مرة أخرى وفي اطار تقاسم الادوار بين امريكا والكيان الاسرائيلي، في الابادة الجماعية التي تجري امام انظار العالم منذ 11 شهرا في غزة، وهو تقاسم شلّ المحافل الدولية ومنعها عن اتخاذ اي قرار يمكن ان توقف تلك الابادة، اشاع الرئيس الامريكي جو بايدن مرة اخرى اجواء كاذبة من التفاؤل، حول احتمال التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار في غزة، في اول تصريح له بعد إعلان الكيان الإسرائيلي استعادة جثث 6 محتجزين، من بينها جثة “الإسرائيلي الأميركي” هيرش غولدبيرغ-بولين.
الجديد هذه المرة في تصريح بايدن، انه تضمن “نقدا” لرئيس وزراء الكيان الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو،عندما قال للصحفيين في واشنطن “نحن قريبون جدا من التوصل إلى اتفاق، ولا أعتقد أن نتنياهو يفعل ما يكفي حيال ذلك”. وهو “انتقاد” جاء لامتصاص موجة الغضب التي سادت الشارع في الكيان الاسرائيلي، بعد اعلان استعادة قوات الاحتلال لستة من الاسرى، بينهم امريكي، ولكن جثثا هامدة، بعد ان قتلتهم قوات الاحتلال في قصفها العشوائي لقطاع غزة.
لا يبدو ان هناك من يثق بعد ببايدن وكذلك بوزير خارجيته انتوني بلينكن، بعد الكم الهائل من التصريحات الكاذبة والمخادعة والتسويفية، التي ادليا بها حول المبادرات والمفاوضات واحتمال التوصل الى اتفاق لوقف الحرب على غزة، والتي تبين ان هدفها كان للتغطية على المخطط الامريكي الرامي الى منح المزيد من الوقت لقوات الاحتلال الاسرائيلي، لتنفيذ مهمتها في تدمير غزة، والقضاء على المقاومة، وتصفية القضية الفلسطينية، لافساح المجال، دون منغصات، امام باقي الانظمة العربية للانخراط في عملية تطبيع، تدخل الكيان الاسرائيلي، في النسيج الجغرافي والسياسي والاقتصادي للمنطقة.
اللافت ان المبادرات الامريكية جميعها دون استثناء، تبنت مطالب نتنياهو، وفي مقدمتها البقاء على قوات الإحتلال في رفح وفيلادلفيا ونتساريم، وتفتيش الفلسطينيين النازحين العائدين إلى شمال غزة. وان كل ما قيل عن اقتراح امريكا لـ”كسر الهوة بين الطرفين” اي حماس والكيان الاسرائيلي، كانت اكاذيب في اكاذيب، فعلي سبيل المثال لا الحصر، اخر مبادرة امريكية تحدثت عن تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة، والتي تقضي بـ”إطلاق سراح حماس للأسرى المدنيين”.
ومن ثم تتفاوض الأطراف خلال المرحلة الأولى على المرحلتين الثانية والثالثة دون ضمانات لحماس من الكيان الاسرائيلي أو الوسطاء، اي انها تاخذ اكبر ورقة ضغط من يد المقاومة، وهم الاسرى، وتمنح نتنياهو ضوءا اخضر لمواصلة الحرب مرة اخرى.
من كثرة ما كذب بلينكن على العالم، حتى بعض الصهاينة ذاقوا ذرعا باكاذيبه، فعندما اعلن في اخر زيارته له للمنطقة، ان نتنياهو وافق على المبادرة الامريكية، وان الكرة باتت في ملعب حماس، لم يصل بلينكن الى امريكا، حتى اعلن نتنياهو، انه لم يوافق على اي شيء، وانه سيواصل الحرب، الامر الذي دعا صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 21 أغسطس/آب، لتنقل عن مصادر -وصفتها بالمطلعة دون تسميتها- قولها إن “بلينكن ارتكب خطأ خطيرا للغاية بقوله إن نتنياهو قبِل المقترح الأميركي” وتعتبر أن وزير الخارجية الأميركي “خرّب بشكل خطير المفاوضات، وارتكب خطأ خطيرا للغاية، وهذا يدل على السذاجة وعدم الفهم”.
من الخطأ ان نبرر مواقف بلينكن ورئيسه بانها ساذجة، كما تزعم الصحافة في الكيان الاسرائيلي، لانها مواقف مدروسة نابعة، من “صهيونية بايدن”، و “يهودية بلينكن”، باعترافهما العلني، وانها تهدف الى منح نتنياهو الوقت الكافي لتنفيذ المخطط الامريكي في القضاء على المقاومة، وكل ما يقال عن “حرص” الثنائي بايدن وبلينكن على وقف العدوان على غزة، ليس سوى ذر للرماد في العيون، ويكفي ان تقلص امريكا من حجم اسلحتها التي ترسلها الى الكيان الاسرائيلي، لا قطعها، لدفع نتنياهو الى التراجع عن تعنته وارهابه واجرامه، ولكن هذا ما لا يريده الثنائي المشؤوم.
حتى المبادرة الاخيرة التي اعلن بايدن انه يعمل عليها، ستكون جاهزة بعد عدة اسابيع، وهي رسالة الى نتنياهو، بانه يمتلك الوقت الكافي لمواصلة جرائمه في غزة والضفة والمنطقة، متناسيا، ان استراتيجية الضغط العسكري قد فشلت في استعادة الاسرى، الذين وان عادوا سيعودون في توابيت، كما انها ستفشل في اقتلاع روح المقاومة من قلوب وعقول وضمائر الشعب الفلسطيني، بعد ان كسر “اسطورة الجيش الذي لا يقهر” والى الابد.