ينتظر لبنان تسلّم التقرير المفصّل من شركة “توتال إنرجيز” حول نتائج الحفر في البئر الأولى في حقل قانا المحتمل في البلوك 9 أواخر شباط الجاري، التي سبق وأعلمت المعنيين بعدم وجود إستكشاف تجاري فيها بعد 4 أيّام من بدء عملية طوفان الأقصى في غزّة. الأمر الذي جعل البعض يشكّك في النتيحة المعلنة أن “لا غاز في البئر الإستكشافية الأولى في حقل قانا”، وربطها بالأحداث السياسية الطارئة في غزّة، وبمغادرة الحفّارة “ترانس أوشن” المياه اللبنانية للحفاظ على سلامة طاقم عملها.
مصادر معنية بقطاع النفط تحدّثت عن معاناة لبنان في قطاع النفط والغاز منذ سنوات، رغم النيّة الموجودة بعدم هدر المزيد من الوقت، بل تسريع نمط الإستكشاف بهدف التوصّل الى أول إكتشاف غازي أو نفطي تجاري، ما يجعل لبنان ينضمّ الى نادي الدول النفطية بالفعل وليس بالقول فقط. كذلك لم تسمح الظروف السياسية الداخلية، والمحيطة بلبنان أيضاً، بجذب الشركات النفطية لتلزيمها البلوكات اللبنانية. فبعد أن كان هناك 52 شركة دولية مهتمة بالتنقيب في البلوكات البحرية في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان، لم يبقَ منها سوى 3 شركات في نهاية دورتي التراخيص الأولى والثانية، هي الكونسورتيوم نفسه الذي عمل على الحفر في البلوكين 4 و9 (أي “توتال إنرجي” الفرنسية، و”إيني” الإيطالية، و”قطر للطاقة” التي حلّت محل “توفاتيك” الروسية مع بدء الحفر في البلوك 9).
والأمر نفسه تكرّر لدى إطلاق دورتي التراخيص الأولى والثانية، والثالثة أخيراً، على ما أضافت المصادر، إذ لم تكن الظروف ملائمة لمثل هذا الأمر. ولكن لأنّه لا يُمكن انتظار الأحداث السياسية، ولعدم إضاعة الفرص المتاحة، فإنّ وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول تتحرّك على أمل تسريع نمط الإستكشافات في البلوكات الملزّمة، وتلك التي تحتاج الى تلزيم. فبعد إغلاق دورة التراخيص الثانية في 2 تشرين الأول الفائت، تقدّم عرضان من قبل تحالف الشركات لتلزيم البلوكين 8 و10 الحدوديين . الأمر الذي أظهر اهتمام الكونسورتيوم باستكمال البحث في البحر اللبناني، رغم أنّ تجربته في البلوكين 4 و9 لم تكن مشجّعة.
وعن اعتبار البعض أن العروض المقدّمة في هذا الإطار أتت مجحفة بحقّ لبنان وثروته النفطية، أشارت المصادر نفسها الى أن هيئة إدارة قطاع البترول قامت بدراستها، وهي لم تكن في الشكل منسجمة بشكل كبير مع دفتر الشروط. غير أنّها رأت أنّها من الناحية التقنية (أي موجبات الإلتزام بالعمل الذي طرحته شركة “توتال”)، ومن الناحية المالية والتجارية بحسب العرض المالي المقدّم الذي هو نتيجة الإستكشاف لاحقاً، يُمكن القبول بها وإعطائها أفضل فرص النجاح، لكن ليس بشروط الكونسورتيوم. ولهذا رفعت توصية الى وزير الطاقة وليد فيّاض بموافقة مشروطة، بعد أن طوّرت العرض ووضعت شروطاً إضافية، وأجرت تحسينات عدّة عليه. وهذا يعني بأنّها لم تُوافق على شروط الكونسورتيوم كما هي.
وهذا يجعل لبنان اليوم، على ما أكّدت المصادر، أمام 3 إحتمالات من قبل الكونسورتيوم في ما يتعلّق بالبلوكين 8 و10:
1- الأول: قبول الكونسورتيوم بالعرض المشروط من قبل لبنان، والمجيء الى بيروت لتوقيعه وذلك قبل 16 شباط الجاري.
2- الثاني: طلب مهلة زمنية لتحضير الأوراق والكفالات المطلوبة وما الى ذلك.
3- الثالث: رفض العرض. فلبنان لم يُلزم بعد هذه البلوكات، وهناك احتمال كبير جدّاً ألا تأتي الشركات للتوقيع على الشروط التي وضعها مجلس الوزراء، بناء على توصية الهيئة ووزير الطاقة. وفي حال حصول هذا الإحتمال، يصل لبنان عندئذٍ الى مكان يتيح له بعرض البلوكات 8 و10 و4 (الذي تنازل عنه “الكونسورتيوم” في تشرين الأول من العام الماضي)، للتلزيم مجدّداً في دورة التراخيص الثالثة، وهنا تكمن أهمية فتح دورة التراخيص الثالثة، وذلك لعدم خسارة المزيد من الوقت في هذه البلوكات الحساسة بموقعها الجغرافي وفي الصراع مع العدو الإسرائيلي.
وتقول المصادر بأنّ دورة التراخيص الثالثة تتضمّن تلزيم بقية البلوكات اللبنانية، مع الأخذ بالإعتبار وضع البلوكات الحدودية 8 و9 و10 مع العدو الإسرائيلي، والتي يُضاف اليها عامل مهم وهو السباق الدائر بين لبنان و”الإسرائيلي” على استثمارها، سيما وأنّها متاخمة لبلوكات العدو. مع الإشارة الى أنّ البلوكات المقابلة للبلوك 8 قد جرى تلزيمها من قبل “الإسرائيلي” بعد عملية طوفان الأقصى بأسبوع فقط. وهذا يعني بأنّ حرب غزّة لا تؤثّر سلباً على استكمال العمل في البلوكات البحرية في بحر فلسطين المحتلّ من قبل العدو الإسرائيلي.
وعن الحفر في البئر الأولى في البلوك 9 التي لم تعثر فيها “توتال” على الغاز إنّما على الماء، كما سبق وأعلنت، وإذا ما كانت ستحفر بئراً ثانية في حقل قانا، أكّدت المصادر عينها أنّ أهمّ ما في عمليات الحفر، أكانت نتائجها سلبية أم إيجابية، أنّه أصبح لدى لبنان صورة أفضل عن النظام البترولي في بحره. فضلاً عن أنّها أوجدت رسم التشابه الجيولوجي بين المنطقة في الجنوب وخصوصاً البلوك 9 والمناطق الجيولوجية المنتجة للغاز في بحر فلسطين المحتل. وهذا التشابه تمّ التأكّد منه، وهو أمر إيجابي يجب البناء عليه في المرحلة المستقبلية. وهذا يعني أنّ الطبقات الرملية المنتجة للغاز في بحر فلسطين المحتل وُجدت بالنوعية نفسها وهي نوعية ممتازة في بحر لبنان. ما يشير الى أنّ الصخور الرملية التي كان الهدف من الحفر تأكيد وجودها أولاً، ومن ثمّ معرفة محتواها، قد تأكّد لبنان من وجودها، إلّا أنّ محتواها لم يأت كما كان يرغب.
وأشارت المصادر الى أنّ نتائج البئر الأولى لا تلغي إمكانية إكتشاف غاز في حقل قانا في بئر ثانية، أو في البلوك 9 بشكل عام. فنتائج حفر البئر لا تتغيّر مهما طرأ من ظروف سياسية في البلد. من هنا، ينتظر لبنان التقرير المفصّل من شركة “توتال” عن نتائج حفر البئر الأولى في قانا، ليُصار الى دراسته ومن ثمّ البحث مع الكونسورتيوم في الخطّة المستقبلية، وفي تسريع عملية الإستكشاف إذا كان لديها النيّة في حفر بئر ثانية في البلوك 9 أم لا. ولكن من الآن وحتى 25 أيّار 2025، أي الى حين موعد نهاية مدّة عملية الإستكشاف الأولى، فإنّ الكونسورتيوم قد أتمّ الموجب التعاقدي بحفر هذه البئر.