قليلة هي الجمعيات المحلية المُنخرطة جدياً في العمل الإغاثي في جنوب لبنان.
«هجمة الجمعيات» التي شهدتها وحدات إدارة الكوارث مع بدء العدوان الإسرائيلي على قرى الجنوب قبل 11 شهراً، لم تدم أكثر من شهرٍ، وسرعان ما انحسرت إلى عددٍ لا يتخطى أصابع اليدين من المنظمات غير الحكومية (NGOs)، التي حافظت على حضورها في مراكز إيواء النازحين، وفي الجولات الميدانية على البلدات المُستهدفة وتلك التي تستقبل نازحين، في ظل عجز الدولة اللبنانية عن تلبيةِ أكثر من 34% من حاجات نحو 100 ألف نازح.
وعلى هذا النسق من التدخّل المحدود، يتوقّع أن تكون الأمور في حال توسّع الحرب، ولا سيّما أنّ جمعيات كثيرة، وفق معطيات «الأخبار»، لم تحضّر خططاً مُرتبطة بالحرب.
وكما بررت عدم مشاركتها في الأعمال الإغاثية طوال الأشهر الماضية، تتذرّع اليوم مجدداً بـ«انعدام التمويل المخصّص لهذا النوع من التدخل».
إلا أن الخلفيات لا تقتصر على إحجام الجهات المانحة عن رصد أموالٍ لمساعدة الجنوبيين، بل يتّضح في بعض الحالات أنّ هناك فئة غير قليلة من الجمعيات تستخدم المموّل شمّاعة لتبرّر عدم مشاركتها في العمليات الإغاثية جنوباً.
وهذا ما تؤكده محاولة عدد قليل من المنظمات تقديم المساعدة للنازحين بما تيسّر لديها من موارد، رغم أن تمويلها يأتي من الجهات المانحة نفسها التي تموّل الجمعيات المنكفئة (حكومات، اتحاد أوروبي، USAID…)، ما يعني أن «التحايل» على الميزانيات المحدودة ممكن لمن يُريد الانتصار للمبادئ الإنسانية التي يرفع شعارها.
وهذا ما فعلته جمعيات عدّة، أوضحت في اتصالات مع «الأخبار» أنّها «رغم الموارد القليلة، بدأت بزيارة مراكز الإيواء لتقديم دعم نفسي اجتماعي، وتنظيم جلسات توعية في البلدات الجنوبية حول الطريقة الفضلى للتصرف في حال حدوث تصعيد أمني، وتعمل على خطط الإخلاء، وتوزيع حصص غذائية وحصص نظافة شخصية، وتقديم الرعاية الصحية الأولية».
كما تعمل جمعيات أخرى على «الاهتمام بالنساء والأطفال، وتوعية النازحات حول المخاطر التي قد يتعرّضن لها أثناء النزوح، مع تنظيم يوم طبي مجاني للنساء والأطفال».
مسؤولة إحدى الجمعيات أقرّت بأن «الوضوح السياسي في خطابها حرمها فرصة الحصول على تمويل هذا العام، ولذلك جهّزت مركز العمل الخاص بها ليتحول عند الحاجة إلى مركز إيواء يستوعب 50 سيدة».
وهذه الفئة من الجمعيات وضعت خططها للحرب، وهي بصدد تجهيز مراكز إضافية في الجنوب والبقاع والشمال وبيروت وتدريب المتطوعين لتكون على جهوزية تامة في حال حدوث تصعيد إضافي، للاستجابة كل في مجال عمله، وبالتنسيق مع لجنة الطوارئ ووحدات إدارة الكوارث.
العدد المحدود من المنظمات المنسجمة مع شعاراتها هو أشبه بحالات فردية وسط صورة عامة لجمعيات تُحاضر منذ نشأتها عن احترام حقوق الإنسان والفئات المهمشة ولا تعتبر نفسها معنية بما يجري حولها.
بل إن معظم الجمعيات اللبنانية المحلية تزايد على المموّل، بعدما انغمس الجزء الأكبر منها في اللعبة الداخلية القائمة على الفرز السياسي والطائفي والتموضع مع فريق ضد آخر.
وتظهر مقارنة بسيطة بين الحضور الكثيف للمنظمات بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، وبين انسحابها من العمل الإغاثوي جنوباً حالياً، كيف أن الـ«NGOS» تتصدى للمشهد أو تغيب عنه، بحسب الفئة المستهدفة، والظرف السياسي الحاكم للحدث.
وليس في الأمر مبالغة أو افتراء، فالسواد الأعظم من المنظمات لم تسجّل في الأشهر الأولى من الحرب، ولو موقفاً معنوياً على منصاتها.
فعلى سبيل المثال، بعض المنظمات رفضت توقيع بيان مشترك أصدرته فروعها في العالم العربي يدين العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ربطاً بالخلفية السياسية للقيمين عليها في لبنان. والأمر نفسه ينطبق على جمعيات بيئية وناشطين بيئيين لا يتركون فرصة من دون استغلالها للحديث عن الانتهاكات بحق الطبيعة، فيما التزموا صمتاً مطبقاً حيال إحراق العدو حوالي 1600 هكتار من الأراضي الزراعية جنوباً!
شكّل العدوان الإسرائيلي فرصةً للجمعيات لتثبت تماهيها مع شعاراتها، ولتعيد تصويب الصورة بعد تجربة الرابع من آب، ولا سيّما أنّ عدد طلبات التدخل ارتفع بنسبة 400%، لكن غالبية الـ«NGOs» في لبنان اختارت التحوّل من كيانات تعمل في الشأن العام وتنحاز للمبادئ الإنسانية الجامِعة إلى جمعياتٍ سياسية.