فجّرت موافقة مجلس الأمن الدولي، اليوم، على مشروع قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزّة، الخلافات المتصاعدة بشدّة في الآونة الأخيرة بين “إسرائيل” والولايات المتحدة، بعد امتناع الأخيرة عن التصويت وعدم استخدامها حق النقض (الفيتو).
وأظهرت نتائج التصويت التي بثّها موقع الأمم المتحدة موافقة 14 عضواً على مشروع قرار مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار في غزة، في مقابل امتناع واشنطن عن التصويت، بعدما عطّلت محاولات سابقة لإصدار قرار عبر اللجوء الى حق النقض، ليكون أول قرار لوقف إطلاق النار يعتمده المجلس بعد أربع إخفاقات سابقة.
وفي إثر هذا القرار، أعلن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إلغاء زيارة كان من المقرر أن يقوم بها وفد رفيع المستوى إلى واشنطن لمناقشة الهجوم المحتمل على رفح، على ضوء “التغيّر في الموقف الأميركي”، في خطوة اعتبر مكتب نتنياهو أنها تضرّ بالمجهود الحربي ضدّ “حماس”.
واعتبر مكتب نتنياهو أنّ الولايات المتحدة “تراجعت عن موقفها الثابت في مجلس الأمن، الذي ربطت فيه قبل بضعة أيام فقط وقف إطلاق النار بإطلاق سراح الأسرى”، مشيراً إلى أنّ هذا الانسحاب “يضرّ بكلّ من المجهود الحربي والجهود المبذولة للإفراج عن الأسرى، لأنه يعطي حماس الأمل في أنّ الضغط الدولي سيمكنها من الحصول على وقف إطلاق النار دون إطلاق سراح أسرانا”.
استياء إسرائيلي كبير من واشنطن
ووصف الإعلام الإسرائيلي ما حدث بأنه “ذروة الأزمة مع الولايات المتحدة”، فيما عبّرت القنوات “12” و”13″و “14” عن الاستياء الإسرائيلي في عنوان عريض واحد: “دراما في الأمم المتحدة: الولايات المتحدة لم تضع فيتو لصالح إسرائيل”.
بدورها، اعتبرت مراسلة القناة “13” في واشنطن، نيريا كراوس، أنّ هناك، بشكلٍ قاطع، تغيير في السياسة وتغيير في نظرة الولايات المتحدة إلى “إسرائيل”، مشيرةً إلى أنّ هذا يحدث على خلفية أزمة ثقة غير مسبوقة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونتنياهو.
وتابعت كراوس بالقول: “خطوةً بعد خطوة، تفاقمت الأزمة في العلاقات، ووصلت إلى الذروة اليوم حيث هناك تداعيات عملية”.
من ناحيته، قال اللواء احتياط عاموس غلعاد، رئيس الدائرة السياسية الأمنية في وزارة الأمن سابقاً، إنّ ما حدث في مجلس الأمن “لا تناسبه كلمة مقلق، بل هذه كارثة، ولا أفهم كيف وصلنا الى هذا، فشل ذريع”.
وأضاف غلعاد، في مقابلة مع قناة “كان”، أنّ “قوتنا الاستراتيجية مبنيّة على قوة الجيش الذي يأتي أغلب سلاحه من الولايات المتحدة على حساب دافع الضرائب الأميركي، وعلى الحكمة المتمثلة في صداقة رائعة مع الولايات المتحدة”.
وأكد أنه “يجب أن نتعاون مع الولايات المتحدة مقابل التهديد المركزي وهو التهديد الإيراني”، موضحاً أنّ “الحلف مع الولايات المتحدة هو أحد ضمانات وجودنا”.
كذلك، تساءل غلعاد، قائلاً إنّ “ما حصل جنون، كيف وصلنا إلى هذا الوضع، كيف وصلنا إلى مواجهة واحتكاك مع الولايات المتحدة؟”، مشدداً على أنّ “هذا مسٌّ بالأمن القومي الإسرائيلي، هذا أمرٌ لا يعقل”.
من جهته، نقل موقع “يديعوت أحرونوت” عن مصدر سياسي إسرائيلي رفيع قوله إنّ قرار مجلس الأمن “معقد وخطير للغاية”. ولفت المصدر إلى أنّ “ردّ نتنياهو يفاقم المشكلة، إذ يضعنا أكثر في الزاوية من خلال إلغاء زيارة الوفد إلى الولايات المتحدة”.
من جانبها، أكدت عضو “الكنيست” السابقة، عينات فيلف، أنّ ما جرى في مجلس الأمن “يخدم حماس كثيراً”.
صدامات إسرائيلية داخلية
في غضون ذلك، أشعل قرار نتنياهو بإلغاء زيارة الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن الغضب في الأوساط السياسية الإسرائيلية، إذ رأى زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، أنّ تحدّي نتنياهو الأميركيين “ينمّ عن عدم مسؤولية مخيفة”.
واعتبر لابيد أنّ تصريحات نتنياهو هي “محاولة بائسة ومؤسفة أخرى لصرف الانتباه عن مشروع قانون التجنيد على حساب علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة”.
وأردف بالقول: “هناك سؤال واحد يجب أن نطرحه على أنفسنا حول الأزمة التي قادها نتنياهو مع الولايات المتحدة، هل هي جيدة لإسرائيل أم سيئة لإسرائيل؟ الجواب الذي لا لبس فيه هو: سيئة لإسرائيل، سيئة للأمن، سيئة للاقتصاد، سيئة لمواجهتنا البرنامج النووي الإيراني، سيئة لوضعنا الدولي وسيئة للأسرى”.
بدوره، رأى عضو “كابينت” الحرب، بيني غانتس، أنه “ليس من الصواب فقط أن يذهب الوفد إلى واشنطن، بل من الأفضل لرئيس الوزراء أن يسافر بنفسه ويجري حواراً مباشراً مع الرئيس بايدن وكبار مسؤولي الإدارة.”
من جهته، ردّ نتنياهو على اقتراح غانتس، قائلاً: “بعد أن رحّبت حماس بقرار مجلس الأمن الذي تم تمريره مع امتناع الولايات المتحدة عن التصويت، لا يزال بيني غانتس يعرض الليلة إرسال وفد إلى الولايات المتحدة. أنا أرفض هذا الاقتراح.”
خيبة أمل أميركية من “إسرائيل”
هذا وعبّر البيت الأبيض عن “خيبة أمل” واشنطن لإلغاء زيارة الوفد الإسرائيلي، معرباً عن “إحباطه من عدم قدوم الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن لبحث البدائل الناجعة عن تنفيذ عملية برية في رفح”، بحسب ما أعلن.
وأشار البيت الأبيض إلى أنّ واشنطن تقوم بسدّ الفجوات في مفاوضات صفقة الأسرى، “لكننا لم نصل إلى اتفاق بعد”.
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، إنّ قرار مجلس الأمن “يتّسق مع السياسة الأميركية بشأن غزة، وعدم استخدام الفيتو يتماشى أيضاً مع سياستنا”.
وأضاف ميلر: “لا زلنا نعتقد أنّ الاجتياح العسكري لرفح خطأ، ونحن على استعداد لتقديم خطة تأخذ بعين الاعتبار مطالب إسرائيل الأمنية وفي نفس الوقت حماية المدنيين”.
وكشف أنّ خيار الامتناع عن التصويت جاء بسبب “خلوّ القرار من إدانة حماس”، موضحاً أنّ القرار “يتماشى مع مطالبنا بوقف إطلاق النار جنباً إلى جنب مع مطلب إطلاق سراح الأسرى”.
وأشار ميلر إلى أنّ بلاده لا تتوقع إعلان “إسرائيل” وقف إطلاق النار من جانب واحد.
من جهته، أكد منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، أنّ بلاده “لا تزال تدعم إسرائيل وقدرتها على ملاحقة حماس، هذا لم يتغير”.
وتابع بالقول: “إننا نتطلع إلى الحصول على فرصة للتحدث مع الوفد إلاسرائيلي في وقتٍ لاحق من هذا الأسبوع يشأن خيارات وبدائل قابلة للتطبيق بشأن هجوم رفح”، مضيفاً: “لا نعتقد أنّ الهجوم البري في رفح هو المسار الصحيح للعمل،لا سيما بالنظر إلى وجود 1.5 مليون شخص يبحثون عن ملجأ”.
وأشار كيربي إلى أنه “إذا لم تكن هناك زيارة للوفد هذا الأسبوع، فمن الواضح أننا سنواصل إجراء محادثات مع نظرائنا الإسرائيليين، ونبذل قصارى جهدنا لمواصلة مشاركة وجهات نظرنا معهم”.
كذلك، لفت إلى أنّ وزير الأمن الاسرائيلي (يوآف غالانت) “موجود في واشنطن اليوم وغداً، إنه يجتمع مع وزير الخارجية بلينكن، وسوف يجتمع مع مستشار الأمن القومي جايك سوليفان ،وسيحصل أيضاً على فرصة للقاء وزير الدفاع لويد أوستن”.
وأضاف أنه “ليس لدي أدنى شك في أنه في تلك المناقشات، سيكون لدينا فرص كبيرة للتحدث معه حول ما يحدث في تخطيطهم لرفح، وكذلك ما يحدث داخل المفاوضات لإخراج الأسرى”، مردفاً: “لذلك نحن نركز على دفع الأمور إلى الأمام، نحن نركز على توفير كل هذه الخيارات وبذل كل ما في وسعنا لدعم إسرائيل”.