في قلب كل أزمة تنبض في لبنان، ينبعث شعاع من الإبداع الذي يشكل العلامة الفارقة لهذا المجتمع الذي اثبت انه لا يستسلم للشدائد، ويتجلى ذكاء أبناء هذا الوطن في قدرتهم على تحويل التحديات الاقتصادية إلى فرص ذهبية؛ مما يبرز مدى مرونتهم ومهاراتهم في مواجهة الصعاب. ولذلك، تنبلج هذه الروح الخلاقة بوضوح مع بدء العائلات في هذا الوقت من العام في صناعة المربيات والكبيس التقليدي، مما يعكس عمق تراثهم وثقافتهم الغنية. إشارة الى ان هذه المنتجات المنزلية ليست مجرد سلع غذائية، بل هي تعبير عن إرادة اللبناني في مجابهة العوائق المالية والمعيشية بروح من العمل والاتقان؛ وانطلاقا من كل ما تقدم، حوّل هذا الشعب الابي المطبخ إلى ورشة عمل تعج بالنكهات والأفكار الجديدة التي تثري الأسواق المحلية والدولية على حد سواء.
مجال بمئة سوق… اذا!
أوضح مصدر في “جمعية حماية الصناعيين” لـ “الديار” “ان هذا القطاع الذي يشمل صناعة المربيات والمكدوس وغيرها من المنتوجات الغذائية المنزلية، بات يكتسب أهمية متزايدة ويؤدي دوراً محورياً في تحريك عجلة الاقتصاد اللبناني. وهذه الأهمية تنبع من عدة جوانب:
1. تأمين الوظائف: تسهم صناعة المنتجات الغذائية المنزلية في تنشيط الاقتصاد المحلي من خلال توفير فرص العمل لأفراد المجتمع، سواء في الزراعة أو في مراحل التصنيع والتوزيع.
2. الفلاحة: تعتمد هذه الصناعات بشكل كبير على المحاصيل الزراعية المحلية، مما يدعم صغار الفلاحين ويسهم في ترسيخ الاستدامة الزراعية في لبنان.
3. تعزيز التراث الثقافي: تعكس هذه المواد المحضرة يدويا تراث لبنان الغني وثقافته الفريدة، مما يساعد في الحفاظ على التقاليد والأعراف الغذائية.
4. التصدير وزيادة الإيرادات: جودة المنتجات اللبنانية التقليدية جعلتها محط جذب واهتمام الأسواق العالمية، مما يفتح أبواب التصدير ويزيد من الإيرادات القومية.
5. تنويع الاقتصاد: في ظل الأزمات الاقتصادية المتكررة، يساعد هذا القطاع في تعدد مصادر الدخل والحد من الاعتماد على القطاعات الأخرى المتأثرة بالعوامل الخارجية.
6. البراعة: الابداع في صناعة السلع الغذائية يتيح للمواطنين الاصليين تطوير مواد استهلاكية جديدة تلبي احتياجات الأسواق المتغيرة، مما يعزز من مكانة لبنان كمركز للاختراعات الغذائية.
وقال المصدر: “في ظل الشظف والكوارث النقدية، يظهر ذكاء اللبنانيين في تحويل الصعاب إلى فرص، مما يوطد من أهمية هذا القطاع ويجعله حجر زاوية في الاقتصاد الوطني، مشددا على ضرورة العمل مع الجهات الحكومية لتوفير الدعم اللازم للمنتجين من خلال سياسات تشجيعية وإعفاءات ضريبية، وسن تشريعات تحمي حقوقهم وتدعم استمرارية هذا المجال”.
الاكل اللبناني مونة عالمية!
من جانبها قالت السيدة نور الديراني لـ “الديار” “ان هناك العديد من المأكولات اللبنانية التقليدية التي يمكن تخزينها وبيعها للزائرين العرب والاجانب. وتمثل المنتجات المصنوعة يدويا “شغل بيت” جزءاً من التراث اللبناني الغني، وهي قادرة على شد الوافدين لا سيما المغتربين اللبنانيين الذين يتوقون الى تذوق نكهات وطنهم، وتتضمن الأصناف الاتية:
المخللات: مثل مخلل الخيار، الملفوف، الجزر، واللوز الأخضر اذ تعتبر هذه الانواع جزءاً أساسياً من المائدة اللبنانية وتتمتع بشعبية كبيرة بين الضيوف الاجانب.
الكشك: مسحوق اللبن المجفف المخلوط بالقمح المطحون، وهو أحد المنتجات التقليدية الشهيرة، وتدخل هذه المادة في تحضير العديد من الأطباق الشعبية المحلية مثل “كبة الكشك” و “مناقيش الكشك”.
الزعتر البلدي: خليط من الزعتر اليابس والسمسم والسماق، يستخدم في تحضير المناقيش والكثير من الوصفات الأخرى، كما يمكن تعبئته وبيعه في عبوات مختلفة.
دبس الرمان: شراب مركز يستعمل في الطهي لتحضير العديد من الوجبات التقليدية اللبنانية، مثل الفتوش والكباب وورق العنب.
الزيتون وزيت الزيتون: منتجات زيت الزيتون اللبنانية مشهورة بنوعيتها العالية ويمكن تصديرها بسهولة.
الحلويات التقليدية: مثل الكنافة، البقلاوة، والمشبك، مفتّقة وزنود الست، هذه الاصناف يمكن بيعها كهدايا للسائحين.
منتجات السمسم: مثل الطحينة التي لا يمكن الاستغناء عنها لا سيما عند تحضير صحن الحمص اللبناني المشهور محليا وعالميا، الى جانب الحلاوة اللذيذة.
وختمت “أقوم حاليا بإعداد المربيات مثل، مربى التين، المشمش، البرتقال، ومربى وشراب التوت الشامي بالإضافة الى الكرز والملوخية ودقة الكبة “الكمونة”، وتتميز هذه المربيات بجودتها العالية ونكهاتها المميزة التي تعكس تقاليد الطبخ اللبنانية. ايضا اصنع عصير الحصرم وطعمه قريب من الحامض (الليمون)، كما أجفف قسما حتى يصبح ناشفا لأعد منه سماق الحصرم”.
الابداع اللبناني علامة فارقة
هل سمعتم يوما عن “معقود الجوز الأخضر”؟ تجيب السيدة نوال وهي من بلدة بقاعكفرا موضحة لـ “الديار” “ان مربى الجوز الأخضر هو من الاطعمة اللبنانية التقليدية التي تُعد كحلوى موسمية لذيذة ومميزة”.
وعن كيفية إعداده؟ قالت: “نستخدم لكل 1 كغ من الجوز الأخضر الطازج، 1.5 كغ من السكر، 1 لتر من الماء، عصير ليمونة واحدة وقرنفل (اختياري). ومن ثم نقوم بثقبه بعد بشر القشرة الخارجية بسكين حاد، وننقعه في ماء بارد لمدة 10 أيام، مع تغيير الماء يوميا لتخفيف مرارته”.
اردفت “بعد انقضاء فترة النقع، نغلي الجوز في ماء نظيف لمدة 10 دقائق، ثم يصفّى ويغسل بالماء البارد، ومن ثم نضع في قدر كبير السكر والماء على نار متوسطة حتى يذوب المزيج بالكامل، ونتترك الخليط يغلي لبضع دقائق حتى يصبح كثيفا او كما يقال (يتعقد)؛ ثم نضيف الجوز المسلوق إلى الشراب السكري ونطهيه على نار هادئة لمدة ساعة او ساعتين تقريبا، أو حتى يلين الجوز ويشرب القطر، ويجب الحرص على تقليب الخليط من حين الى آخر لمنع الالتصاق”.
وختمت نوال “معقود الجوز الأخضر يعتبر حلوى فاخرة وطيبة، ويمكن تقديمها كهدية مميزة أو كإضافة لذيذة إلى طاولة الحلويات، مشيرة الى ان تحضير “المعقود” يبدأ أواخر شهر حزيران حيث يكون الجوز لا يزال اخضر”.