أخبار عالمية

بايدن: “الأمر لي”.. ولكن!

أهميّة الولايات المتحدة أنها الشرطي الدولي بامتياز، وصاحبة قرار وموقف في مواجهة التحديات. وضعت صورتها ضمن هذا الإطار، واستعرضت قوتها في العديد من المناسبات، خلال تصدّيها للكثير من الأزمات الدوليّة.

يقف الرئيس جو بايدن أمام قرار صعب تجاه “إسرائيل”، وقطاع غزّة، و”جبهات المساندة”. الوقت لا يرحم، وعقارب الساعة في دوران مستمر، والولاية في أسابيعها التشرينيّة الأخيرة، وبقي عليه أن يحسم موقفه من رئيس وزراء “إسرائيل” بنيامين نتنياهو، ويضع حدّاً لمشاكساته المخضّبة بالدماء.

كان مستشاره لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان في تل أبيب مؤخّراً، قال كلاماً عالي السقف، وعلى درجة كبيرة من الوضوح “تصرّفكم (نتنياهو)، وتعاطيكم مع ملف غزّة بدأ ينعكس سلباً على مسار الإنتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، وهذا خط أحمر ممنوع تجاوزه أيّاً كان الفاعل، ومهما كانت المبرّرات”.

جاء يمهّد لقرار كبير، وموقف لا بدّ منه، أيّاً تكن تداعياته. لن يسمح الرئيس بايدن أن يدير نتنياهو دفّة الإنتخابات الأميركيّة. لن يسمح بأن تقابل دائماً مواقفه ومبادراته، بـ”لامبالاة” تجاه وقف إطلاق النار في غزّة، والتوصل إلى تفاهم حول تحرير الرهائن، والسماح بدخول المساعدات الإنسانيّة إلى القطاع.

أعطى فرصاً كثيرة لنتنياهو. غضّ الطرف عن الكثير من المجازر، والبشاعات. صبر، وطال إنتظاره لموقف معتدل، لفسحة أمل، لكن من دون جدوى، بل إصرار على الرفض، وعناد، وإجرام، ودفع مستمر نحو المجهول.

هل طفح الكيل؟

صحيفة “واشنطن بوست” تقول إن المسالة ليست “بالشخصي”، بل هناك تباين في المواقف، وتقلّب في سلّم الأولويات.

لا يمكن للإدارة الديمقراطيّة الذهاب إلى مركز الإقتراع في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، من دون أن يحقّق الرئيس بايدن شيئاً من طروحاته حول الإفراج عن الأسرى، ومسار اليوم التالي في غزّة. لا يمكنه أن يستسلم لأي خسارة معنويّة، نظراً لتداعياتها المكلفة، سواء على حملة مرشّحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، أو على هالة الولايات المتحدة ودورها في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج.

أبعد من الصحافة الأميركيّة، وتوجهاتها السياسيّة ـ الإنتخابيّة، يأتي الخبر هذه المرّة، من بريطانيا، حيث أعلن وزير الخارجيّة ديفيد لامي أمام مجلس العموم عن تعليق 30 رخصة تصدير أسلحة إلى “إسرائيل”، كي لا تستخدمها “لأغراض ضدّ الإنسانيّة”.

بريطانيا حليف تاريخي استراتيجي للولايات المتحدة، ولا يمكن لحكومة كير ستارمر الإقدام على هذه الخطوة إلاّ بعد التنسيق والتشاور مع واشنطن. ويذهب سفير أوروبي معتمد في بيروت إلى أبعد من ذلك لجهة القول “إن القرار أميركي، بمبادرة بريطانيّة. وهذه خطوة أولى في مسافة الألف ميل بعدما حزم الرئيس الأميركي أمره، لإتخاذ قرار بشأن وقف إطلاق النار في غزّة، والإفراج عن الرهائن”.

ويضيف: “إذا كانت الرسالة الأميركيّة قد وصلت هذه المرّة عبر البريد البريطاني، فإنها قد تصل في المستقبل القريب بالمباشر، إذا ما إستمر التعنّت والرفض لكل الصيغ المتداولة، والهادفة إلى وقف إطلاق النار في القطاع، وإطلاق الرهائن، ومعالجة التراكمات عبر القنوات الدبلوماسيّة”.

ورصدت جامعة الدول العربيّة “تغييراً” في الموقف الأميركي تجاه غزّة، ينمّ عن جدّية وإصرار حول ضرورة التوصّل إلى تسويّة. ولاحظت أن الموقف الأميركي داخل قاعة المفاوضات بات يتّصف بجرأة في مواجهة المفاوض الإسرائيلي، غير معهودة في السابق. وتوقفت عند الأهميّة التي توليها واشنطن لإجتماع وزراء الخارجيّة العرب في دورة الإنعقاد العادية لمجلس الجامعة في العاشر من الجاري، حيث سيناقشون الأوضاع في غزة، وضرورة التوصل إلى تصوّر مشترك يُعبّر عنه في البيان الختامي. وتسعى الدبلوماسيّة الأميركيّة أن يأتي التصوّر العربي متطابقاً والموقف الأميركي المعبَّر عنه بالمقترحات التي يعمل عليها البيت الأبيض بإشراف الرئيس بايدن شخصيّاً.

وفي لبنان إتخذت الإدارة الأميركيّة قراراً بوضع ال1701 موضع التنفيذ، وبأقرب فرصة. هذا ما أعلنت عنه المندوبة الدائمة للولايات المتحدة لدى مجلس الأمن الدولي ليندا غرينفليد، في إحاطة إعلاميّة لها بعيد تمديد مهام القوات الدوليّة “اليونيفيل” في الجنوب. قالت إن “الخطوة التاليّة، وضع القرار 1701 موضع التنفيذ”. أما كيف؟ ووفق أي إخراج؟ فربما الأمر متروك للموفد الرئاسي آموس هوكشتاين، وما قد يحمل من مقترحات جديدة إلى كلّ من بيروت وتل أبيب، إستناداً إلى المتغيّرات الميدانيّة المرتقبة في غزّة.

وفي موازاة ذلك، يعترف سفير عربي مشارك في اللجنة “الخماسيّة” بأن “مناخاً أميركيّاً ـ أوروبيّاً ـ غربيّاً مختلفاً عن السابق بدأ يلوح في أجواء اللجنة لجهة تفعيل دورها، ودعمها على أن تسمّي الأمور بأسمائها أمام أيّ إستعصاء قد يثنيها، وأن تقدم على خطوات قادرة على وضعها موضع التنفيذ كونها مدعومة سلفاً من المرجعيات الأم”.

ويؤكد أن “ملامح التغيير إن في الموقف الأميركي ـ الغربي، أو في الموقف العربي بدأت تلفح الأزمة اللبنانية المعتقلة في سجن الفراغ منذ سنتين تقريباً”.

ويتساءل: “هل إن مثول حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة أمام القضاء اللبناني، قد تمّ بعفو خاطر، ومبادرة شخصيّة.. أم أن وراء الأكمة ما وراءها ، وأن قراراً حاسما قد اتخذ من وراء الحدود للبدء بفك شيفرة مغارة علي بابا والأربعين حرامي؟!”.

| جورج علم |

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى