أزمتان من المتوقع ألا تعبرا بسهولة، من دون ترك بصمات تمر بهما حكومة تصريف الأعمال، ومن المرشح ان تزيد حدتهما إذا لم تحصل المعالجة، الاولى تلبية مطالب العسكريين المتقاعدين واعطاؤهم حقوقا في الموازنة، وقنبلة تعليم النازحين السوريين في المؤسسات التعليمية. وقد بدأت طلائع الحملة السياسية ضد هذا القرار من قبل “التيار الوطني الحر” وحزب “القوات”، اذ يرى الحزبان المسيحيان ان القرار هو مشروع لفرض التوطين وله خلفيات سياسية مشبوهة.
ومن المؤكد ان تجاوز الأزمتين لن يكون سهلا اذا لم تحصل معالجة جدية، لكن ذلك سيترك أثرا في الحكومة التي لم يكن ينقصها إلا المواجهة في الشارع وتطويق السراي الحكومي، لمنع عقد جلسة مجلس الوزراء من قبل العسكريين المتقاعدين، لتزيد ترنحا واهتزازا.
ومع ان حكومة تصريف الاعمال اعتادت التصرف مع تحركات مماثلة، الا ان تحرك العسكريين المتقاعدين كان مسيئا لصورتها، بعدما وصلت الامور الى تهريب جلسة مجلس الوزراء، وتدخل الأجهزة الأمنية لحماية منزل ميقاتي في طرابلس وبيروت. ومع ان تحرك المتقاعدين بسبب الموازنة المالية المجحفة بحقهم ودفاعا عن مطالب وحقوق عسكرية، إلا ان رئاسة الحكومة رأت ان التحرك مشبوه يهدف الى الانقلاب على الحكومة، وانه خرج عن إطار المطالبة بالحقوق الى الفوضى والشغب.
المواجهة “المعلقة” حاليا على حبل الاتصالات والمفاوضات بين العسكريين المتقاعدين والسراي، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لكن المؤكد ان الحكومة على تماس مع مشكلة حقيقية، إذ لا يمكن إعطاء العسكريين المطالب بغياب خطة إصلاحية شاملة.
الازمة الأخرى التي لن تعبر كما تقول مصادر سياسية، تتمثل بمسألة تعليم السوريين في المدارس الرسمية والخاصة، والتي صار واضحا انها تتخطى وزارة التربية ولا تنحصر بها، بعد ان رمت وزارة التربية تبعات القرار في مرمى الحكومة لرفع العتب عنها.
هذه الازمات تضع حكومة تصريف الاعمال في مهب عاصفة سياسية، لا أحد يعرف الى اين ستصل وسط الازمات المتدحرجة، فمشهد الحرب لا يقل أهمية ويزيد من الاعباء وارباكات الحكومة، فالرئيس نجيب ميقاتي يعرف تماما حجم المشاكل الملقاة على عاتق حكومته المتهاوية اصلا، والتي يقاطعها فريق وزاري له تمثيله المسيحي، مما يؤدي الى تعطيل وتعثر اجتماعاتها. فحكومة تصريف الاعمال عايشت مراحل الانهيار والتداعيات المالية والاقتصادية والتهديد بالحرب، مع مشاكل الفراغ في رئاسة الجمهورية والانقسامات اللبنانية الحادة.
ومع تسليم الجميع ان هذه الحكومة لا تمر بأفضل ظروفها، وان طبيعة تكوينها الضعيفة تجعلها غير قادرة على التأثير في مجرى الأحداث، إلا ان ذلك لم يوقف حركة ميقاتي التي تم تفعيلها لمواجهة التحديات، وتأكيد الدور الحكومي في التعاطي مع الحرب ان حصلت. وعليه تقول مصادر وزارية ان تحرك ميقاتي يتوزع في عدة اتجاهات:
– اولا من الناحية الديبلوماسية، حيث يحاول من خلال الاتصالات مع المجتمع الدولي الحصول على تطمينات خارجية، لتحييد لبنان عن احتمال توسع الحرب بتفعيل ديبلوماسية الكواليس على اكثر من محور، لتفادي الانزلاق أكثر الى الحرب الكبرى.
– قامت الحكومة ميدانيا بوضع خطة طوارىء بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية ولجنة إدارة الكوارث، في حال تطور الوضع العسكري.
في ظل الفراغ في بعبدا تبدو “الأحمال” والأوزان ثقيلة على حكومة تصريف الأعمال، لانها اولا شبه مشلولة وغير متجانسة أصلا منذ تأليفها، وتعصف بها الخلافات والانقسامات، على الرغم من سعي ميقاتي الدائم لتأمين التضامن الداخلي ووحدة الساحات داخل حكومته.