اخبار اقليمية

25 أيار في غزة.. كيف أعاد فيديو للمقاومة “الكيان” إلى النقطة صفر؟

إلى جانب إنجازاتها الميدانية، تقدّم المقاومة في قطاع غزة في كل مرة تأكيداً جديداً لإبداعها على صعيد حرب الإعلام والصورة، بحيث تعتمد استراتيجياتٍ غايةً في الإتقان والتكامل والانسجام بين كل أدوات المعركة.

صحيح أنّ العنوان العام الذي أظهرته المشاهد الأخيرة التي بثّتها المقاومة يفيد بأنّ الاشتباك مع الاحتلال تمّ من “المسافة صفر”، إلا أنّنا لو نظرنا إلى ما وراء ذلك، لوجدنا أنّ الصورة الحقيقية تظهر أيضاً أنّ المقاومة أعادت “إسرائيل” كلها إلى “النقطة صفر”.

وبعد أكثر من 8 أشهر على حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزة، ادّعى خلالها الاحتلال أنّه حقّق عدداً من الانتصارات، يثبت بالدليل القاطع أنّه بدلاً من ذلك راكم الهزائم المتلاحقة، منذ الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

هذه الهزائم اختصرها مشهد قصير واحد أظهر جانباً من عملية الأسر الجديدة التي نفّذتها “القسّام”، وفيه تعبير عن حالة الجندي الإسرائيلي المهزوم أولاً، ثم “الجيش” وكيان الاحتلال بصورة عامة، بحيث تظهر “إسرائيل” محطّمةً وعاجزةً وفاشلة، ردعها مهشّم وقوتها متأكلة.

بموازاة مشهد الانكسار الإسرائيلي، يظهر تعبير عن طبيعة المواجهة التي تخوضها المقاومة الفلسطينية وعظمتها، من خلال اللباس الذي يظهر فيه مقاوم في صفوف كتائب الشهيد عز الدين القسّام.

عملية جباليا أعادت إنتاج الذهنية الإسرائيلية

تهدف كل الجرائم الإسرائيلية ضدّ قطاع غزة إلى محو مشاهد الانتصار الخالدة في الـ7 من أكتوبر، ومسح كل أدلة الهزيمة الإسرائيلية. لكن المقاومة نسفت المجهود الإسرائيلي كله ودحضت الإنجازات المزعومة.

والأهم فيما يتعلق بعملية جباليا المركّبة هو موقعها، فالمنطقة هي إحدى النقاط الأولى التي اندلعت منها “طوفان الأقصى”. ولهذا الأمر دلالة كبيرة جداً، أهمها إعادة إنتاج حالة الذهنية الاسرائيلية في الـ7 من أكتوبر، والأيام التي تلته.

إذاً، نجح عقل المواجهة الاستراتيجي لدى المقاومة، وإدارتها معركة الصورة في إعادة إنتاج هذه الحالة في فيديو قصير جداً، بحيث هدم كل ما أُشيع خلال المرحلة السابقة من ادعاءات كاذبة بشأن المقاومة، والجمهور الفلسطيني وحالة التأييد الشعبي لخيار المقاومة.

وأمام ذلك، يمكن القول إنّ ما حدث ليل السبت الأحد “طوفان” شبيه بما حصل في الـ7 من أكتوبر، من حيث الحدة والمضمون.

وعندما تحقق المقاومة إنجازاً في المواجهة الإعلامية وحرب الصورة، فإنّها تضرب بصورة مباشرة أحد أهم أهداف الاحتلال الإسرائيلي في هذه الحرب، فالحكومة الإسرائيلية العاجزة عن تحقيق أهدافها في الميدان والسياسة، وحتى على الصعيد الدولي لناحية السردية، لم يبقَ لها إلا “الصورة” لتقدّمها إلى جمهورها على أنّها “النصر”.

وبإعلان المتحدث باسم كتائب القسّام، أبي عبيدة، عن عملية جباليا، خسرت “إسرائيل” في ميدانها الأخير الذي كانت تسعى للفوز فيه، إذ باتت المقاومة هي التي تحدّد كيفية تقديم الصورة، ومتى تقدّمها وما الذي تقدّمه منها.

كما أنّ المقاومة هي التي تمسك بزمام المواجهة الإعلامية، فتحدّد ما يجب أن يُقال وما يجب أن يبقى مخفياً، من أجل إحداث أرباك أكثر، وزيادوة التخبّط بين مستويات الاحتلال السياسية والعسكرية والأمنية.

رواد وسائل التواصل الاجتماعي يواكبون إنجاز المقاومة

في تحليل التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي في أثناء الإعلان عن عملية الأسر في  جباليا، وما تلاها، يظهر رصد المصطلحات والمفردات التي تم تداولها تفاعلاً مع عملية كتائب القسّام النوعية.

أبو عبيدة تصدّر تفاعلات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث تداول الناشطون اسمه بصورة واسعة جداً. وهذا التداول لا يعود إلى كون أبي عبيدة الناطق باسم كتائب القسّام فقط، بل بكونه ناطقاً باسم جمهور المقاومة بصورة عامة، وصاحب الإطلالة المنتظرة، التي دائماً ما تحمل المواقف الأكثر أهميةً وجرعةً معنويةً كبيرةً للجمهور.

ويرتبط هذا التفاعل أيضاً بكون هذه الشخصية عرابة إذلال الاحتلال و”جيشه”، ورئيس حكومته على وجه التحديد، ليؤدي بذلك دوراً مكمّلاً لما يمارسه المقاومون من إذلال للقوات الإسرائيلية في ميدان القتال.

تتكرّر في التفاعلات أيضاً مفردة الشمال، أي شمالي قطاع غزة، الذي يبدو وكأنّه يتحوّل شيئاً فشيئاً إلى مصطلح يحمل معاني ودلالاتٍ تتجاوز تلك اللغوية المباشرة، بحيث يتّسع في الثقافة الشعبية ليشمل الصمود والتحدي، إلى جانب القوة والانتصار، وكل المفردات التي تحمل هذا المعنى.

مفردة “الأنفاق” كان لها نصيب من التداول الكبير في منصات التواصل الاجتماعي أيضاً، على نحو يعكس حضور هذا السلاح الاستراتيجي لدى المقاومة، وما يمثّله في إطار المواجهة القائمة مع الاحتلال الإسرائيلي.

يُضاف إلى ذلك مصطلح “أسرى 25 أيار”، وهو يرمز إلى عملية الأسر النوعية في جباليا، وتم تداوله على نطاق واسع.

وترافق هذا المصطلح مع تفاعل كبير وساخر من الاحتلال، بحيث ضجّت انتشرت نكات تتصوّر “لقاء أسرى 25 أيار بالأسرى القدماء”، وبحقيقة أنّ من ذهب ليعيد الأسرى أصبح أسيراً أيضاً!

في سياق الاحتفال بالعملية، تم تداول أيضاً بعدد من الوسوم، أ برزها “بشائر النصر” و”غزة مقبرة الغزاة”. والملاحظ هنا هو ثقة الجمهور لأنّ الاحتفاء كان متّجهاً إلى النصر الكامل، وليس احتفاءً بعملية منفردة فقط، ما يعكس تفكير الجمهور ونظرته إلى الواقع الميداني.

البطولة الفردية أيضاً كانت حاضرة، وإبراز فعل المقاومين وبسالتهم في مواجهة الاحتلال، وإن اتخذت سياقاً ساخراً من الاحتلال بصورة أكبر. ولذلك، برز مصطلح الشبشب، الذي كان يرتديه أحد المقاومين، بصورة لافتة وكبيرة جداً، سواء عبر منشورات محتفية بالبطولة، أو ساخرة ومستهزأة بـ”جيش” الاحتلال، إذ إنّ هذه الجزئية تلخص المشهدية التي تدور في إطارها هذه المعركة: حفنة من المقاومين الغزيين الفقراء والبسطاء، في مواجهة قوات “إسرائيل” الخاصة!

ومن المصطلحات المتداولة على نطاق واسع أيضاً “المسافة صفر”، الأسرى” و”أهالي الأسرى”، لما تشتمل عليه من تعبير عن أزمة حكومة الاحتلال التي تتصاعد، والتي تساهم المقاومة في تعميقها وتفاقمها واتساعها، عبر توسيع دائرة أهالي الأسرى بضمّ أسرى جدد إلى جعبتها.

تُضاف إلى ما سبق مفردات أخرى، مثل “سنصطادهم”، تأكيداً لفعل المقاومة وتوعّد الاحتلال، والتزام المقاومة بوعودها وتفجيرها المفاجآت باستمرار.

الناشطون على تماس مع المقاومة

اللافت في هذا الإطار هو أنّ منصات التواصل الاجتماعي باتت على تماس مباشر مع المقاومة، بحيث يمكن رصد التفاعل منذ ما قبل كلمة أبي عبيدة، أي عند إعلان الكلمة المرتقبة.

وذهب الكثير من الناشطين إلى الحديث عن حصول عملية أسر وكمين نوعي، ما يدلّ على أنّ المنصات باتت تفهم عقلية المقاومة، وكيفية تحرّكها الإعلامي، وتتفاعل معها بصورة مباشرة.

وبعد الإعلان عن تفاصيل العملية، فإنّ منصات التواصل باتت هي الناطقة باسم أبي عبيدة، إذ تناقلت إعلانه، حتى إنّ الأمر تجاوز نقل الحدث أو نشر الصور، إلى تحليل المشهد وخلفياته وتداعياته، ولاسيما أنّ العملية وقعت في مخيم جباليا.

المسيرات الشعبية والاحتفالات التي اجتاحت المدن والشوارع أثبتت أيضاً فشل الدعاية الإسرائيلية، التي تركّز على أنّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بعد ملحمة الـ7 من أكتوبر، ستجعل أهل غزة أو جمهور المقاومة “يتردّد بالاحتفال أو الترويج أو إظهار الفرح تجاه أي عملية للمقاومة”.

لكن المقاومة دحضت ذلك في جباليا، وأثبتت أنّ جمهورها على جهوزية تامة للاحتفال بالإنجازات.

ولم يقتصر هذا التفاعل على الجمهور العربي، إذ إنّ هناك حالةً مستجدةً يمكن ملاحظتها، ولاسيما منذ ارتفاع حدة الحراك المناهض لحرب الإبادة الإسرائيلية، بحيث تداول الناشطون الغربيون مشاهد المقاومة.

أما الإعلام الإسرائيلي فالتزم، وانطلاقاً من تصريحات “جيشه” وتعليماته، التعتيم الكامل على الموضوع، وهذا ما انسحب على وسائل التواصل في الاحتلال.

على صعيد آخر، في وسائل الاعلام الغربية، وبعد رصدها باستخدام برنامج “سابيك” للاطلاع على حجم التغطية الاعلامية، لموضوع “أسر الجنود الاسرائيليين من قبل كتائب القسام”، وفي المدة الزمنية من تاريخ 25 أيار وصولاً إلى اليوم التالي، تبين أنّ عدد المقالات التي نشرت عن الموضوع في المواقع الأساسية، والأكثر زيارة، “لا يتجاوز ألف مقال، وهو رقم متواضع جداً يعكس الانسجام بقرار التعتيم الاسرائيلي”.

أما الصحف التي اختارت نشر الخبر، نقلاً عن الوكالات مثل وكالة “رويترز”، فهي على سبيل المثالThe Sun”:  NAtional news – Telegraph Independent – Reuters – WION – Business Standard”.

وجميعها اختارت عنواناً للخبر: “حماس تزعم أنها أسرت جنود اسرائيليين في غزة، وإسرائيل تنفي”.

كذلك، هناك مواقع وصحف مثل “وول ستريت جورنال” و”واشنطن بوست”، عملت على تغييب الخبر في العناوين الأساسية، وذكرته في متن الأخبار تحت عناوين أخرى.

المقاومة تدير المواجهة عبر خطاب موجّه إلى الإسرائيليين

اكتفت المقاومة بإعلان الخبر وبعملية تقسيم تفاصيل العملية وتوزيعها على مراحل بحسب ما يبدو، وفي هذت امتداد لاستراتيجية إدارة المواجهة من قِبل المقاومة.

في هذا الإطار، لاحظنا كيف تخاطب المقاومة جمهور الاحتلال وأهالي جنوده، من خلال الاكتفاء بما نشرته من دون تفاصيل وجوه الأسرى أو أرقامهم العسكرية. وبحسب المتوفر من المعلومات، فإنّ هذا سبب اضطراب وتوتر كبير لدى عائلات الجنود، الذين سيحاولون بطبيعة الحال الاتصال بأبنائهم.

ومن خلال حركة صغيرة، إن جاز التعبير، تمكّنت المقاومة من إحداث أثر كبير لدى “مجتمع” الاحتلال، وهي هنا أيضاً تبني على ما راكمته من إثبات كذب الاحتلال على الجمهور الاسرائيلي في أكثر من مناسبة أو عملية ومن ثم عاد للإقرار بها.

هنا، ومن خلال هذا التفصيل، تنقل المقاومة الإرباك والتخبط والإحباط من عائلات الأسرى إلى عائلات الجنود أيضاً، ما يؤدي إلى اتساع رقعة الاضطراب، ما يقود إلى ضغوط أكبر أيضاً على “جيش” الاحتلال ومسؤوليه. إنّها ورقة ضغط جديدة أضافتها المقاومة، عبر تفصيل صغير فقط، ما يعكس مستوى الوعي الاستراتيجي في إدارة هذه المعركة.

المصدر: الميادين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى