كتبت صحيفة “الأخبار”: ليس مفهوماً ما إذا كانت قيادة الجيش اللبناني قد اعتبرت ما نشرته «الأخبار» عن مذكّرة التفاهم التي بعثت بها بريطانيا إلى لبنان لنشر جيشها على الأراضي اللبنانية موجّهاً ضدها.
المذكّرة التي تضمّنت مطالب بريطانية توحي وكأنّ لبنان إحدى مستعمرات الإمبراطورية العجوز، أثارت حفيظة الجهات الرسمية قبل السياسية، بسبب نوعية المطالب التي تمنح لندن صلاحيات تنتقص بصورة واضحة من سيادة الدولة اللبنانية.
وبعدما تلقّت وزارة الخارجية الطلب رسمياً من الجانب الدبلوماسي البريطاني، وأحالت المذكّرة وفق الأصول إلى وزارة الدفاع التي أرسلتها إلى قيادة الجيش بحسب الإجراء المعمول به، علمت «الأخبار» أن قيادة الجيش تصرّفت كمن أصيب بإحراج، علماً أنه لا يوجد ما يشير إلى أن البريطانيين حصلوا على موافقة مسبقة من الجيش قبل إرسال المذكّرة، كما أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي نفى أن يكون قد «أوحى» أمام الجانب البريطاني بأنه موافق على أي طلب لا يندرج في خانة «خطط الإجلاء الطارئة في حالات الحرب والكوارث».
وبعد نشر «الأخبار» لتفاصيل المذكّرة، واستعداد لجنة الدفاع النيابية لإثارة الأمر والبحث في استدعاء قائد الجيش جوزيف عون، درس مساعدون للأخير الأمر، وفكّروا في إصدار بيان يشرح فيه موقف الجيش ونفي أن يكون قد أعطى أي موافقة مسبقة على المذكّرة.
وبعدما تسلّم مكتب القائد الدراسة التي تقول إن المذكّرة كما أُعدّت تشكّل خرقاً للسيادة، وجد المعنيون في قيادة الجيش أن الجواب الأفضل يكون من خلال تسريب مضمون ردّ الجيش إلى وسيلة إعلامية ذات انتشار واسع.
وهو ما حصل عندما عرضت قناة «أم تي في» في نشرتها أمس، تقريراً تضمّن الإشارة إلى مضمون بيان الجيش.
وعُلم أن الدراسة التي أنجزها فريق القائد في الخامس من أيلول الجاري ستُحال اليوم موقّعة إلى وزير الدفاع ليرسلها بدوره إلى وزارة الخارجية، من أجل إعداد ردّ رسمي من قبل الحكومة أو وزارة الخارجية فقط.
كما عُلم أن المعنيين في قيادة الجيش وفي مواقع رسمية أخرى أثاروا الموقف مع الجانب البريطاني الذي تفتّقت عبقريته عن حل يقضي بإعادة صياغة المطالب نفسها بلغة لا تستفزّ اللبنانيين، علماً أن البريطانيين كانوا صادقين مع المتصلين بهم، بأن المذكّرة لن تلقى أي اعتراض سوى من حزب الله.
ومع أن الحزب لم يصدر أي موقف أو تعليق، فإن «القوى السيادية» التي لا تترك تفصيلاً يخص علاقات لبنان مع سوريا وإيران إلا وتحوّله إلى قضية، اعتصمت بالصمت تماماً، ولم يصدر عنها أي تعليق، وكأنّ ما يحصل لا يخصّ لبنان.
أما بشأن الرد الذي أعدّه الجيش، فهو يتضمّن أجوبة تفصيلية على البنود الواردة في الطرح البريطاني، ويصل إلى خلاصة تقول حرفياً: «تمّت دراسة مشروع مذكّرة التفاهم المذكورة أعلاه من جوانبها كافة، وخلصت الدراسة إلى أن مذكّرة التفاهم تثير مخاوف بشأن سيادة لبنان واستقلاله، مع عدم وضوح نطاق مهمة القوات المسلحة البريطانية، ما يزيد من حالة عدم اليقين».
وكانت الملاحظات على مسوّدة مذكّرة التفاهم، كالتالي: «نطاق المهمة غير واضح، المخاوف المتعلقة بالسيادة، الحرية العملياتية لقوات المملكة المتحدة، الحصانة القانونية، التزامات الدعم اللوجستية غير المتوازنة، عدم المساواة في صنع القرار، غياب المعاملة بالمثل».
يشار إلى أن موقف الجيش يبقى في إطار إبداء المخاوف، ولا يرفض صراحة الطلبات البريطانية، مع علم الجيش المسبق بأنه لم يسبق لدولة أن منحت لدولة أخرى مثل هذه الامتيازات، إلا في حالات الاحتلال أو الخضوع الكامل، كما جرى مع دول كبيرة بعد الحرب العالمية الثانية، أو ما فرضته الولايات المتحدة على دول عربية منذ حرب الخليج الأولى.