في ظل عالم احادي القطب تتحكم فيه امريكا، كأنها “سيدة” العالم، لا نجد من أثر للمنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة الامم المتحدة، التي تم تأسيسها من اجل منع وقوع الحروب والنزاعات، فأمريكا تفرض قوانينها على العالم، كقوانين دولية، لا تملك الدول من خيار الا الخضوع لها، وإلا ستتهم بالارهاب.
منذ الحرب العالمية الثانية، غزت امريكا واحتلت وحاصرت، العديد من دول العالم خلال الحرب الباردة بذريعة وقف المد الشيوعي. وبعد انهيار جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفيتي، واصلت امريكا سياستها السابقة، بشراسة اكبر وبذرائع اخرى. وان اردنا ان نذكر اسماء الدول التي احتلتها امريكا وغزتها وحاصرتها وزرعت الفتن والفوضى فيها، فعلينا ان نسود عشرات الاوراق.ولكن نشير بعجالة الى بعض النماذج الصارخة للتفرد الامريكي بالعالم، خلال العقدين الماضيين. فهذه الدولة المارقة احتلت افغانستان والعراق ودمرت ليبيا ، واحتلت اجزاء كبيرة من سوريا، وتعتدي وبشكل يومي على اليمن، وتفرض حصارا اقتصاديا ظالما على ايران وسوريا وروسيا والصين وكوريا الشمالية و..، وتقصف أنى شاءت القوات المسلحة العراقية والسورية، وتقيم قواعد عسكرية غير شرعية في العراق وسوريا، وتجند العصابات الارهابية والتكفيرية، لزرع الفتن والفوضى في العالمين العربي والاسلامي، وتتدخل بشكل مباشر في الابادة الجماعية التي تنفذها قوات الاحتلال الاسرائيلي في غزة، وتهاجم كل دولة او فصيل مقاوم، يعمل على وقف العدوان الاسرائيلي، دون ان تكون هناك جهة في العالم، يمكنها ان توقف هذا الاستهتار والتعجرف الامريكي، الذي يدوس على القوانين الدولية وسيادة الدول وحقوق الشعوب.امريكا التي تسمح لنفسها فعل ما تشاء في جميع انحاء العالم، دون ان تحسب حسابا لقانون او منظمة دولية او قيم انسانية واخلاقية، نراها تستخدم سياسة اسقاطية، عبر اتهام الاخرين بما ترتكبه هي من ممارسات تتنافى والقوانين الدولية، خاصة ضد الدول التي ترى انها تشكل عقبة امام تنفيذ مخططاتها في العالم، ونصيب ايران من سياسة الخداع الامريكي هذه نصيب الاسد.ففي حين نرى ان امريكا ورطت اوكرانيا في حرب مع روسيا، من خلال تشجيع كييف على طلب الانضمام لحلف الناتو، وفتحت ابواب مخازن اسلحتها وميزانيتها امام اوكرانيا لمواصلة الحرب، وضغطت على الدول الغربية لاتخاذ ذات السياسة، لاستنزاف روسيا واضعافها، نرى ان وسائل اعلام غربية ، “تسرب” اخبارا عن “مصادر مجهولة”، او نقلا عن “مسؤولين” اوكرانيين، تتحدث عن تزويد ايران لروسيا بالمسيّرات، وهي اخبار تتلقفها واشنطن وتقوم بالبناء عليها وتفرض على ايران عقوبات اقتصادية، دون ان تقدم، لا كييف ولا وشنطن، دليلا واحدا، على مزاعمهما هذه.ايران وبدورها عرّت اكاذيب واشنطن وكييف، عبر دعوة الاخيرة الى تشكيل لجنة مشتركة، للتحقيق في الاتهامات، الا ان السلطات الاوكرانية تهربت اكثر من مرة من تشكيل هذه اللجنة. ويبدو ان كييف لا تملك من امرها شيئا، فدورها كان محصورا باتهام طهران، دون اي دليل، لتمهد الارضية امام واشنطن لشيطنة ايران والتحريض عليها، واستخدام كل ذلك كأوراق ضغط ضدها في اي مفاوضات نووية او غير نووية مع الغرب.يبدو ان كذبة تصدير ايران مسيرات الى اوكرانيا، لم تكن كافية للضغط على ايران، لذلك لجأت امريكا الى وكالة رويتزر البريطانية للانباء، لتلفيق خبر نقلته كالعادة، عن مصادر مجهولة، مفاده ان ايران باعت روسيا صواريخ بالستية، لاستخدامها في حرب أوكرانيا.ايران ردت على الكذبة الجديدة، عبر ممثليتها لدى الأمم المتحدة بالقول “انه على الرغم من عدم وجود قيود قانونية على بيع الصواريخ الباليستية، إلا أن إيران ملتزمة أخلاقيا بالامتناع عن صفقات الأسلحة خلال الصراع الروسي -الأوكراني لتجنب تأجيج الحرب، وذلك انطلاقا من التزامها بالقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة”.من جانبها امريكا قالت على لسان المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي: “حاليا، نعتقد أن إيران لم تقدم صواريخ باليستية قصيرة المدى لروسيا، لكن المفاوضين الروس يحرزون تقدما في هذا الأمر”!. وهذا التصريح يعكس ارباك مدى امريكا في تسويق كذبتها الجديدة، وهو ارباك كان واضحا من كلام كيربي، الذي لم يجد دليلا على كذبته الا زيارة وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو الى طهران في ايلول/سبتمبر 2023، وهي الزيارة التي “كشفت”! من وجهة نظره عن “نية” روسيا شراء صواريخ من إيران!، وكأن على روسيا وايران، الحصول على ضوء اخضر من امريكا، لتبادل الزيارات بينهما، وان يقدما كشفا باهداف هذه الزيارات لواشنطن، وإلا فان الاتهامات جاهزة. لكن ما ينبغي قوله هو ان هذه الاتهامات، لن تغطي على الواقع المزري الذي وصلت اليه امريكا، المنبوذة عربيا واسلاميا وعالميا، بعد تضحيتها باوكرانيا والشعب الاوكراني، لتصفية حساباتها مع روسيا، وبعد انخراطها المخزي في الابادة الجماعية التي تنفذها، مع حليفتها الارهابية “اسرائيل”، في غزة.