بمسافة زمنية؛ تعادل تلك التي بين انطلاقة الصلية المباركة ووصولها إلى حيفا، انتقل أهل المقاومة على جنح الخبر العظيم من أعمق الحزن وأقساه إلى أسمى الفرح وأقصاه: أخبار عاجلة انهمرت، موضوعها صليات صواريخ ثقيلة، عنوانها حيفا، وفاعلها من بعد الله، رجاله..
أخبار عاجلة انهمرت وكأنّها مطر الفرح، يغسل القلوب المكلومة المغرقة في حزن ما مسّ يقينها وثباتها، يثلج ما احترق فيها بعد أسبوع مثقل بالمجازر، ويسكّن لوعتها التي استحالت بهجة كبهجة المؤمن الموقن حين بعد الدعاء يرى بعينيه الاستجابة..
زفّ البيان الخبر الجميل: فادي ١ وفادي ٢، صاروخان ثقيلان دخلا المعركة، دعمًا للشعب الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسنادًا لمقاومته الباسلة والشريفة، واستهدفا قاعدة رامات ديفيد ومطارها، ردًا على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي استهدفت مختلف المناطق اللبنانية، والتي أدت إلى سقوط العديد من الشهداء المدنيين.
نعم، حلّ البيان بلسمًا على جراح الصدور التي، ومنذ يوم الثلاثاء، تعرّضت لاعتداءات تتجاوز كلّ الخطوط الحمر..
على وقع صراخ المستوطنين المذعورين وفرحة أهل الناصرة، تداول الناشطون المقاطع المصوّرة التي تظهر ما يفرح العين ويسكّن روع القلوب:
إنّهم يألمون كما آلمونا، ولكنّهم لا يمتلكون ثباتنا ويقيننا.. رعبهم يقتلهم قبل النار وقبل الشظايا، وكنا طوال أسبوع، بل طوال سنين، نرى أشلاء أحبتنا ودمهم، ونقول “فدا المقاومة…”.
العدوّ الذي يتوخّى إعادة مستوطنيه إلى الشمال بعد أن فرّوا مذعورين، عليه الآن تأمين أمكنة إيواء تكفي للمستوطنين المذعورين في حيفا.. لا سيّما أنّهم حين هرعوا إلى الملاجئ وجدوها مقفلة!
وهنا استعاد الناشطون من أهل المقاومة كلمات سيّدهم في خطاب يوم الخميس: “أقول لنتنياهو ولغالانت لن تستطيعوا إعادة السكان إلى الشمال وافعلوا ما شئتم…”.
قبل شهرين تقريبًا، نشر الإعلام الحربي في حزب الله فيديو صوّره “الهدهد” الذي حلّق حرًّا فوق فلسطين، ورأينا حينها، ممّا رأينا، القاعدة الجوية العسكرية رامات ديفيد في حيفا، وهي القاعدة التي تنطلق منها طائرات العدوان على لبنان.
وفي الليلة الماضية، ومع استهداف هذه القاعدة بالتحديد، قالت المقاومة، بالنار، إنّ الأهداف التي قام “الهدهد” بتصويرها في عمق الأراضي المحتلة دخلت دائرة الإستهداف بالأسلحة المناسبة، وربّما الصادمة بالنسبة إلى العدو الذي في نشوة “الفوز” بعد اعتداءات يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين.
وبعد مجزرة “حيّ القائم” في الضاحية الجنوبيةـ يوم الخميس، وبعد نهار طويل من الغارات المتكرّرة على الأودية في الجنوب، قال لمستوطنيه إنّه يتمكّن من تدمير قدرات حزب الله، ليأتيهم الخبر اليقين من الميدان، وممّا يرون لا ممّا يسمعون..
إنّ ثبات أهل المقاومة وهم يتلقون ما أصابهم بصبر وبصيرة، عكس ثقتهم المتينة بأنّ رجال الله سيثلجون قلوبهم بخبر يُرى، ويفرحونهم بعد الحزن؛
بل في ذروته، وهم يلقّنون العدوّ طعم الهزيمة المرّة، والتي يبدو أن غاب عن باله في لحظة ظنّ فيها أنّه تمكّن من كسر المقاومة وأهلها..