إنّ الهدف الشامل واضح وهو التوصل إلى تسوية تفاوضية في سوريا تجبر الرئيس بشار الأسد على قطع العلاقات مع إيران ووقف تدفق الأسلحة إلى حزب الله.
موقع “Mintpressnews” ينشر مقالاً للكاتب روبرت إنلاكش، يتحدث فيه عن الدعم الأميركي والإسرائيلي للمسلّحين في سوريا، وما هو الهدف الحالي من تنفيذ هجومهم.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في الوقت الذي يكثف فيه المسلّحون، بقيادة “هيئة تحرير الشام” التابعة لتنظيم القاعدة، هجومهم للاستيلاء على المزيد من الأراضي بعد الاستيلاء على حلب، نأت واشنطن بنفسها عن الهجوم، على الرغم من دعمها الطويل الأمد لتسليحهم.
في عهد الرئيس باراك أوباما، ضخت الحكومة الأميركية سراً مليارات الدولارات في عملية سرية مصممة للإطاحة بحكومة بشار الأسد.
في ذروته، قام برنامج “Timber Sycamore” التابع لوكالة المخابرات المركزية، وهو أحد أكثر مشاريع الوكالة تكلفة، بتحويل 100 ألف دولار لكل مقاتل سوري مدرب، والعديد منهم سيقاتلون في النهاية تحت لواء الفصائل المرتبطة بتنظيم القاعدة.
لقد تم الكشف عن مدى تواطؤ واشنطن بالكامل في برقيات مسربة، والتي كشفت عن اعتراف مذهل من جيك سوليفان، نائب رئيس الأركان آنذاك، لهيلاري كلينتون في عام 2012، جاء فيه أنّ تنظيم القاعدة “في صفنا في سوريا”.
وفي وقت لاحق، وصف بريت ماكجورك، منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط، إدلب بأنّها “أكبر ملاذ آمن لتنظيم القاعدة منذ 11 سبتمبر”.
في جلسة استماع للجنة الفرعية للشؤون الخارجية بمجلس النواب عام 2020، زعمَت دانا سترول، التي أصبحت فيما بعد نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط في عهد إدارة بايدن، أنّ “روسيا وإيران لا تملكان الموارد اللازمة لتحقيق الاستقرار في سوريا أو إعادة بنائها”.
وأشارت إلى أنّ الاقتصاد السوري، الذي يعاني بالفعل “يستمر في التدهور”، وهو الوضع الذي تفاقم بسبب الأزمة الاقتصادية في لبنان ونظام العقوبات الذي تقوده الولايات المتحدة.
واستمرت سترول في اقتراح أنّ “هذه هي الفرصة”، داعيةً إلى اتباع نهج استباقي. واقترحت أن تبدأ الولايات المتحدة في التخطيط لكيفية “الاستفادة من اندلاع العنف التالي لتنشيط العملية السياسية”.
ومضت سترول في التأكيد على أن هذه الاستراتيجية يجب أن تشمل التقارب الأميركي مع تركيا، إلى جانب الحفاظ على موقف حازم بشأن المسائل السياسية والعقوبات ورفض مساعدات إعادة الإعمار.
كان الهدف ثابتاً: إخراج إيران من الأراضي السورية وإجبار دمشق على التخلي عن تحالفها مع حزب الله اللبناني. إنّ هذا الطموح لا يقتصر على الاستراتيجية، بل هو رؤية لإعادة تشكيل توازن القوى في المنطقة لصالح المصالح الإسرائيلية والأميركية.
وفي أعقاب استيلاء هيئة تحرير الشام على حلب، اغتنمت الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الفرصة لدفع رؤيتهما لشرق أوسط جديد بدقة محسوبة، فعرضتا عرضاً يتحدث عن قلب صراع سوريا: تخفيف العقوبات في مقابل قطع العلاقات مع حليفتها القديمة إيران.
وفي وقت سابق من هذا العام، عقد تحالف جماعات الضغط المؤيدة للتغيير في النظام، الذي يُطلق عليه التحالف الأميركي من أجل سوريا، اجتماعات مع مسؤولين أميركيين في واشنطن خلال يومه السنوي للدعوة، حيث كانت هناك دعوة لتمويل الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة “غراي زون”، طمأن رئيس أركان السيناتور الجمهوري ريك سكوت من فلوريدا أنصار “المعارضة السورية” قائلاً إنّ “الإسرائيليين يريدون منكم أنتم في السلطة”.
وقال مسلّحون لوسائل الإعلام الإسرائيلية: “نحن نحب إسرائيل”. وأشادوا بـ “إسرائيل” لقصفها حزب الله وجماعات المقاومة الأخرى.
كما طلبوا من “إسرائيل” مساعدتهم في الإطاحة بالأسد حتى يتمكنوا من إنشاء نظام جديد موالٍ لـ “إسرائيل” وموالٍ للغرب.
وتشير التحليلات الصادرة عن مراكز الأبحاث المؤيدة لـ “إسرائيل”، مثل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إلى أنّ جامعة الدول العربية غيّرت موقفها ودعمت دمشق.
ولكن هذا الدعم يأتي لغرض محسوب: تعزيز أجندة مناهضة لإيران تتوافق بشكل سلس مع أهداف كل من الولايات المتحدة و”إسرائيل”.
إنّ الهدف الشامل واضح؛ التوصل إلى تسوية تفاوضية في سوريا تجبر الرئيس بشار الأسد على قطع العلاقات مع إيران ووقف تدفق الأسلحة إلى حزب الله.
على مدى السنوات القليلة الماضية، ومع وصول الحرب في سوريا إلى طريق مسدود، شرعت مؤسسة السياسة الخارجية الغربية في جهد لإعادة تسمية هيئة تحرير الشام.
وكان إعادة اختراع زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، محور هذا الجهد. وقد ظهر الجولاني، المعروف بزيه العسكري، على شاشة التلفزيون الأميركي بطريقة مختلفة تماماً مرتدياً بدلة ويقدم نفسه كزعيم رسمي أنيق.
وذكر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، أنّ “رسائل هيئة تحرير الشام أعلنت بوضوح عن تدابيرها الرامية إلى إضفاء الطابع السوري على البلاد، وحملاتها لمكافحة الإرهاب ضد الجماعات الإسلامية العابرة للحدود الوطنية، ومحاولاتها لبناء هيكل حوكمة في شمال إدلب.
وتشير هذه الرسائل المستمرة والافتقار إلى العمليات العسكرية خارج المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام إلى أنّ الجماعة ستواصل وضع نفسها كقوة حاكمة معتدلة نسبياً في سوريا في محاولة لتلقي المساعدات الدولية والموارد والاعتراف في نهاية المطاف”.
ووصف جيمس جيفري، السفير الأميركي السابق والممثل الخاص للمشاركة السورية خلال إدارة ترامب، هيئة تحرير الشام بأنها “أصل” للاستراتيجية الأميركية في إدلب.
لقد تقدمت عملية إعادة تسمية هيئة تحرير الشام على الرغم من التقارير الواردة عن التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان. وألقى تقرير للأمم المتحدة في عام 2020 بظلال أكثر قتامة، مشيراً إلى أنّ كل فصيل رئيسي في سوريا، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، اعتمد على الجنود الأطفال لتعزيز صفوفه.
وفي حين تنأى الولايات المتحدة بنفسها علناً عن المشاركة المباشرة في التصعيد الأخير في سوريا، فإنّ الواقع مغاير، ولكن دعم الجماعات المصنفة رسمياً على أنّها منظمات إرهابية بشكل علني يخاطر بالحرج الذي تفضل واشنطن تجنبه.