك، هو التشكيك في قانونية موافقة النائب العام على بدء التحقيقات مع رئيس الوزراء. ومن المتوقّع أن يستمر تقديم إفادات الشهود والمتّهمين لمدّة لا تقلّ عن شهرين، قبل الانتقال إلى مرحلة إصدار الأحكام.
نتنياهو يتحدّى المحكمة
«هذه هي الفرصة لتبديد الاتهامات الموجهة إليّ.
هناك عبث كبير في الاتهامات وظلم كبير»، هكذا ادّعى نتنياهو خلال مؤتمر صحافي عقده مساء أول من أمس.
وقال: «لقد سمعت وسائل الإعلام تدّعي أنّني أريد التهرّب من المحاكمة (…) التهرب؟ يا له من هراء. لمدّة ثماني سنوات، كنت أنتظر هذا اليوم، أنتظر تقديم الحقيقة، أنتظر تفكيك الاتهامات السخيفة التي لا أساس لها ضدّي تماماً، أنتظر فضح أسلوب مطلقي الاتهامات بحقّي لمرّة واحدة وإلى الأبد».
ويفترض أن يتابع نتنياهو تقديم إفادته أمام المحكمة الإسرائيلية بعد ظهر اليوم، وسيكون الاستجواب المتبادل من قِبَل الادعاء حاسماً في تحديد نتيجة القضية.