العنوان هو عبارة مهمة في خطبة السيد الإمام علي الخامنئي (قده)، في جمعة طهران، والتي خصصها للحديث عن السيد الأمين حسن نصر الله في تأبين استشهاده، وكانت موجهة “للأمة جمعاء، ولكن بشكل خاص للشعبين العزيزن اللبناني والفلسطيني”.
العبارة المشار إليها، جاءت في الخطبة، بعد أن أشار سماحته إلى مناقب شهيد الأمّة، وجهاده وتضحياته العظيمة ومآثره الباهرة، وهو عند الإمام الخامنئي: “الشخصية المحبّوبةُ في العالمِ الإسلامي، واللسانُ البليغُ لشعوبِ المنطقة، ودُرّةُ لُبنانَ السّاطِعَةُ”، أدلف الى حقيقة وواقع العدو الصهيوني، مؤكدًا أن “العِصابَةَ الصهيونيّة المجرمة أنفُسَهُم قد توصّلوا أيضًا إلى هذه النتيجةِ وهي أنّهم لن يحقّقوا النّصرَ أبدًا على حماس وحزب الله”.
عندما عرّج سماحته إلى تأثير شهادة القادة، في ميدان الجهاد، استحضر عددًا من الشهداء القادة في الجمهورية الإيرانية، وكيف أنه خلال ثلاثة أشهر اغتيل عدد من القادة المميزين وأعمدة الثورة، إلا أن استشهادهم وإن لم يكن هينًا؛ “لكنَّ مسيرةَ الثّورة لم تتوقف ولم تتراجع، بل تسارَعَت”.
لقد جاء التسلسل البديع في الخطاب ليتوصل إلى حقيقة أن أي ضربات لهذا العدو هي خدمة للمنطقة والإنسانية، وهي الحقيقة التي شرحتها الفقرة السابقة لها، فالسيد الخامنئي يرى: “أنّ تركيزَ أميركا وأذرُعِها على حِفظِ أَمنِ الكِيانِ الغاصبِ ليسَ سوى غطاءٍ لسياستِهم المُتبدّدة القاضيةِ بتحويلِ الكِيانِ إلى أداةٍ للاستحواذِ على جميعِ المواردِ الطبيعيّةِ لهذهِ المنطقة واستثمارِها في الصّراعاتِ العالميّةِ الكُبرى. هدفُ هؤلاءِ تحويلُ هذا الكِيانِ إلى بوابةٍ لتصديرِ الطاقةِ من المَنطِقَة إلى بلاد الغرب، واستيراد البضائعِ والتقانةِ من الغرب إلى المنطقة. وهذا يعني ضمانَ وجودِ المغتصبِ وجعلِ المنطقة بأجمعها تابعةً له، والسلوكُ السفّاحُ والوقحُ لهذا الكيانِ تجاهَ المناضلينَ ناجمٌ عن الطّمعِ بتحقيقِ هذا الهدف”.
المؤشرات كثيرة والأدلة واضحة على أن هذا العدو هو فعلًا عدو الإنسانية، وما يجري على الساحة منذ عام، ما هو إلا ترجمة لخطورة هذا الكيان على المنطقة، ولمن العجيب أنّ كل توحشه لم يوقظ مشاعر الفزع عند بعض الأنظمة؛ بل حتى أكثر الأنظمة العربية، إن سفك الدماء وسحق عظام الأطفال والنساء بأعتى انواع الأسلحة ولأشدها فتكًا، واستخدام أطنان من المتفجرات لاستهداف خيم قماش للنازحين الفلسطينيين، والوحشية المفضوحة بهذا الشكل المقزز، وعلى مدى عام، لم يترك العدو أي مادة من مواد حقوق الإنسان، ولا القانون الدولي الإنساني، ولا شرعة الأمم المتحدة، ولا المقررات الدولية، ولا قررات مجلس الأمن، كل شيء منتهك.
كل تلك الحقائق تقول بلسان فصيح: إنّ هذا الكيان، بما أظهره من وحشية، لا يمكن التعايش معه، من يتلذذ بقتل النساء والأطفال وتجويعهم، وهدم المستشفيات على رؤوس المرضى والأطباء، وقتل المسعفين، من دون أي وازع، ومن دون أن يوقفه أحد، فأي شخص لديه ذرة من ضمير أو عقل لا يمكن أن يقبل حتى بالصمت أمام هذه الجرائم، ولا يمكن أن يبقى على علاقة مع هذا الكيان إلا إن كان يتقاسم معه النفسية المتوحشة.
إنّ مخططات الكيان المجرم للمنطقة، ونظرته لأهلها من العرب والمسلمين، والتي تطفح بها كتبهم التلمودية وخططهم التوسعية، أيضًا، تؤكد أن أهداف الكيان تتعدى غزة، ولبنان. وما كشفه “النتن ياهو”، بعد اغتيال السيد نصرالله، ليس إلا جزءًا مما طفح به إناؤه القذر. والحديث عن تغيير وجه المنطقة، بالتأكيد هو حديث خطير، وعلى الأنظمة كلها في المنطقة أن تدرك أنه لا يعني إقامة تحالفات، لأنه يشعر بنشوة كاذبة يظن معها أنه سيحكم المنطقة.
إذ إنّ العقبة الكؤود، بحسب هذه التصريحات، كان السيد نصرالله- رضوان الله عليه- وهذا كما لفت إليه السيد عبدالملك الحوثي، يدل على أن نتنياهو لا يحسب للعرب أي حساب، “عندما قال هذا الكلام هو يعني أن لديه برنامجًا يستهدف به كل شعوب وبلدان هذه الأمة، فكيف تجرأ على مثل هذا الكلام؟! وكيف لم يحسب حسابًا لملوك وزعماء وأمراء وقادة. وبكل بساطة يرى أنه سيعمل ما يشاء ويريد، وينفِّذ برنامجه الذي يهدف إلى تمكين العدو “الإسرائيلي” بشكلٍ عام من السيطرة على هذه البلدان- السيطرة على ما يطلق عليه الأعداء عادةً بالشرق الأوسط- المنطقة العربية كلها، ومحيطها من بعض الدول الإسلامية.
هذا المنطق يكشف كم كان العدو “الإسرائيلي” يرى في السيد حسن نصر الله -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْه- أنه العائق الأكبر الذي كان عائقًا بينه وبين هذا المستوى من الطموح العدواني، فهو يسعى لأن يستحوذ ويسيطر، ويتغلب، ويتحكم بهذه المنطقة كلها، وأن يسيطر عليها بما يخدم مصالحه ومصالح الأمريكي معه.
إن التحكم والسيطرة التي يريدها كيان العدو، ومن خلفه واشنطن والغرب، ما هي إلا بتمزيق الممزق وتفكيك المفكك، وخرائط ما كان يسمى الشرق الأوسط الجديد، والتي فاضت بها صفحات الإعلام الغربي في العقدين الماضيين، تشير إلى تلك المخططات الخبيثة. ولهذا عندما يؤكد الإمام الخامنئي أن أي ضربة هي خدمة للمنطقة، فإنما هي انطلاقًا من هذه الحقائق التي لا تحتاج إلى مزيد من الأدلة.
لكن ما هي الخطورة على الإنسانية؟.
الجواب: هو التوحش، وقد كان باديًا جليًا في تفجير “البيجرات” واستخدام التقنية المدنية كسلاح حرب، وهذه سابقة تاريخية لم يسبقه إليها أحد، ومؤشر على عصر جديد من الوحشية، في ظل عدم وجود ما يمنع من استخدام تلك التقنيات في أي مكان في العالم.
يبقى أن أكثر ما كشف تلك الوحشية للعالم هو اغتيال السيد نصر الله -رضوان الله عليه- بثمانين طنًا من المتفجرات والقنابل الأمريكية المخصصة لسحق جبال وليس قتل أشخاص آدميين.. وربما كلمة توحش لم تعد كافية، ولا كلمة إجرام، ولا الهمجية، لكن بكل الأحوال هي حال توجب أن يقف العالم على قدميه من هولها، والعمل على إيقافها وإنقاذ البشرية من شر هذا الكيان الخبيث واللئيم..
لهذا؛ تبقى المقاومة هي الخيار الأساس الذي يعوّل عليه لمنع العدو من تحقيق أهدافه؛ وإمساك هذا الوحش الهائج من رسنه وإعادته إلى الحظيرة؛ كما قال نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم.